الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ومن الحواسم - ما ينهق -

عادل اليابس

2010 / 7 / 30
مواضيع وابحاث سياسية


ومن الحواسم " ما ينهق "
جار لي مقابل داري ، حمل كل تناقضات الشخصية العراقية كما حللها استأذنا الفذ علي الوردي ، ونموذج لمن نعتوهم المعتزلة "بالعوام " ، ومع الاعتذار لأبي الطيب المتنبي ، فبروز نيوب جاري " لاتعني ابتسامته قدر ماتعني " نفاقه " .
لم يطرق باب داري إلا لحاجة ، ولم يستوقفني إلا لنميمة ، ومع أني أصده بلباقة في الكثير من مطالبه ، قانعا نفسي بأن سابع الجيران لا تشمل المقابل بل اللصيق .
جاءت الانتخابات ، وآتى معها جهد جاري في المنطقة ، من خلال حضوره اليومي لصلاة المغرب في الحسينينة القريبة ، متوسطا دائما مجموعة من الشباب ، ينفث فيهم سموم الطائفية ،ومن خلالها يدعوا لقائمة معينة دون أن يكون له حسب علمي صلة مباشرة بها ، عدا محاولته كسب بعض الاعتبار لشخصه من خلالها ، لاعتقاده بأنها ستحصل على الغالبية المطلقة من المقاعد .
أوصل لي بعض مرتادي الحسينية ، تذمرهم وشكواهم منه ، وطلبوا مني التدخل لكبحه فهم يريدونها "الحسينيه " منبرا للدعوة للإيمان والخير ، لا بوقا سياسيا لهذا أو ذاك ممن يدعون حفاظهم على المذهب .
كانت لي زيارة بعد الصلاة المغرب للحسينية توسطت فيها مجلس صاحبي ، وما أن انطلق "ببروكاندته " للقائمة التي يشيع بأنها تمثل المذهب ، حتى وجدتها مدخلا للحديث استهللته بوجود أكثر من قائمة انتخابية لها صبغة مذهبية ، وأن تفضيل واحدة عن الأخرى سيكون حتما لأسباب سياسية ، خصوصا وأن المرجعية الدينية الرشيدة نأت بالطائفة عن السياسة وعن التدخل لصالح هذا الكيان أوذاك ، وأفتت بالتصويت وفق المعرفة الشخصية للمرشح وأن يكون " وطني ونزيه " ، مع هذا الدليل أخذ الحضور ينظرون لجاري بفتور ، لكنه سرعان ما استعاد بعض جأشه ، فقلبها دعاية شخصية لرئيس القائمة التي يدعو لها وتحدث عن أفعاله وانجازاته ، وكلها حسب زعمه لصالح المذهب ، رددت بالأرقام عن ما تحقق ، في البطالة في الخدمات الصحية ، في التعليم في البنى التحتية في الاستثمار ، ولما حاصرته وكسبت الحاضرين ، لم يجد بدا ، من القول " أن من يتحدث عنه رءوفا بالمواطنين وخصوصا الفقراء منهم ، فهاهو يدعو إلى التريث باتخاذ الإجراءات ضد المتجاوزين على منشآت وأراضي الدولة وحتى الأملاك الخاصة ، كان ردي عليه ، التصريح شيء والفعل شيء آخر ، وهذا ما جرى في انتخابات مجالس المحافظات ، وفوجئنا في اليوم التالي بتوجه بعض الجرافات لتزيل بعض مابناه المتجاوزين " الحواسم " ، دون التصدي لهذه المشكلة الاجتماعية والاقتصادية ووضع الحلول المناسبة لها ، وكان انتصاري الكبير ، القول " أن من يدافع عنهم هم بغالبيتهم من الحواسم كونهم استولوا على قصور النظام السابق دون وجه حق ، فهي ملكيه عامة تعود للشعب العراقي .
سادتي علي أن أخبركم بوجود قطعة ارض فارغة ملاصقة لدار جاري ، وكان دائم الشكوى لي عن خوفه من أن تحوسم ممن قد يثيرون له المتاعب والمشاكل ، وخصوصا بأنه لا تعرف عائديه هذه الأرض ، ولا يخفي رغبته القوية في تسيجها على حسابه الخاص ، لكني اعرف بخله ، وما يتبعه من محاولته لجري لدفع تكاليف ذلك .
حال ظهور نتائج الانتخابات ارتسمت ابتسامة عريضة على وجهه ، مع خيلاء ،
واخذ يهمس لمن يعرفهم بلازمة " ماننطيهه " ، غير أن الأمور ثقلت بما لا يشتهي ، وبان سراب آماله ، باجترار السياسيون لأقوال دون أفعال ، وبات صاحبنا بعد التبجح ، يتضرس ممن حوله سخرية تشكيل الحكومة .
قبل أسبوعين وفي فجر يوم شرجي قائض ، انهمرت طرقات على بابنا تدل على الفزع والرعب ، وماهي إلا لحظات ، كنت عند عتبة الدار ، لأرى صاحبي بملابس نومه وهو بحالة يرثى يشير إلى قطعة الأرض الفارغة ويقول لي " أنظر " ، أربع عربات ممن تجر بالحمير محملة بمختلف مواد البناء وقفت بجانب القطعة ، وجيش من رجال ونساء يلبسون الملابس الريفية ، وعدد كبير من الأطفال الحفاة وبعضهم عراة، استنفروا أنفسهم بهمة ونشاط لتفريغ حمولة العربات ، بدء صاحبي محتارا ، يستجدي الحل مني ، ومن مثلي لا يركن للقوة بل للقانون والنظام ، فأخرجت كلمتين " عليك بالقانون " ، امتعض واستشاط غضبا" ، وهو يرد علي " يا قانون يا بطيخ ، هذولة يفيد معهم قانون " ، لا أخفي عليكم سرا أني
مع انزعاجي من هذه الهجمة الحواسمية ، ألا أني استشفيت من حاله ، ووجدتها فرصة للمزيد فقلت " هؤلاء فقراء ومساكين يبحثون عن مأوى لهم " ، أخذ يلومني على قولي هذا ، وبين لي أن هؤلاء من مناطق ريفية بعيدة ومن محافظات أخرى ، لهم أملاك وأطيان ولكنهم استضعفوا الدولة ، وتبنوا شعار "مالك وملكك ماتضع يدك عليه " ، وأنهم يستولون على الأراضي ويبنون عليها بيوت لهم ثم يعلونها بعد مدة للبيع ، وصار هذا مصدر رزق لجمهرة من هؤلاء ، أخبرته بعدم
معرفتي بعائديه الأرض وبعدم جدوى تدخلي ، بلا مسوغ قانوني ، ومثل هؤلاء تسبقهم في الدفاع عنهم عشائرهم وأفخاذهم على غرار "أنصر أخاك " ، والعشائر تحظى بدعم وتأييد غير محدود ممن هم في سدة الحكم الآن على غرار مجالس أساند ، ومؤتمرات عشائرية برعاية فلان بين مدة وأخرى ، وتسليم الشيوخ أرزاقهم من أموال المنافع الاجتماعية ، لم تفد محاولاتي تلك في أبعاد جاري لكن لحسن الحظ حضر جار آخر ، اقل مجاملة مني وسمع حوارنا ، فانتفض لصاحبي بقوله " أنت تدعو لدولة ... فاستعين بها " .
تركت الجار لمأساته ، وأنشددت لمراقبة أعمال البناء الجارية في القطعة والتي تجري بسرعة عجيبة فعند منتصف النهار ، وصل البناء حد السقف ، وماهي إلا ساعات ألا وغطي بمواد البناء المحلية " ألبواري والقصب " ، تسلق أحد المحوسمين عمود الكهرباء " للتجطيل " وحفر الثاني الأرض مادا أنابيب المياه ، غير أن ماشغل بالي أن القطعة قسمت نصفين ، نصف شيد عليه البناء ، والآخر احيط بسياج فقط ، وعند المساء مع تصاعد دخان التنور من الساكنين الجدد ، وبقاء العربات الأربع واقفة ، بدئت عملية فصل الحمير عن العربات ووضعهم الأربعة في نصف القطعة المسيج ، وتوزيع ماجمع من أزبال سوق الخضروات عليهم ، انشغل الحمير بقضم وابتلاع ماقدم لهم ، وماهي إلا دقائق حتى فرغ معلفهم ، فتعالى نهق احدهم احتجاجا ، تبعه الآخر ، شكل بعدها الأربعة أوركسترا للنهيق لم تشهده أي أوبرا في العالم ، استمرت أنكر الأصوات بالتصاعد ،لأسباب لايمكن لمثلي معرفتها .
أعتدت عند صباح كل يوم تشنيف أذناي بصوت شحرورة الوادي ، قبل بدء صولة الباعة المتجولين " غاز غاز .. عنده سكراب للبيع ماطور للبيع ... خيار طماطة ركي بطيخ اسود بامية ... عنده طحين للبيع " ، وقبل الانطلاق المعتاد لصوت مكبر الصوت من احدي الحسينيات الأربع المحيطة بداري من مسافات قريبة تعلن عن قراءة الفاتحة لأحد المتوفين ، وأن كنت قد أدمنت بعض هذه الأصوات ، إلا أن الأنشودة الحميرية الصباحية شكلت خرقا كبيرا علي تلافيه ، فصباح يبدأ بالنهيق مع كل مشاكلنا اليومية الحياتية ، انقطاع الكهرباء ، تكوم تلال الازبال ، انقطاع ماء الإسالة ، اللهث خلف البنزين للسيارة أو للمولدة ، وجود معاملة لديك في دائرة ما ترفع علم الفساد بكل أنواعه ، صارت من هواجسي اليومية ويصعب في الوقت المنظور وبالعملية السياسية الحالية عبورها ، غير أن مشاهدتي للأشلاء وللدماء بمسلسل الإرهاب الذي لا ينقطع يوميا في بعض المحافظات يهون علي معاناتي ، من باب بعض الشر أهون ، ومن باب عذابات جاري ، والذي جمعتني صدفة بقربه عند انطلاق الاوركسترا الحميرية " فهمست بأذنه ومن الحواسم ما ينهق " ولكم تصور حاله حينها .
عادل اليابس








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جميل جدا
مازن فيصل البلداوي ( 2010 / 7 / 31 - 07:37 )
الأخ عادل اليابس
رائع جدا ما كتبت على الرغم من أن المصوتين على المقال (نفرين) فقط وقد يكونوا من الذين تمت حوسمة أملاك لهم
لاأملك الا ان أحاول نشر المقال للأصدقاء والمعارف ليطلعوا عليه ويقينا أنت في محافظة تحوسمت ثرواتها وأهلها وتاريخها.

تحياتي وتقديري


2 - حوسمة المجتمع المدني
عادل اليابس ( 2010 / 7 / 31 - 16:52 )
الاخ البلدواي المحترم
تحية طيبة
قلبي يبكي دما على حوسمة المجتمع المدني في العراق وفي البصرة خاصة
ولاذكر لك وضع المجتمع المدني في الخمسينات من القرن الماضي
عمري كان خمس سنوات
* كان في البصرة مايسمى بالسينمات الصيفية ، تبدا بدورين مساءا- واحد في السابعة والاخر في التاسعة تصور معي ان اشراف عوائل البصرة كانت تحضر الدور الاخير لمشاهدة احدث افلام هولييود مثل ذهب مع الريح وثورة على سفينة بونتي واطول يوم في التاريخ وقلعة الاموا وتصور معي بانه خلال تلك الحضور لم اسمع ولا كلمة واحدة تطلق من مشاهد يمكن لان تخدش الحياء تنتهي الفلة في الساعة الحادية عشر فيخرج المشاهدون بكل هدوء وكنت بصحبة والدي نذهب لنرى باص نقل الركاب الحكومي واقفا حيث ينطلق في الساعة الحادية عشر والنصف أي ان توقيته مطابق لانتهاء العرض في السينمات
تصور معي وانت في عمري ذاك ان تشاهد الملك فيصل يزور بيت النقيب في البصرة وينزل من سيارة شفروليت 56 لايوجد معه غير السائق وكنت قد شاهدته بأم عينيي
اشكرك على ردك
وللمزيد مني في هذا الاتجاه
انقر في الكوكل عادل اليابس
لتقرأ
حصان الامر سكران
جمعية الحمير

اخر الافلام

.. رفح: اجتياح وشيك أم صفقة جديدة مع حماس؟ | المسائية


.. تصاعد التوتر بين الطلاب المؤيدين للفلسطينيين في الجامعات الأ




.. احتجاجات الجامعات المؤيدة للفلسطينيين في أمريكا تنتشر بجميع


.. انطلاق ملتقى الفجيرة الإعلامي بمشاركة أكثر من 200 عامل ومختص




.. زعيم جماعة الحوثي: العمليات العسكرية البحرية على مستوى جبهة