الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الملجأ ......... بين التمرد والغموض

صباح هرمز الشاني

2010 / 7 / 29
الادب والفن


كلما اعاد القارئ تلاوة قصة الملجا لسركون بولص ازداد فهمه لها واكتشف فيها افكار جديدة ذلك انها من النمط القصصي الصعب هذا النمط الذي يتسم السهولة في اسلوبه والغموض في مضمونه. ان وقوع القاص تحت تاثيرات الكتابات العبثية واضحة في قصته هذه عبر تصوير البطل التائه الذي يبدو غير مسؤول عن سلوكه وتصرفه واخضاع كل شئ الى عوامل طبيعية خارجة عن ارادة الانسان وقدرته على السيطرة عليها والجمع بين هذين المنحيين المتناقضين اي بين السهولة والغموض ليس امرا هينا وانما بحاجة الى قاص يعرف كيف يطرح فكرا متعمقا بمظهر الفكر البسيط ويطاوع احدهما الاخر ويتسق بينهما كما عرف مؤلف هذه القصة ان يحول هذه البساطة الى بساطة خادعة ووسيلة للايغال في الغموض من اجل الوصول الى الهدف الاساسي للفكر العبثي وتحقيقه في التمرد عبر المتناقضات لذلك فقد تجنب استخدام التيار التحليلي الموغل في التقليدية لانه سيقربه الى دواخل الشخصية واعتمد على تيار الوصف الخارجي وركز من بداية القصة على الهدف الاساس المرسوم بدقة لهذا الفكر وهو التمرد عبر المتناقضات راسماً اياه ومشيعاً هذا الجو من اول كلمة ينطق بها بطله حين بلغت الجسر نزلت عن دراجتي وانحدرت في سيري على حافة الارض العالية وانا احمل الدراجة في ذراعي حتى استقرت قدمي على حديد السكة ..كما هو واضح فان القاص لايخبرنا بانه يغادر المدينة ويقصد البراري والسهول ولكننا نفهم ذلك من خلال المفردات التي يوظفها وهي الدراجة - الجسر - السكة طاحونة مهجورة - الضفادع...الخ واذا كانت مفردات الدراجة والسكة والجسر توحي الى المدينة او الى عدم مغادرة بطل القصة لها فان القاص بعد اربعة اسطر من قصته يوحي للقارئ بانه او البطل لا فرق قد خرج منها ودخل القرية من خلال هذه الجملة فقط : (مررت بطاحونة مهجورة تحيط بها بركة من مياه المطر) ..اما لماذا اتخذ قرار مغادرة المدينة نهائيا والعيش في البراري والسهول فلا يخبرنا القاص اسباب ذلك وانما يكتفي بالقول لملازمته عبارة انتول فرانس الموجزة للحياة في ثلاث كلمات هي الولادة الالم الموت .
وزاد من اهمية توظيف هذه المفردات واتقان استخدامها جمالية وحدة البناء الفني لتعدد استعاراتها ونفثها على كلا الوحدتين المضمون والشكل لتكون وحدة فنية متماسكة فاذا كانت مفردة الجسر والسكة والدراجة ترمز الى الحضارة فانها في نفس الوقت رمز لفوضى ورعب المدينة والطاحونة والضفدعة والمقلع الحجري الى الوحشة والهدوء والحياة البدائية ايضاً.
وبتنافر هذه المفردات مع بعضها وتقابل استعارتها نحصل على عملية التمرد المرسومة بدقة من قبل القاص وذلك من خلال نصه المفتوح القابل للتأويل فالسكة توحي الى الحضارة والفوضى والرعب وكذلك القطار والدراجة وما هو بالضد من كل هذه المفردات الى البراءة والنقاوة والطهارة ولكن هذا التمرد ما هو الا بداية للضربة الاخيرة حيث بدلاً من ان ينتحر هو يهوي بسقف الكهف على حارس محطة المياه ثم هبط جانب من السقف على كتفه وحاول مذعوراً ان يندفع ناحية المدخل ولكن الجدران انخسفت عليه وبدلا ً من ان يبقى في البرية عاد الى المدينة ثانية وهنا تكمن اهمية المفارقة في هذه القصة هذه المفارقة التي قد لا تظهر الا في قصص تشيكوف وبيرانديللو الابداعية.
ولعل الظل الطويل جدا والذي كان يشتبك في اسفله بظل الدراجة هو امتداد لشخصية البطل المقهورة واليائسة الذي رافقه الى البرية وعاد معه الى المدينة باحباط اكبر ليقول من خلال هذه المفارقة ان عدم الاستقرار والملل والقلق هي العناصر التي يقوم عليها وضع الانسان في هذا الكون.
والا ما هي الاسباب الحقيقية لقتل حارس المحطة هل لانه فعلا ً اراد ان يحتل مكانه وان كان يمزح فالقاص يعمد الى تعاطف القارئ مع الحارس وليس الى كرهه سواء كان ذلك من خلال تصويره او حواراته (كان جلده جاف الملمس وكان له شارب كثيف خمنت انه في الاربعين) و(غشت عينيه سعادة طاغية) (يابني عد الى مدينتك) (ولكن يعجبني ان اجلس هنا بعض الوقت) (كان يبتسم متأملاً) وهو عبر هذا التعاطف يريد ان يصفع القارئ ايضا كما صفع الحارس بهدف حضه على التمرد وعدم الاستسلام للواقع المزيف.
واذا كان من اكثر المشاهد التي تؤكد عبثية بطل القصة وتوقه للعودة الى البدائية هو مشهد التقاطه لبقايا الفاكهة التي كان ياكلها وهو يشتغل في الايام الماضية وعظام السمكة التي اكلها هناك طيلة ساعات قضاها في استخراج العظام البرية من داخل اللحم الابيض وقد نجح بذلك في قتل يوم كامل من الضجر فان هذه البدائية تابى الزيف الذي ترفضه المدينة على الطبيعة الانسانية ذلك ان قوام الطبيعة الانسانية او مايوصف بانه عناصرها الاساسية الجوهرية قد اكتنفه الغموض نتيجة ً للاقنعة الجامدة هذه الاقنعة التي تتمثل في انماط السلوك التي اقرها المجتمع والتي تفرضها علينا العادات والتقاليد بطريقة تعسفية.
واخيراً...فقد استطاع قاصنا ان يسلك اصعب اساليب كتابة القصة القصيرة ويجتاز هذا الاختبار بجدارة وهذا اقصى مايستطيع ان يفعله المبدعون ..امثال سركون بولص..فقط








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين


.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي




.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض


.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل




.. كل يوم - رمز للثقافة المصرية ومؤثر في كل بيت عربي.. خالد أبو