الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هرطقة الغرور

نعمة حسين الحباشنة

2010 / 7 / 27
الادب والفن


عنما تدق أجراس الساعة معلنة نهاية يوم وبداية يوم جديد في منتصف كل ليلة ، يسكن الكون الا من نجوم تناثرت تضيء ظلام ليل متشح بغطرسة وفزع يساكن قلوب تخاف العتمة ؛ يطل عليها من علٍ قمرعاشق متربعاً بين كواكب السماء ملكاً على عرش النجوم ؛ تنسل من بين ثناياه خيوط نور تتبختر بين أفاعي العتمة لتقتلها معلنة أنها الأقوى ، وما هي الا سويعات تمر حتى نراه نقطة بيضاء في سماء الضياء يحرقها قرص الشمس بلهيبه ويحجب عنه العيون وكأنه لم يكن ، كان قمراً وأضحى نقطة ولكنه ما زال يقتنص الفرصة ليكرر ما حدث في منتصف ليل كل يوم ولم يتنازل عن غروره يوماً أبداً ...


عندما جاء الربيع وقررت تلك البذور المختبأة بين حبيبات الرمل المثقلة بقطرات الماء وحبات البرد الخروج الى الحياة وهي من عاشت أحلك ساعتها تصارع برد الشتاء وانجماد الساق المحملة بالعصارة تبحث عن جذور بائسة مغمورة في الطين ، تحارب الاختناق والغرق ؛ لتُخرج الأرض من سباتها وتكسوها بربيع وخضرة ، ينشر الألوان في كل مكان ؛ فتتمارى بألوانها تلك الأزهار وهي تغازل فراشات الحب ، تخفيها بين ثنايا اللون الفاقع المرح نقطة على قوس قزح ؛ تداعب بتلاتها وتهديها رحيق الحياة وهي تبتسم ، ليأتي صيف الغضب فيحرقها بنار ونور ويحيلها كومة قش وشوك تنازع المارة الطريق تذروها رياح الجنون قذى في عين من أحبوها ؛ تموت الأزهار وتتناثر البذور ولا يموت غرورها أبدآ ...


أما تلك العذراء الواقفة بين الحقيقة والخيال تنتظر الفارس الملثم على ظهر جواد أبيض ينثر الكون من حولها لؤلؤ وحبورآ ويطير بها فوق النجوم محيلاً درب التبانة الى حديقة غناء تقطف منها زهور العشق والهوى ؛ تلك العذراء أسطورة الجمال وكأنها حور عين تسابق طيور الجنة من تفتح عقلها على حسنها حتى لم ترى حسناء غيرها مازالت وهي في السبعين من عمرها تمسك بيدها مراياها العتيقة وتتماري بين نزيلات ذلك المأوى العتيق للعجزة تخفي بياض شعرها ببياض منديل أبيض مطرز بحبات من عقيق أحمر أهداه لها حبيبها الراحل ، تلبسه في كل ليلة طرحة لثوب عرسها تنتظر عودة الغائب ، والثوب يتمايل بغرور مع وقع أقدامها الحافية المشققة معلناً أنه الأجمل بين ثياب الصبايا رغم انقضاء السنين ، ماتت العذراء وبقي الثوب ذكرى في خزانة عذراء أخرى يحكي بغروركل القصص ولم تقتل السنين غروره أبداً . ....

نحن القمر ؛ ونحن بذور الشوك الساكنة ؛ ونحن ثوب تلك العجوز العذراء المتصابية ؛ بل قولوا نحن الغرور !

نحن غرور حالم حاقد شارد يختبيء خلف سيوف الغرور ليخفي غروره أو ربما هو يخفي نقطة ضعفه حتى لا يقتله أحد وربما هو خجلٌ من هزيمته ويحاول ان يخفيها عن كل أحد ؛ حياة ترحل وتتجدد وخلفها الموت يعلن البداية والنهاية وغرورنا مازال يقظاً يفرقنا ويقتلنا معلناً في كل مرة أنه الأقوى منذ زمن النمرود وحتى هذه اللحظة ؛ لتتهافت علينا النماريد من كل صوب وحدب ؛ نحن من صنعنا النمرود ونحن من أسكناه قلاع الغرور ونحن من بعث برسائل الغرور للعالم ملفوفة بسيوف من دم وظلم ؛ قتلنا الغريب والقريب بسيف غرورنا وعندما عاد ابنه ليقتلنا فيه بعد أن سرقه منا صرنا نصرخ ونتسائل ؛ من أين جاء أولئك بكل هذا الغرور ؟؟؟ ونسينا على أعتاب هرطقات غرورنا أننا السبب وما زلنا ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري


.. فيلم السرب يقترب من حصد 7 ملايين جنيه خلال 3 أيام عرض




.. تقنيات الرواية- العتبات


.. نون النضال | جنان شحادة ودانا الشاعر وسنين أبو زيد | 2024-05




.. علي بن تميم: لجنة جائزة -البوكر- مستقلة...وللذكاء الاصطناعي