الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وقفة حِيال اٌمرئ القيس وعُبَيْد بن الأبرص

رياض الحبيّب

2010 / 7 / 30
الادب والفن


لـَقـِيَ اٌمرؤ القيس يوماً عُـبَـيْـدَ بن الأبرص الأسدي- وكلاهما من أصحاب المعلّقات العشر- فقال عُـبَـيْـدُ: كيف معرفتك بالأوابد؟ [الأوابد: الألغاز] فردّ اٌمرؤ القيس: قلْ ما شئت تجدْني كما أحببت. علماً أنّ اٌمرأ القيس قد وُصِف بالملك الضّلّيل وكان يُنازع الشعراء.
وقد اعتبر عدد من المؤرّخين أنّ المعارضة، التالية بعد قليل، إمّا حدثت فعليّاً وليست من تأليف أحد الرواة، قد سبقت حادثة إقدام بني أسد– أي قوم عُبَيْدَ بن الأبرص– على قتل والد امرئ القيس وهو حُجْر بن الحارث الكندي (بن عمرو بن حجر آكل المرار بن معاوية بن ثور بن مرتع بن... بن يعرب بن قحطان) الذي كان مَلـِكاً على بني أسد وغطفان وأحد ملوك كندة.
وبما أنّ المعارضة (أو المساجلة- سمِّها ما شئت) التي جرت بين الشاعِرَين قد لفتتني، بغضّ النظر عن محاولات التشكيك في حدوثها، آثرت أن أقف حيالها وقفة ما، مُحتفياً بالشعر القديم من جهة ومحاولاً إحياء الشعر العمودي الهادف من جهة مُقابـِلة، معتمِداً أسلوب المعارضة آنذاك؛ بأن يأتي المُعارض ببيت (أو قصيدة) من الوزن العَرُوضيّ نفسه- وهو هنا بحر البسيط- والقافية ذاتها وحرف الرّويّ عينه.

هنا الرواية وقد وردت في ديوان امرئ القيس بشرح د. عُمَر الطبَّاع، كما وردت في كتاب "شعراء النصرانيّة" لمؤلّفه الأب: لويس شيخو اليسوعي، الجزء الأوّل، الصفحة 9 وفي غيرهما:
قال عُبَيْد: مـا حَيّـة ٌ مَيْتـة ٌ قامـتْ بمـِيْتـتِهـا *** دَرْداءُ ما أنبتتْ ناباً وأضراسـا؟ _
في رواية: حَبّة ٌ، بدلاً من حيّة. ويُروى أيضاً: سِنّاً، بدلاً ممّا ورد- ناباً
أجاب امرؤ القيس: تلك الشعيرةُ تُسقـى فـي سنابلهـا *** فأخرجَتْ بعْدَ طول المُكْـثِ أكداسـا
الوقفة- ما نبتة ٌ أثمرتْ خيراً زراعتُها؟ ** تلكَ المَحَبّة ُ تأتي الصّخْرَ إحساسا

عبيد: ما السُّودُ والبيضُ والأسماءُ واحدةٌ *** لا يستطيعُ لهُـنّ النّـاسُ تمسَاسَـا؟
امرؤ القيس: تلك السّحابُ إذا الرّحْمـ ـنُ أرْسَلهـا *** رَوّى بها من مُحُول الأرض أيْـبَاسَا
وقفة: ما الخير والشرّ والأخلاق مُفترَقٌ؟ ** تلك الثقافة ُ تحـوي التِّـبْـرَ والماسا

عبيد: ما مُرتِجَاتٌ على هَـولٍ مَراكِبُهـا *** يقطعْـنَ طولَ المدى سَيراً وإمرَاسَا؟
امرؤ القيس: تِلكَ الـنّجُـومُ إذا حانـتْ مَطالِعُـهَـا *** شَـبّهْـتُـهَا في سَـوَادِ اللّيـلِ أقـبَاسَـا
وقفة: ما وقفة ٌ للضّمير الحَيّ مَرجـِعُها ** تلك العدالة ُ مَنْ نادى بها قاسى

عبيد: ما القاطِعاتُ لأرضٍ لا أنيسَ بهـا *** تأتي سِراعاً وما ترجـِعْـنَ أنكاسَـا؟
امرؤ القيس: تلك الرّيـاحُ إذا هَبّـتْ عَوَاصِفُهـا *** كفـى بأذيالهَـا للـتُّـربِ كـنّـاسَـا
وقفة: ما المُفرَداتُ إذا ما ألقـِيَتْ فَنـِيَتْ؟ ** تلك المعاني ثناها الليّ أقواسا

عبيد: ما الفاجعاتُ جَهَاراً فـي عَلانِيَـةٍ *** أشدُّ مـن فيْلـقٍ مَملـوءةٍ بَاسَـا؟ _
يُروى: ملمومة، بدلاً من مملوءة، باساً: بأساً
امرؤ القيس: تِلكَ المَنايا فمَـا يُبْـقـِيـن مِـنْ أحـدٍ *** يَكفِتنَ حَمْقى ومـا يُـبقـِيـن أكيَاسَـا
وقفة: ما نخلة ٌ رغْم أنفِ الموتِ شامخة ٌ؟ ** تلك الفضيلة ُ ألقتْ خلفها الياسا
المُراد بالياس: اليأس

عبيد: مَا السّابقاتُ سِرَاعَ الطَّيرِ في مَهَـلٍ *** لا يَشتكـِين ولـو ألجَمْتهـا فاسَـا؟ _
امرؤ القيس: تِلكَ الجيادُ عليَها القومُ مُذ نتجَتْ *** كانوا لهُنّ غـدَاة الـرَّوْعِ أحْلاسَـا _
وفي رواية: عليها القوم قد سَبَحُوا، لكنّ التعبير "قد سبحوا" ركيك- في رأيي- لا يَرقى إلى لغة امرئ القيس
وقفة: ما حِيلة ٌ لِيَ إمّا هَـمّ يصفعُـني؟ ** هَـلُـمّ نُصْغي معاً أو نحتسي كاسا
كاساً: كأساً

عبيد: ما القاطِعَاتُ لأرْضِ الجَوّ في طَلَقٍ *** قبل الصّباحِ وَما يَسْرِين قِرْطاسَـا؟ _
يُروى: يسْوينَ، بدلاً من: يسْرين
امرؤ القيس: تِلكَ الأمَانيُّ يَترُكـن الفتـى مَلِكـاً *** دُون السّمَاءِ ولمْ ترْفعْ لَـهُ رَاسَـا _
وفي رواية: لهُ، بدلاً من: بهِ، راساً: رأساً
وقفة: ما شوكة ٌ في فؤادٍ قد يُطاوعُها؟ ** وَعْدٌ يُكرَّرُ تسويفاً وإيناسا

عبيد: ما الحاكمُونَ بلا سَمْـع ٍ وَلا بَصَـر ٍ *** ولا لِسَانٍ فصِيحٍ يُعْجـبُ الـنّاسَـا؟
امرؤ القيس: تِلكَ الموَازِينُ والرّحْمـ ـنُ أنْزَلهَـا *** رَبُّ البَرِيّةِ بَيـن النّـاسِ مِقـيَاسَـا
وقفة- ما تُحفة ٌ أُلقـِيَتْ في رُكْنِ مُهْـمَلةٍ؟ ** قلتُ: العنيدُ الذي عاداكَ إفلاسا


تنويه: وجدت في بعض المواقع الالكترونيّة محاولات عدّة هدفها التشكيك بصحّة الرواية، قد عثرت على أبرز أسبابها وهو- من جهة الدين الإسلامي- ورود كلمة "الرحمـ ـن" في المعارضة (فالعرب في الجاهلية لم تكن تطلق اسم الرحمـ ـن على الله تعالى) انتهى. أمّا من جهة الشعر فهناك اعتراض- هنا نصّه حَرْفيّاً: (لو صحّ الخبر عن امرئ القيس, لوجدنا له أصداء في الشعر الجاهلي, ولتلقف الشعراء المساجلة عن امرئ القيس وساروا على طريقته فيها, كما فعلوا في الوقوف على الأطلال مثلاً)
والصواب: كما فعلوا في الوقوف على الأطلال مثالاً- والمزيد عبر الرابط التالي
http://islamtoday.net/nawafeth/artshow-54-128644.htm

فيا ليت شعري: من أين أتى مؤلّف القرآن بمفردة "الرحمـ ـن" قبلما وَصَلتْ إلى سمْعه من مصدر ما؟ بل كانت مستخدمة بالمعنى عينه (أي الله) في كلام الحقبة المُسَمّاة افتراءً بالجاهليّة وما قبلها؟ فلقد ورد في معرض تفسير ابن كثير للفقرة الأولى من سورة الفاتحة: {قال ابن جرير: وقد أنشد بعض الجاهلية الجُهّال:
ألَا ضَرَبَتْ تِلكَ الفتاة هَجـِينَهَا *** ألَا قضَبَ الرَّحْمَنُ رَبِّي يَمِينهَا
وقال سَلَامَة بْن جُنْدُب الطُّهَوِيّ:
عَجـِلْتُمْ عَليْنا إذ عَجـِلنَا عَليْكُمُ *** ومَا يَشَأِ الرَّحْمَنُ يَعْقِدْ وَيُطْلِقِ} انتهى.
وما تقدّم من الأدلّة التي لديّ على استخدام كلمة "الرَّحْمَن" قبلما وردت في القرآن.

أمّا عن أصداء الرواية في الشعر الجاهلي فلماذا لم يفترض المشكّك أنّ امرأ القيس كان سبّاقاً في منازعة الشعراء، ليس عبيد بن الأبرص فحسب، بل نازع أيضاً التّوأمَ اليَشكُـريّ جدّ قتادة بن الحارث- راجع كتاب "شعراء النصرانية" المذكور، ج 1 ص 10 – فقال امرؤ القيس للشاعر التوأم: إن كنت شاعراً فأجز أنصاف ما أقول. فقال التوأم: قلْ ما شئت.
فقال امرؤ القيس- من بحر الوافر: أصاحِ ترى بُريقاً هَبّ وهْناً
فقال التوأم: كنار مَجُوسَ تستعـِرُ اٌستعارا _
وفي رواية: كنار الفرس

امرؤ القيس: أرِقتُ لهُ ونامَ أبو شُرَيْحٍ
التوأم: إذا ما قلتُ قد هدأ اٌستطارا

امرؤ القيس: كأنّ هزيزهُ بوراء غـيْب ٍ _
أي بـِظهْر غـيب
التوأم: عِشارٌ وُلّهٌ لاقتْ عِشارا

امرؤ القيس: فلمّا أنْ علا كنَفي أ ُضاخٍ _
يُروى: ولمّا أنْ دنا لـِنقا أضاخٍ. أضاخ: من قرى اليمامة لبني نُمَير. وقيل: هي من أعمال المدينة. وقيل: جبل
التوأم: وهتْ أعْجازُ رَيّقِهِ فـحارا

امرؤ القيس: فلم يترُكْ بذاتِ السِّـرّ ظبْياً _
السِّـرّ: اسم لمكان ما
التوأم: ولمْ يترك بجـلهتها حِمارا _
يروى: بجَهْـلتها
أردف المؤلّف لويس شيخو: {قال أبو عمرو: فلمّا رآى اٌمرؤ القيس التوأمَ قد ماتـنهُ ولم يكن في الزمن الأوّل شاعرٌ يُماتنه آلى ألّا ينازع الشعرَ أحداً بعده} انتهى

أمّا الوقوف على الأطلال- مثالاً- وسواه من الأمثلة فقد شاع من أخبارها ما شاع وانقطع منها ما انقطع، إذ لم يصلنا كلام العرب كلّه؛ لعلّ أهمّ الأسباب- في تقديري- هو قيام المسلمين عبر تاريخهم بحرق ما تيسّر من مدوّنات الأدب والفن والفلسفة والعلم ما لم يصبّ في مصلحة الإسلام، بل محوا آثار ما سقط في أياديهم في كلّ زمان ومكان وما استطاعوا إليه سبيلاً، عاملين بمقولات مُضِلّة منها: (كلّ بدعة ضلالة وكلّ ضلالة في النار!) ومنها: (كلّ ما يُلهي عن ذكر الله حرام!) علماً أنّ الباحث في كتب التراث قد يعثر على أخبار شتّى ومعلومات ووثائق.
____________________________

كلمة "الرحمـ ـن" قبلما وردت في القرآن – مقالة جديدة قريباً جدّاً








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - رائعة
زهير دعيم ( 2010 / 7 / 30 - 15:46 )
اخي الحبيّي معارضة جميلة تدل على شاعرية شعرائها الثلاثة ..انت مرهف الحسّ يا كاتبنا وشاعرنا ...ننتظر الرحمن الحقيقي !!!


2 - عذرا ...اخي الحبيّب
زهير دعيم ( 2010 / 7 / 30 - 16:27 )
في تعقيبي السابق وقع خطأ غير مقصود ، فأرجو المعذرة يا اخي ويا كاتبنا الملهم والرائع


3 - أخي الشاعر المبدع زهير دعيم
رياض الحبيّب ( 2010 / 7 / 31 - 10:19 )
ما أحلى تعبيرك وألطف ثناءك
لقد فاقا استحقاقي بكثير
أخي زهير مداخلاتك تلمس القلب فيتلقاها بسرور بالغ
جزيل شكري وامتناني
وفائق محبتي

اخر الافلام

.. حزن على مواقع التواصل بعد رحيل الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحس


.. بحضور شيوخ الأزهر والفنانين.. احتفال الكنيسة الإنجيليّة بعيد




.. مهندس الكلمة.. محطات في حياة الأمير الشاعر الراحل بدر بن عبد


.. كيف نجح الأمير الشاعر بدر بن عبدالمحسن طوال نصف قرن في تخليد




.. عمرو يوسف: أحمد فهمي قدم شخصيته بشكل مميز واتمني يشارك في ا