الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لبنان المختصر في (لعبة) أو (ورقة) !

بشير زعبيه

2010 / 7 / 29
مواضيع وابحاث سياسية


في السنة الأولى من الثمانينيات أتيح لي أن أستمع مباشرة الى الرئيس الأسد وهو يتحدث في لقاء مع اعلاميين عرب عن الواقع السياسي العربي وآخر التطورات التي تعيشها المنطقة وعلى رأسها امكانيات السلام واحتمالات المواجهة بين العرب والاسرائيليين , مستعرضا بمرارة ما آل اليه الوضع العربي أنذاك , ولعل الجملة التي ظلت عالقة في ذهني فيما بعد هي قوله " انّ القادم لن يكون أفضل مما فات" أو " ان القادم سيكون أسوأ " لأنه لم تمض أشهر الا وكان الاجتياح الاسرائيلي للبنان في شهر (يونيو) من عام 1982 , وعرفت حينها ان الرجل لم يكن يطرح تحليلا بقدر ما كان يفصح عن معلومات , وتعرضت سوريا عبر وجودها في لبنان الى ضربة عسكرية وسياسية موجعة , حتى أن البعض اعتبر أن ما حدث أحرق كل الأوراق السورية في لبنان من وجودها العسكري الى حلفائها من القوى اللبنانية والفلسطينية .. في الذكرى الثالثة لذلك الاجتياح (1985) جمعني حوار بشخصية اعلامية في حزب البعث السوري طرحت خلاله ذلك الاستنتاج في صيغة سؤال " كيف يمكن لسوريا أن تسترد أوراقها التي أحرقها الاجتياح ؟! وكان رأيه " ان سوريا بيدها الآن ورقة قوية . هي ورقة (حزب الله) " , ولأن هذا الحزب كان يومها حديث التأسيس ولم تكن لديه قوة على الأرض بالحجم الذي أومأ اليه محدثي فقد اعتبرت رأيه نوعا من المبالغة ودليلا على ضعف موقف اللاعب السوري , لكن تطور أداء حزب الله لاحقا وبروزه كقوة سياسية في المعادلة اللبنانية وامتداداتها الاقليمية , من انجاز ( التحرير ) الى فرض (كوتة) في البرلمان والحكومة وصولا الى ما هو عليه الآن , كلّ ذلك أنتج اجماعا على نجاح الرهان السوري , وصار من النادر أن تتحدث عن حزب الله دون أن تذكر سوريا , وايران طبعا لكنني هنا بصدد الكلام عن شأن يخص العلاقة بين سوريا وحزب الله وتحديدا هذا المدى الذي بلغته التحليلات والاستنتاجات في سياق التعاطي مع تصريحات حسن نصرالله الأمين العام لحزب الله ردّا على تسريبات تفيد بأن المحكمة الدولية المكلفة بالتحقيق في اغتيال رئيس وزراء لبنان الأسبق رفيق الحريري ستصدر قرارها الظني باتهام عناصر من حزب الله في هذه القضية .. هناك من اعتبر ان قرارا كهذا ان صدر بما يحمل من تبرئة لسوريا في موازاة هذا التسارع الملفت في وتيرة اصلاح العلاقة بين هذه الاخيرة و الحكومة اللبنانية وعلى رأسها سعد الحريري رئيس تيار المستقبل مؤشرا على تغيّر ما في اللعبة اللبنانية ان جاز التعبير سيصب في صالح رصيد (خصوم حزب الله) والا كيف يمكن لدولة أن تحقق التوازن في علاقتها مع دولة ما ومع حزب معارض في هذه الدولة نفسها في آن واحد ؟! دون أن يكون التحسن في علاقتها مع طرف سحبا من رصيد العلاقة مع الآخر .. من هنا يفسر أنصار هذا التحليل حدة خطاب حزب الله خلال الأيام الأخيرة ونبروة التوتر في كلامه عن "شيء ما" يدبر ويجري له الاعداد في المنطقة بدءا من لبنان أو بدءا من قرار المحكمة.. ورغم اعتقادي بأن ما يبدو (ثابتا) في السياسة اليوم قد يكون (متحركا) غدا وفق بوصلة المصالح الا أن اسقاط هذا المفهوم على العلاقة بين سوريا وحزب الله هنا لازال مبكرا جدّا ولكن لا يجب أن نلغيه بالمطلق , صحيح ان هناك مؤشرات لا يمكن لحزب الله الا أن يرصدها ويحسبها وفي مساقها يأتي التقارب السعودي السوري (س س ) ودوره في فك عقدة تشكيل الحكومة اللبنانية وما تبع ذلك من تقارب بين حكومة تيار المستقبل في لبنان وسوريا (عدو الأمس) ثم الكلام الآن عن زيارة قريبة للملك السعودي الى سوريا وربما لبنان الى جانب توقعات بزيارة وشيكة للرئيس السوري بشار الأسد الى لبنان قد تكون متزامنة مع زيارة الملك السعودي,كل ذلك على خلفية ما تردد عن اقصاء سوريا من لا ئحة اتهام المحكمة الدولية وتوجيه أصبع الاتهام الى حزب الله وحده ,الا أن كلّ ذلك لا يوفر الشروط المنطقية الكاملة للقفز الى استنتاج لا يستبعد تغييرا في أولويات اللاعب السوري في لبنان الى حد التضحية بحليف قوي ومؤثر كحزب الله ليس على المستوى المحلي فقط بل على مستوى المنطقة كما بينت الأحداث .. وفي رأيي أنه لا يمكن أن يذهب التحليل الآن الى امكانية ادارة سوريا ظهرها لحزب الله , ان سوريا على الأقل لن تتخلىّ عن ورقة حزب الله التي راهنت عليها لربع قرن قبل أن تنجز مفاوضاتها لاسترداد الجولان المحتل وبعد فقدانها قسرا الورقة الفلسطينية كنتيجة لاجتياح عام 1282 واتفاق أوسلو عام 1993 ثم فقدان الورقة اللبنانية بخروجها من لبنان عام 2005 , وسوريا لن تتخلّى عن حزب الله لأنها لا تريد الآن أن تتخلّى عن الحليف المشترك ايران ورقتها المهمة في اللعبة السياسية على مستوى المنطقة , ولأنها تدرك بحكم التجربة أن لا ثقة في نوايا خصومها مهما كان حجم ما يمكن أن يقدموه لها (تحت الطاولة) من مغريات لانجاز تسوية ما لصالح قائمة شروطها التفاوضية مع الاسرائيليين .. ومع ذلك فانه يمكن اعتبار تصريحات الأمين العام لحزب الله الأخيرة تحمل في طياتها رسالة للجميع بمن فيهم الحليف السوري بما حملته من حدة الخطاب ولهجة تحذيرية رأى البعض أنها مبلغ فيها ولا تتناسب مع مجرد تسريب خبر عن احتمال اتهام عناصر من الحزب في قضية اغتيال الحريري , ربما أراد أن يقول بالفعل ان هناك أمرا يدبر ضد حزب الله في اطار لعبة كبيرة تسعى الى ضرب الحزب بغير تكلفة الحرب وتغيير المعادلة في المنطقة بتغيير أدوار اللاعبين فيها وأنه لن يسمح أن يلعب به من قبل أي كان , ولعله استبق بهذه التصريحات زيارة الملك السعودي الى سوريا وربما لبنان وأطلقها كبالون اختبار وكأنه يقول( في الوقت متسع لأن تفعلوا شيئا قبل قرار المحكمة الدوليه) وقد قال ذلك بالفعل موجها خطابه للطرف الآخر , وهو أعلن أيضا أن لديه أيضا ما سيقوله خلال الأيام القريبة القادمة , ما يعني أنه ينتظر ما سينتج عن هذا اللقاء بمعنى أي سياق سينتج عن اللقاء في الرد على رسالته .
مرة أخرى يختصر لبنان في (لعبة) أو (ورقة) ! ومرّة أخرى يجد اللبنانيون أنفسهم في انتظار الآتي وقد وضعوا للمرّة الألف أيديهم على قلوبهم .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الألعاب الأولمبية باريس 2024: إشكالية مراقبة الجماهير عن طر


.. عواصف في فرنسا : ما هي ظاهرة -سوبرسيل- التي أغلقت مطارات و أ




.. غزة: هل بدأت احتجاجات الطلاب بالجامعات الأمريكية تخرج عن مسا


.. الفيضانات تدمر طرقا وجسورا وتقتل ما لا يقل عن 188 شخصا في كي




.. الجيش الإسرائيلي يواصل قصف قطاع غزة ويوقع المزيد من القتلى و