الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من كمب كنكال في تركيا الى مائدة وزير الهجرة

يوحنا بيداويد

2010 / 7 / 27
حقوق الانسان


ملبورن- استراليا
25 تموز 2010
اتذكر قبل حوالي عشرين سنة حينما كنت جالسا على سرير حديدي ذات طابقين في قاعة كبيرة كان فيها حوالي 300 لاجيء مع مجموعة من الشباب الذين، هربوا من الموت الاتي من لهيب عاصفة الصحراء (1) في كمب كنكال في محافظة سيفاس التركية الشهيرة التي لازالت قصص واثار دماء اخوتنا الارمن على جدران ازقتها اثناء مذابح الحرب العالمية الاولى. كنا نسأل بعضنا البعض الى متى نكون تحت رحمة الشرطة التركية وجبنتهم الصباحية اليومية وصياحاتهم على اللاجئين وهم متراصين امام ابواب الحمامات او المطبخ او الباب الخارجي كيج ...كيج.... كيج! . الى متى ننتظر ساعت طويلة في الليالي الباردة قرب بدالة التلفون، لا لكي يتصل بنا احد من اقاربنا او اصدقائنا او اخوتنا من الخارج ويرسل حوالة مالية، بل لربما نسمع خبر من الذين يتصلون بهم اهاليهم عن مصيرنا المجهول في هذه الكمبات التعيسة البعيدة المنسية.
قبل عشرين سنة، كنا نقسي على اقاربنا واصدقائنا ومعارفنا في المهجر، ونتهممهم بشيء من قليلي الذمة واحيانا الخيانة لانهم كانوا قد فقدوا شوقهم وشيم عراقيتم المعهودة المتواصلة التي تتراصف في الظروف الصعبة. فحينما كنا ننظر الى حالة بعض من اخوتنا في الكمب ونراهم في ملابسهم القديمة، ممزقة واحيانا مرقعة والبعض الاخر لا يمللكون دينارا واحدا في جيبهم كي يشتروا حتى موز الحلاقة فبقت لحية البعض شهور وشهورغير محلقة، كنا نقول واحد للاخر يا هل ترا نحن ايضا سنكون مثل هؤلاء الذين نسوا كل شيء ؟!!
امام هذه الصعوبات الذي تكررت علينا وعلى ابائنا وعلى اجدادنا وعلى اجداد اجدانا كنا نقول بين انفسنا،هل سوف ننسلخ من جلدنا، وننسى الماضي والواجب بإتجاه اهلنا واصدقائنا كالذين الان في الخارج ولا يسألون عن مصيرنا ؟! كيف نساعد الالاف المؤلفة الباقية في العراق الذين لا يملكون لقمة العيش، ماذا عن الايتام الكثيرة الذين فقدوا ابائهم في الحروب، الامهات واباء المعمرين الذين لم يبقى لهم احد في ارض الوطن؟
عاهد بعضنا البعض منذ تلك الدقيقة ان لا ننسى الاخرين وسنعمل المستحيل لاجل تخفيف معانات اخوتنا، واذا وصلنا الى احدى الدول او حتى الى انقرة او استنبول سوف لن ينسى الباقيين في الكمب، سيعمل من اجلهم كي يصلون حيث ما كنا. عاهدنا على العمل الجماعي بعد وصولنا الى الدول الغربية وبناء مؤسسات كبيرة مثل الاتحاد الكلداني الاسترالي او غيره ، يكون لها نفوذ في الدول كي ترفع قضية شعبنا والمظالم التي تتكررعلينا مع حركة شبه بندولية في كل قرن .
مرت اشهور ومرت سنة وفتحت السفارات والامم المتحدة ابوابها لقبول اللاجئين، فوصل بعضنا بعد سنة ونصف الى ملبورن او سدني او تورنتو او امريكا او سويد او فرنسا او المانيا. وبدات الرحلة الجديدة للتكيف مع القوانيين الجديدة وتعلم اللغة معادلة الشهادة والعمل من اجل تامين الزواج وبناء العائلة بالاضافة الى التخطيط ومساعدة الاهل والاقارب والاصدقاء لسحبهم للوصل الينا.
هكذا قد قاربنا اليوم من عشرين سنة على هذا العمل بموجب هذا العهد الذي كنا قطعناهم على انفسنا كجماعة، على الرغم من قلة عدد الذين وافوا بعهدهم، بل تخلوا عنه وعنا منذ سنوات طويلة وانزلقوا في متاهات الحياة الغربية ونسوا ما كانوا قد وعدوا،فوقعوا تحت سلطة الدولار والمظاهر سواء برضائهم او عدم رضائهم، الا ان البعض من عمل المستحيل في اتمام المهمة وذلك العهد، ولا زال العمل من اجل الاخرين يسري في دمهم. بل زادت شرارة روح الشعور القومية والبحث عن الهوية عند البعض في المهجر.

بالامس اقامت الاتحاد الكلداني الاسترالي في فكتوريا حفلة عشاء على شرف السيد وزير الهجرة الاسترالي ورئيس السنتاور لحزب العمال الحاكم كريس ايفين مع عدد كبير من المسؤولين السياسين الاستراليين وموظفي الدوائر الحكومية، وكنت احد من هؤلاء الاخوة في الاتحاد الكلداني الاسترالي في فكتوريا الذين عملوا سنين طويلة كي نصل الى هذه الهدف. كي نوصل هموم جاليتنا في الداخل ودول الجوار والعراق بلد الام الى مسامع السياسين الاستراليين. وعلى الرغم من كثرة الصعوبات واحيانا طعنات الخدر في الظهر التي اتت قريبين منا ويوما ما كانوا عاضدين لنا ، وعلى الرغم من كثرة المناقشات والجدالات الكثيرة بيننا لتفادي الاخطاء في التحضير والتنفيذ، الا ان هذه المناسبة كانت رائعة بكل معنى الكلمة، وكان نجاحها منقطع النظير بدليل التقيم العالي اعطته الاوساط السياسية للحكومة المحلية والحكومة الفدرالية والضيوف الحاضرين.
لكن لي شخصيا ربما كانت هذه المناسبة اكثر اهمية ومعزة من اي شخص اخر، لانني شعرت فيها وفيت بعهدي الذي قطعته قبل عشرين لاخوتي واقاربي واصدقائي على تلك السريرة الحديدية في كمب (كنكال) مع اصدقائي، وتذكرت تلك الايام التعيسة وتذكرت اصدقائي الذين كانوا معي واليوم بعضهم في الشتات لم اسمع منهم اي شيء منذ زمن طويل، وكذلك تذكرت الذين قطعوا العهد على انفسهم وخابوا في عهدم وسقطوا في اول عتبة من مصاعب الحياة. هنا الواجب الاخلاقي يفرض علي بان لا انسى دور الاوائل هنا في استراليا الذين عملوا من اجل مساعدتنا والدفاع عن قضيتنا ونحن كنا لا نعلم بهم.

مبروك لاعضاء الاتحاد الكلداني الاسترالي في فكتوريا على العمل المشرف لتنظيمهم هذه المناسبة الكبيرة ولرفعهم شأن جاليتنا الكلدانية بين الجاليات الاثنية الاخرى التي تفوق عن 200 جالية . والى الامام من اجل بناء الانسان والعائلة والتوازن بين الذات والمجتمع واضرام روح الشعور بالمسؤولية اتجاه الوطن الام العراق الذي شربنا من مياه دجلته وفراته والوطن الجديد استراليا ومجتمعه الذي قبلنا بكل معزة وتقدير بين احضانه بدون اي نوع من تفرقة او تمييز.
...........
1- اطلق على حرب الخليج عاصفة الصحراء








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حركة بندوليــــة كل قرن
كنعان شــــــماس ( 2010 / 7 / 27 - 18:40 )
تحية للاستاذ بيداويد لقد اثرت الشـــجون وما اشبة اليوم بالبارحـــة كان في كمب كنكال العديد من الوجوه العزيزة التي تاهت في الشتات وترى البندول الشيطاني الان يطحـــن العراقيين بسرعة كارثية فتحركوا قبل ان يحيلوا بقايا قومياتنا الى المتاحـــف


2 - لتذهب هذه الايام الى غير عودة!
يوحنا بيداويد ( 2010 / 7 / 28 - 16:22 )

الاخ كنعان شماس
شكرا لتعليقك
الحقيقة في هذا الكمب اثناء الليل كانت درجة الحرارة تقترب من الصفر، وفي تموز كنا فقط نستطيع ارتداء القميص لوحده. اما في الشتاء فالجليد يغطي كل مكان الى حد الشهر الخامس، اما معاملة شرطة التركية فهي كانت بالحق بذيلة والمواد الغذائية التي كانت تصل من الدول الاوربية كانت تستبدل بالمحلي وقديم.
على اية حال بقيت هناك الى 13 ايلول 1991 ولكن زرته في بداية تشرين الثاني كانت الثلوج تسقط بغزارة. لتذهب هذه الايام الى غير عودة


3 - مبروك رفيق الغربة يوحنا
ذياب آل غلآم ( 2010 / 7 / 28 - 18:51 )
مبروك لكم الاحتفال وهذا شيء يفرحني من الأعماق وانت تعرفني جيدا ياليتني كنت معكم لكن مع الأسف وكل الأسف كان احتفالكم تحت راية قاتل الشعب ومن هجركم الى استراليا وصاحب الأنفال ومهندس المقابر الجماعية لازلتم تحنون للتهجير فلماذا تضعون راية القاتل المجرم صدام وتفرحون وتحتفلون بها انه علم البعث حين كان يتحكم بالعراق شعبا وارضا والآن انتم تحتفلون تحت هذه الراية المقيته لذلك ارجو ان تنتبهوا مستقبلا حين تحتفلون وانتم أهل العراق الأصلاء وليس من (اللفوأ) المهم لكم الفرح ولا تبرير ولا عذرا لكوني اعرف نوايا من رفع علم الطاغية الذي وضع الدم النجس فيه المهم مبروك ...اخوكم الكلداني النجفي.... كل الدنيا من سومر يوحنا؟؟؟


4 - غلطة عفوية
يوحنا بيداويد ( 2010 / 7 / 29 - 08:42 )

اخي العزيز ذياب اّلغلام

شكرا لتعليقك
الحقيقة حدث هذا الخطأ بصورة عفوية ولم ننتبه اليه الا بعد فوات الاوان.
المهم في رفع هذا العلم كنا نريد نقول نحن كلدانيون - عراقيون قبل ان نهاجر الى استراليا ولازلنا نتواصل مع اهلنا هناك في كل مناسبة. وانا اعتقد انت تعرف اخوتك في الاتحاد لا داعي للشرح المزيد

يوحنا بيداويد

اخر الافلام

.. تونس.. مؤتمر لمنظمات مدنية في الذكرى 47 لتأسيس رابطة حقوق ال


.. اعتقالات واغتيالات واعتداءات جنسية.. صحفيو السودان بين -الجي




.. المئات يتظاهرون في إسرائيل للمطالبة بإقالة نتنياهو ويؤكدون:


.. موجز أخبار السابعة مساءً - النمسا تعلن إلغاء قرار تجميد تموي




.. النمسا تقرر الإفراج عن تمويل لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفل