الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البرادعي.. والثقافة المنسية

إكرام يوسف

2010 / 7 / 31
اليسار , الديمقراطية والعلمانية في مصر والسودان


يبدو أنه مازال أمامنا بعض الوقت حتى نتعلم جيدًا ثقافة التحالفات المرحلية، أو ما يسميه علماء السياسة بالفارق بين الاستراتيجية والتكتيك. فقد انحصرت ثقافتنا بين مفهومي "أحبك إلى الأبد" أو "قلبي غضبان عليك ليوم الدين"! ولعل التاريخ المصري المعاصر لم يشهد تجارب اتفاق قوى سياسية مختلفة حول عمل مرحلي مشترك لتحقيق هدف الحد الأدنى، مع استثناءات معدودة أبرزها اللجنة الوطنية العليا للعمال والطلبة عام 1946، وشملت معظم التيارات الوطنية آنذاك ـ ماعدا الإخوان لرفضهم الانضمام إلى لجنة قياداتها من الوفديين واليساريين ـ التي توافقت على هدف الضغط من أجل الاستقلال بعد ما قدمته مصر من مساعدات للحلفاء في الحرب الثانية، كما مثلت ـ رغم أنها لم تستمر سوى شهور معدودة واقتصارها على المدن الكبرى ـ إضافة مهمة للحركة الوطنية توِّجت بإلغاء معاهدة 1936.

ولم تشهد مصر بعدها، تجربة عمل جبهوي تذكر، حتى ظهرت حركة كفاية عام 2005 وحركت مياها ركدت لعقود في الشارع المصري، ونظمت وقفات احتجاجية ضمت عناصر من الأحزاب القائمة على اختلاف توجهاتها إلى جانب مستقلين من أقصى اليسار إلى أقصى اليمين، توافق الجميع رغم اختلافاتهم حول شعار الحد الأدنى "لا للتمديد، لا للتوريث". ورفعت الحركة سقف هامش حرية التعبير، ولقيت ترحيبًا كبيرًا تجاوز حدود مصر لتتلقف الفكرة قوى معارضة في بلدان مجاورة. غير أن التزام الحركة بشعار رافض للواقع من دون تقديم بديل، كان من أسباب تراجع وهجها بعدما أجهزت الانتخابات الرئاسية الأخيرة على النصف الأول من شعار الحركة. ثم ظهرت أمراض التحزب وصراعات الزعامة، فتسرب العديد من عناصر الحركة، ولكنهم لم يتخلوا عن حلم التغيير، فتشكلت مجموعات خرجت من عباءة كفاية: شباب من أجل التغيير وعمال من أجل التغيير، ونساء من أجل التغيير، وحتى أطفال من أجل التغيير. إلى أن ظهرت حركات أخرى أفرزها ما ولَّدته كفاية من رغبة في المشاركة، فكانت جماعة "شايفينكو" و"مصريون ضد الفساد" و"مصريون ضد التمييز الديني". وتمخضت صفوف الحالمين بالتغيير عن إبداعات جديدة، فظهرت حركة 6 أبريل للمرة الأولى على الشبكة العنكبوتية قبل أن تنخرط في حركة الشارع.
ومؤخرا جاءت أحدث تجارب العمل الجبهوي المرحلي؛ مع ظهور الدكتور محمد البرادعي، كرمز توافقت على قبوله قوى سياسية مختلفة التوجهات. وكانت البداية مع تساؤل تكرر طرحه، عن البديل الذي يمكن أن تقدمه قوى المعارضة لما هو قائم. وطُرِحت أسماء عمرو موسى وعمر سليمان وأحمد زويل ومحمد غنيم ومحمد أبو الغار ومحمد البرادعي (مع حفظ الألقاب)، وآخرين. و لم يبد، من بين هؤلاء، استجابة واستعدادا حقيقيًا للمشاركة سوى الدكتور محمد البرادعي، وأوضح من البداية بشكل قاطع استعداده للوقوف في صفوف المطالبين بالتغيير، مؤكدًا أن هذا التغيير مشروط بتعديل مواد دستورية تحول دون انتخابات تعبر عن إرادة الشعب الحقيقية. ولم يكن ظهور البرادعي محركًا لمياه راكدة مثلما كانت كفاية، ولكن خطوة جديدة على طريق بدأ قبل مجيئه بسنوات. وكان لإصرار الرجل على أنه لا يحمل عصا سحرية، ولا يعد بتحقيق الأحلام، وإنما هو مجرد مشارك يتبنى حلم التغيير مع الساعين لتحقيقه، أبلغ الأثر في جذب العديدين ممن ملَّوا فكرة القائد المعلم والزعيم الملهم، وزهدوا في بائعي الشعارات والأوهام.
ورأى كثيرون ـ ممن ينتمون إلى تيارات مختلفة ـ في البرادعي رمزًا يمكن الالتفاف حوله حتى يتحقق هدف الحد الأدنى. كما اعتبروه واجهة مشرفة ذات بمصداقية دولية، لا يسهل تلويثها أو اتهامها بالإرهاب أو التزوير. غير أن البعض ظل يتعامل مع البرادعي باعتباره مرشحًا بالفعل لرئاسة الجمهورية! ويصر على دفعه للحديث عن برنامج تفصيلي؛ بداية من قضية حصار غزة وقضية الخصخصة وليس انتهاء برأيه في الحجاب، وهي كلها أمور يجوز ـ بل يجب ـ مطالبة مرشح في الانتخابات بكشفها، ولكن موقف الرجل منها لا يجب أن يهم في "المرحلة" الحالية المتفق عليها؛ حيث ينصب الهدف على مجرد إجراء تعديل دستوري. وعندما يتحقق هذا الهدف، ويصبح هناك دستور يحدد آليات حقيقة لضمان انتخابات حقيقية، يكون من الجائز ـ بل من الواجب ـ مساءلة الرجل عن برنامجه التفصيلي. ووقتها يمكن أن نتفق معه أو نختلف، وربما تُطرح وقتها رموز أخرى أصلح لمرحلة جديدة، بل أن الدكتور البرادعي نفسه ربما يكون له اختيار آخر ـ كأن يقرر فجأة الاكتفاء بهذا القدرـ فلاشيء مضمون. ويجب أن نكون قد تعلمنا عدم المراهنة على أشخاص، وهو ما يصر الرجل على تنبيهنا إليه . أما قبل ذلك، فليس مطلوبًا منه سوى التزامه فعليًا بما عاهد أنصاره عليه، وهو الوقوف بفعالية وراء برنامج النقاط السبع. ولاشك أن لدى كل من القوى التي توافقت على قبول البرادعي كرمز للتغيير، شخصية تراها أصلح من البرادعي من منظورها ـ غير أنها لا تحظى بتوافق القوى الأخرى حاليًا ـ وتعدها للترشيح للرئاسة بمجرد أن يتحقق التعديل الدستوري. ولما كان من غير المتوقع تحقيق التعديل الدستوري المطلوب إلا بضغط يستلزم وقتًا وصبرا وربما ثمنا، فأي تسويف أو تخاذل أو حرف للحركة لن يؤدي إلا إلى إطالة الزمن المطلوب للتغيير وفداحة الثمن المدفوع فيه. ومن ثم، فليس مقبولا هذا التصارع على سرقة الكاميرا؛ ومحاولة كل تيار إبراز شخوصه على حساب التيارات الأخرى، ودفع حركة تأسست من أجل هدف مرحلي محدد إلى تبني خطابه هو بالتحديد. وهو صراع لن يؤدي إلا إلى إضعاف حركة التغيير وعرقلتها. وليس أمام الجميع ـ إن كانوا صادقين ـ من سبيل مرحليًا، إلا اتباع قول السلف:"نتعاون فيما اتفقنا عليه، ويعذر بعضنا بعضًا فيما اختلفنا فيه". فليتحد الجميع وراء تحقيق الهدف الأدنى، وبعد تحقيق التعديل الدستوري المنشود ليسعى كلٌّ إلى عرض برنامجه وكسب تأييد الناخبين. أما قبل ذلك فلتتوحد الصفوف ولتنحى الخلافات جانبًا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لايمكن ان ننسى
محمد الرديني ( 2010 / 7 / 31 - 21:28 )
لااملك عقلا تآمريا لاقول هل انتدبك البرادعي ناطقا رسميا باسمه ام ماذا؟؟
ولكني بداية لابد ان اسيد بالمعلومات التي وردت في مقالك والتي اتاحت لي معرفة وقائع لم اكن على تماس معها
لايمكن يازميلتي ان ينسى العراقيون الشرفاء جولات وصولات البرادعي في اثبات ان العراق يحوز على اسلحة الدمار الشامل وكان بالفعل - وعذرا لهذا التعبير- خاتما يديره مستر بوش الابن كيفما يريد
ةبعد ان اتضح كل شيء وانتهت ورقة البرادعي وغادر وظيفته طلع علينا باعتذار قال فيه ان الافتراء حول حيازة العراق لاسلحة الدمار الشامل راح ضحيته آلاف العراقيين الذين قتلوا بدون سبب
فاذا كان صاحبك وطنيا ونظيفا كان الاجدر به ان يستقيل من منصبه حال شعوره بانه خاتم في يد الاخرين اما ان يعتذر بعد موت الالاف من العراقيين فتلك لعمري نكتة سمجة لن ينساها له كل العراقيين والارامل واليتامى

اخر الافلام

.. علقوا في الهواء رأسا على عقب.. شاهد ما حدث لعشرات ركاب لعبة


.. هنية: رد حماس يتوافق مع مبادئ مقترح بايدن للتهدئة




.. صلاة عيد الأضحى في المستشفى الميداني الإماراتي في #رفح بمشار


.. مسؤولون أميركيون: الولايات المتحدة نفذت ضربة جوية استهدفت زع




.. الغارديان: نتنياهو يخوض حربا على جبهتين ولا توجد نهاية في ال