الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الجزائر : -حماية الاقتصاد المحلي- أو نهب الريع النفطي -محليا- ؟

ياسين تملالي

2010 / 7 / 29
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في المغرب العربي


حسبَ ما أوردت الصحافةُ الجزائرية مؤخرا من أخبار أولية، لن يختلفَ قانونُ المالية التكميلي لـ2010 عن سابقه لـ 2009، وسيبقى مطبوعاً بذات الطابع الحمائي، أي بعبارة أخرى، تفضيل الشركات المحلية على الأجنبية والمنتجات الوطنية على المستوردة.
فرض قانونُ المالية التكميلي للسنة الماضية على المستثمرين الأجانبَ على أن يخصصوا على الأقل 51 بالمائة من أسهم مشاريعهم الجديدة لطرف جزائري يختارونه، كما رهن الموافقةَ على هذه المشاريع بإثبات أصحابها عدم اختلال ميزان العملة الصعبة في حساباتهم. هذان الإجراءان أثارا غضبَ الشركات الأجنبية العاملة في البلاد، لكن الحكومةَ لن تتراجع عنهما في قانون المالية التكميلي للسنة الجارية، ولها من الأسباب ما يبرر ذلك.
صحيحٌ أن الاستثمارَ الأجنبي في الجزائر تراجع بنسبة 50 بالمائة في 2009 مقارنة بـ 2008 (حسب مرصد إعلانات الاستثمار في البحر المتوسط، Anima-Mipo)، لكن هذا التراجعَ لا يفسَرُ فقط بتغير سياسة الحكومة، بدليل تراجع الاستثمارات الأجنبية بين 2008 و2009 في المنطقة المتوسطية عامةً (17 بالمائة) بل في العالم كله (37 بالمائة). بالإضافة إلى هذا، يُلاحظ أن سياسةَ الحكومة الحمائية لم تمنع اهتمام الأجانب ببعض القطاعات الصناعية، وأوضحُ برهان على ذلك إعلانُ الوزير الأول أحمد أويحيى في 11 يوليو الماضي عن إبرام اتفاق بين وزارتي الدفاع والصناعة، من جانب، ومجمع ألماني (شركات إي آي دي آس وروهد أند شوارز وكارل زايس)، من جانب آخر، لإنشاء مؤسسة مختلطة كبيرة لإنتاج النظم الالكترونية.
ويُنتظر من قانون المالية التكميلي لـ 2010 أن يواصلَ تشجيعَ المتعاملين المحليين (الخواص والعموميين) عن طريق إدخال تعديلين على قانون الصفقات العمومية يمكن اعتبارُهما استجابةً لضغوط الشركات الجزائرية التي حُرمت من ملايير مخططات التنمية الحكومية منذ 2001. التعديلُ الأول يُعطي الأفضليةَ لعروض هؤلاء المتعاملين حتى وإن تجاوزت قيمتُها (في حدود 25 بالمائة لا أكثر) عروضَ منافسيهم الأجانب (هذا الهامش حاليا محددٌ بـ15 بالمائة)، فيما سيسمح التعديلُ الثاني بإطلاق مناقصات تقتصرُ على الشركات المحلية، عندما يتعلق الأمرُ بصفقات صغيرة أو متوسطة.
ويُتوقع أن يواصلَ قانونُ المالية لـ 2010 السيرَ على نهج "حماية الإنتاج الوطني" وهو نهجٌ إحدى معالمه البارزة منعُ قروض الاستهلاك بموجب قانون المالية التكميلي لـ 2009. يدورُ الحديثُ في هذا السياق عن الحظر الكامل لاستيراد بعض البضائع تامة الصنع (أي القابلة مباشرة للاستهلاك أو الاستعمال) ومنها حسبَ معلومات غير رسمية منشورة في الصحافة الجزائرية كثيرٌ من المنتجات الغذائية (المصبرات، العصائر، العجائن، الخ). يدورُ الحديث كذلك عن فرض رسوم عالية على استيراد منتجات معينة كعربات النقل الثقيلة والموتوسيكلات بل والقمح أيضا (بهدف تشجيع أصحاب المطاحن على استهلاك القمح المحلي).
ويُذكر أن هذا التوجهَ الحمائي بدأ من القطاع البترولي، في خريف 2006، بتقليص امتيازات كبيرة كانت قد منحت للشركات الأجنبية على حساب الشركة الوطنية سوناطراك، لكنه بدأ يتجذر حقيقةً في صيف 2008. وتجلى تجذره في قانون المالية التكميلي لـ 2008 من خلال إجبار الشركات الأجنبية على أن تستثمرَ في البلاد من أرباحها ما يتناسبُ والإعفاءات أو الخفوضات الجبائية التي تستفيد منها، كما تجلى في قانون المالية لـ 2009 بإقرار احتساب ما يُحوَل إلى الخارج من أرباح هذه الشركات كريوع فردية لمالكي أسهمها (أي فرضَ ضريبة عليها نسبتُها 15 بالمائة) ويإجبار المستوردين الأجانب على تخصيص 30 بالمائة من رساميل مؤسساتهم لشركاء جزائريين.
لا شك في ضرورة هذا التوجه لحماية اقتصاد وجهته السياساتُ الليبرالية وجهةً تخدم مصالحَ المستوردين لا المنتجين (تضاعفت الوارداتُ الغذائية بين 2003 و2008 ثلاث مرات إذ ارتفعت من 2،5 مليار دولار إلى 7،8 مليار، قبل أن تعاود النزولَ في 2009 إلى 5،8 مليار بفضل تدابير اتُخذت لترشيدها). لا يُطرح السؤالُ إذاً عن وجاهة الإجراءات الحمائية المتعاقبة منذ 2008 بقدر ما يطرح عن مدى صدق الحكومة وهي تبرُرها بضرورة "النهوض باقتصادنا" "ودفع عجلة الإنتاج والإنتاجية".
هذا السؤال مشروعٌ بالنظر إلى الميزانيات الضخمة التي خصصت لبرامج التنمية والتي تُسيل لعابَ أصحاب القرار والرأسماليين الجزائريين منذ 2001 (قيمة المخطط الخماسي 2010-2014 لا تقل عن 286 مليار دولار). أخشى ما يُخشى أن تختبئَ وراء هذا "النهج الوطني" الرغبةُ في نهب جزء من الريع البترولي الهائل (بلغ احتياطي الصرف 149 مليار دولار في أواخر 2009) واقتسام جزء آخر منه مع بورجوازية طالعة طامعة، تدافعُ عن "حرية التجارة" عندما تشتغل بالتجارة وتدعو إلى "حماية الإنتاج المحلي" حالما تتحول عنها إلى قطاع الإنتاج.
كيف نثقُ في نوايا حكومة أويحيى ولا أحدَ يعرفُ كيف تَصرفُ جزءا معتبرا من مداخيل الجباية هو فوائض الجباية البترولية المتراكمة في "صندوق معادلة نفقات الدولة" (لا يرد له ذكر مطلقا في قوانين المالية) ؟ كيف نثق فيها وجل أعضائها هم ذاتُهم من طبقوا أكثر التوجهات ليبرالية خلال العشرية الحالية ؟ طيلة سنوات، رفض وزيرُ التجارة مجرد الاستماع إلى مقترحات إعادة النظر في اتفاقية الشراكة بين الجزائر والاتحاد الأوروبي، لكنه هو اليوم من يردد غاضبا : "على أوروبا ألا تعتبر بلدَنا مجرد سوق". هل يُعقل ألا يتلازمَ تغيرُ السياسات بتغير السياسيين وأن يدافعَ وزراءُ عبد العزيز بوتفليقة عن "الاقتصاد المسير" بنفس الحمية التي رافعوا بها عن "اقتصاد السوق" ؟
ياسين تملالي








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصير مفاوضات القاهرة بين حسابات نتنياهو والسنوار | #غرفة_الأ


.. التواجد الإيراني في إفريقيا.. توسع وتأثير متزايد وسط استمرار




.. هاليفي: سنستبدل القوات ونسمح لجنود الاحتياط بالاستراحة ليعود


.. قراءة عسكرية.. عمليات نوعية تستهدف تمركزات ومواقع إسرائيلية




.. خارج الصندوق | اتفاق أمني مرتقب بين الرياض وواشنطن.. وهل تقب