الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أزمة العبودية الحديثة بحق أطفالنا

فدى المصري

2010 / 7 / 28
حقوق الانسان


عندما نرجع بذاكرتنا إلى الوراء لآلاف السنوات التي عاشها الإنسان الجاهلي وسط السطو وسيادة لشرعة الغاب وسيطرة القوة، وما يلي هذه الحياة القبلية من سيطرة للنفوذ والحسب والنسب واستغلال العبيد وسبي النساء والأطفال المرافق لكل غزو تتعرض إليها إحدى القبائل العربية من قبل عشائر أخرى، نكاد نجزم بأن هذا العهد قد ولى وانتهى إلى دون رجعة. فمع إعلان الدولي العالمي لحقوق الإنسان بعد الحرب العالمية الثانية وصدور الميثاق الوطني لحقوق الإنسان وفق ما نادى به الرئيس الأمريكي "ولسن" بحق تقرير الشعوب مصيرها، وتطبيق مفاهيم الحرية والعدالة والحقوق ؛ والذي تم عقبه مصادقة جميع الدول على هذا الإعلان الذي شكل مضمونه شق أساسي في مضمون دساتيرها وقوانينها الداخلية المطبقة على شعوبها. وقد تعزز مواد هذا الإعلان العالمي للشرعة الإنسانية بحقوق المواطن وحفظ كرامته ضد ألوان الإستغلال والعبودية؛ ولا سيما بعدما كرس المجتمع الدولي ومنظماته حماية هذه القوانين والسهر على تطبيق بنود هذه الاتفاقية وضمان التقيد بمضمونها من قبل الدول كافة، والتي كرست حقوق الإنسان إهتمام كبير على كافة الصعد من قبل المنظمات والهيئات والجمعيات. ولعل البند الأهم الذي تم تكريسه ذلك البند المتعلق بحفظ حرية الإنسان وعدم تعرضه إلى أي شكل من أشكال الإستغلال، وضمان حريته في التعبير عن رأيه وحفظ كرامته وصون حقوقه وتلبية إحتياجاته.

من خلال هذه المطالعة القانوية لمواد الميثاق الوطني التي تشدد على حفظ الجنس البشري من الإستغلال، نشير هنا إلى أن مواد هذه الاتفاقية تكاد تختفي وتصبح من المواثيق التراثية مع تمادي مظاهر العبودية المعاصرة وإنتشار لسوق النخاسة المستحدث عبر إنتشار أصناف عدة من الإستغلال للجنس البشري والذي يدفع ثمنه الأفراد بطريقة أو بأخرى، خاصة مع ما يعيشها المجتمع الإنساني المعاصر من حروب مدمرة تستغل الشعوب بأبشع الوسائل من أجل حسابات سياسية أوإقتصادية، يدفع معها الطفل والمرأة والرجل على حد سواء أغلى الأثمان. وذلك من أجل سيطرة الدول القوية وقيادتهما للمجتمع الدولي في ظل تنافس إقليمي حاد.

نلاحظ بأن كل من هذه الدول أي أفغانستان والعراق وفلسطين ولبنان قد شكلوا أوجه تشابه كبير من حيث ما يطال هذه الشعوب من حروب مدمرة وما تطال هذه الحروب من إفقار وهيمنة للأغنياء على الفقراء وإستغلالهم بأبشع الوسائل من العبودية المعاصرة، حيث يتم استغلالهم بقوتهم، بعملهم، بخدماتهم، بتسخيرهم لأعمالهم الخاصة وإستلابهم مهنيا ً على حساب راحتهم بأموالهم وسلطتهم ، فتنسحق الطبقة الفقيرة تحت عتبة الفقر والإهمال بطريقة يغفل عنها حكوماتها بسبب سيطرة الأغنياء للحكم وتكريس مصالحهم على أكتاف الفقراء دون أن تراعي حرمة الإنسان وكرامته وحريته. فتمارس على بني جنسها أصناف من العبودية الحديثة في ظل فقدان للقيم الإنسانية وما تتضمنها من الرحمة والشفقة، وتسخيرهم ذلك الإستغلال الذي يقع بحق الطفولة المعذبة من الطبقات الفقيرة، الذين يعيشون الحرمان والتشرد والنقص بالحاجات الأساسية تحت عتبة الظلم وإستغلال حاجاتهم الملحة.

إن إثارة هذا الموضوع لم يأتي من فراغ لولا الصرخات المتكررة عبر الصحف التي تشير إلى الأستغلال الذي يقع بحق الطفولة المعذبة في العراق. حيث يتم إستغلالها على أيدي عصابات منتظمة بسبب ما يعانيه من فلتان أمني تتعمد سرقة الأطفال وبيعها كسوق نخاسة معصرنة لمجتمعات أخرى تستغلهم من أجل الحصول على فدية من قبل الأهل، أو يتم تسخيرهم بالعمل بأجور رخيصة، أو تستغل أعضاءهم وتسرق حياتهم من أجل حياة الأغنياء الذين يدفعون آلاف المؤلفة من الدولارات ثمن لحياتهم على أنقاض أطفال العراق الذي يعيش هذه المظاهر مع الحرب التي وقعت على أراضيه من غزو للامريكي الذي أباح أشكال مختلفة من الإرهاب والجرائم بحق هذا الشعب الأعزل. ولا نعني بذلك بأن البلدان العربية الأخرى هي بمنأى عن هذا العدوان اللاأخلاقي ففي لبنان يتعرض لمثل هذه الحوادث من سرقة للأطفال والفتيات وكذلك فلسطين وكل دولة عربية تتعرض للأنهيار الأمني جراء الحروب ولكن بدرجات أقل وجرائم مستورة.

والجدير بالذكر هنا بأن حوادث خطف أطفال العراق يتزايد بشكل كبير ليتم بيع الطفل بـ500$ في سوق للنخاسة المعصرن بحلته الجديدة ليتم تمويهه عن السوق الذي عايشه الإنسان الجاهلي بطريقة مشروعة قديما ً أمام سيادة طبقتان في المجتمع هم الأسياد والعبيد، والذي اندثر هذا النظام الطبقي القديم مع نشوء مفهوم الدولة وشككنا للحظة بأن هذا النظام لم يعد يظهر للذهن البشري، إلا أن هذا النظام العبودي قد استعاد حلته في استغلال البشر لبعضهم البعض ولا سيما استغلال الأطفال، وذلك من أجل استغلالهم بالعمل، بالشحاذة، بسرقة أعضاءهم إذا لم نقل بتسويقهم ضمن سوق العهر والدعارة ولا سيما الفتيات المراهقات بأجور زهيدة بسبب إمتلاكهم صق الملكية المعصرنة ودفعهم الثمن مسبقا ً لمن باعه سواء عن طريق الإختطاف أو البيع الرسمي من قبل ذويه. والنكتة المبكية المضحكة أنه يتم بيع الأطفال تحت ضغط الفاقة والعوز حيث عمدت إحدى الأرامل إلى بيع اثنين من أطفالها من أجل اعالة اطفالها الأربعة بعدما فقدت المعيل وفقدت من يؤمن لها قوت أسرتها من الأهل والحكومة في آن ٍ معا ً وهي تمثل آلاف الأرامل والأسر الذين يلجأون على مضدد إلى بيع أطفالهم تجرد من إنسانيتهم غافلين عن المصير الأسود والمعاناة النفسية الذي يمكن أن تقع بحق أطفالهم جراء التخلي عنهم وبيعهم كقطعة أثاث أو كحيوان يمكن أن ينقذههم أزمة الفاقة أوالحرمان المدقع للحياة بكرامة.

دفعت عودة ظاهرة اختطاف الاطفال وبيعهم الى الواجهة في العراق حاليا ً، الكثير من العائلات إلى اتخاذ بعض الاحتياطات والاجراءات كالعمل على اصطحاب اطفالها الى المدارس ومنها، أو تحذير الطفل من عدم السير منفردا ً بالشارع واللعب بالأزقة والطرقات. والبعض الآخر من العائلات تمنع اولادها ألاّ يتنقلوا بمفردهم، وتحضهم على العودة من المدرسة بصحبة مجموعة من الاصدقاء خوفا ً من أي اعتداء أو خطف يمكن أن يقع بحق أطفالها. وقد استطاع "أسعد غالب" من استعادة طفله المخطوف في منطقة البصرة؛ بسبب وجود عون له من القوى الأمنية ساعدته على استرداده بعد مضي ستة أشهر من الخطف، ولكن السؤال يفرض نفسه هل تستطيع جميع العائلات استعادة أطفالها المخطوفة وتحظى بمَكرمة العيون الأمنية لها؟؟؟ خاصة أنه منذ اكثر من عامين نشطت ظاهرة بيع الاطفال المخطوفين وتحويلهم الى عصابات خاصة تهرّبهم الى دول اخرى وتبيعهم هناك. وكان اشهرها حادثة تهريب اكثر من 60 طفلاً عراقياً عن طريق المغرب الى اسبانيا قبل نحو عام تقريبا ً، حين وجهت السفارة العراقية آن ذاك في اسبانيا كتاباً الى الحكومة العراقية طالبتها فيه بالتحرك سريعاً لايقاف هذه الظاهرة. وبالفعل، شكّلت، حينذاك، لجنة خاصة لمتابعة الموضوع، لكن عمل اللجنة توقف بعد شهرين من تشكيلها من دون التوصل الى نتيجة نهائية. اما التحرك الآخر للحكومة العراقية، في هذا الصدد، فيتمثل في اصدار قانون جديد للجوازات للحد من تهريب الاطفال المخطوفين يمنح بموجبه الطفل العراقي جوازاً مستقلاً عن والديه حتى لو لم يتجاوز عمره اليوم، علّه أن تساعد هذه الأجراءات في تقليص حدّة الاختطاف وسرقة الأطفال.

إنطلاقا ً مما يلي وفي ظل الفلتنان الأمني والانهيار للأمن والسلم الداخلي العراقي فهل هذه الأجراءات كفيلة بأن توقف ظاهرة العبودية وسوق النخاسة لبيع الأطفال والمراهقات وحرمانهم من الطفولة وحقهم بالحياة والحرية كسائر أطفال العالم الغربي الذي يحظى بالإستقرار والنعيم الأسري. أين هي مقرارات مجلس الأمن وأين هو ضمير المجتمع الدولي، في ظل إهمال الحكومة العراقية لهذه المظاهر وإلتهائها بالتكوين لبنيتها السياسية الداخلية؛ أمام هذا الإنتهاك الإنساني البشع الذي يغتال أمن شعب ومستقبله بإستعباد أطفاله وحرمانه من الحقوق الأسرية، وحق التعليم وحق اللعب ليدخلوا عالم الكبار بأوسع أبوابه وإجرامه أمام استفحال الجشع والطمع والإثراء السريع على أكتاف البشر والأسر، وسيطرة لعالم الشر وللمنظمات الإرهابية التي تستغل الحروب رداءا ً لها لتحلل كل الطرق الغير مشروعة سعيا ً وراء سلطة أو مقعد أو حفنة من الملايين على أنقاض دماء أطفال الشارع وشرعة الغاب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مسيرة إسرائيلية توثق عمليات اعتقال وتنكيل بفلسطينيين في مدين


.. لحظة استهداف الاحتلال الإسرائيلي خيام النازحين في رفح بقطاع




.. مبادرة لمحاربة الحشرات بين خيام النازحين في رفح


.. تونس.. معارضون يطالبون باطلاق سراح المعتقلين السياسيين




.. منظمات حقوقية في الجزاي?ر تتهم السلطات بالتضييق على الصحفيين