الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


العمال واللقمة المغمسة بالفقر والقهر

بدر الدين شنن

2010 / 8 / 1
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


يجري في الوقت الراهن تداول آراء واقتراحات لبلورة مشروع قانون الحد الأدنى العام للأجور ، المزمع إصداره لعمال القطاع الخاص ، الذي سيشمل بعد إتمام خصخصة القطاع العام ، الجارية على قدم وساق ، عن طريق البيع أو التحايل التشاركي أو التفليس ، أوغيره ، سيشمل عمال سوريا غير الموصوفين مهنياً جميعاً ، وذلك ا ستكمالاً للشروط التعاقدية التعسفية ، التي جاء بها قانون العمل الجديد رقم ( 17 /2010 ) الذي أجاز لأصحاب العمل تسريح العمال لديهم تعسفياً ، وثبت حرمان العمال من حق الإضراب ومن حق تشكيل نقاباتهم المستقلة عن السلطة ، ضمن أ شد الظروف الاجتماعية والأمنية القهرية ، فالعمال محاصرون بالأحكام العرفية وحالة الطواريء والخيانات الطبقية السياسية .

والجدير بالملاحظة ، أن معظم هذه الآراء والاقتراحات ، وخاصة الصادرة عن الحكومة ، مشحونة بالخبث والجشع . إذ أنها تتمحور حول ، كيف يمكن أن يكون الحد الأدنى العام للأجور منسجماً مع ، قوانين اقتصاد السوق الليبرالي ، ومع شروط الانتماء إلى منظمة التجارة العالمية ، ومع سياسة تشجيع الرأ سمال الخارجي على الاستثمار في البلاد . والتي جميعها تتطلب توفر الأيدي العاملة الرخيصة ، وليس التمحور حول ، كيف يجب أن يكون الحدى العام للأجور ، أكثر إنسانية ، وأكثر توفيراً لمقومات معيشة كريمة ، تتناسب مع مستويات الإنفاق الاجتماعي المتوسطة بالنسبة للفرد والأسرة ، وتنسجم مع معدلات ارتفاع الأسعارالمتصاعد ، ومع تنوع وتزايد الحاجيات الاجتماعية والمعيشية ، التي تطرحها مع الأيام شروط الحياة عامة .

أما الاراء والاقتراحات ، التي يطرحها عدد من المهتمين بالشأن العمالي من خارج الحكومة ، فهي ’تقدم ناقصة في أمور ثلاث ، الأول ، أنها تركز على ثمن الوجبات الغذائية الأساسية الشهرية للعامل وأ سرته التي تضم خمسة أ شخاص ، وذلك دون أن تضيف إليها ثمن الوجبات الأخرى مثل الفطور والعشاء وتكاليف الكساء والدواء والتعليم وإيجار السكن وثمن الماء والكهرباء والتدفئة .. ألخ .. مما يتطلب مضاعفة الرقم المحصور بالوجبات الأساسية عدة مرات . الثاني ، أنها أهملت الفراغ السياسي اليساري ، المعني عادة في مثل هذه المسائل وكذلك دوره في الدفاع عن الطبقة العاملة وكافة الذين يعيشون على الأجور والرواتب ، هذا افراغ الذي تستغله قوى اقتصاد السوق وسلطاتها المتعددة ، كما أهملت دور النقابات النضالي الغائب ، في هذه المعركة التي تتناول مقومات حياة العمال وصحتهم وضمان حد أدنى معيشي لهم ولأسرهم ، وأنها ، أي الآراء والاقتراحات ، تجاوزت .. وتناست الحلول الحركية المطلوبة لمواجهة جبهة مؤسسات النظام الحزبية والتشريعية والحكومية والنقابية والقهرية ، التي أصدرت القانون ( 17 / 2010 ) لمصلحة ذئاب اقتصاد السوق الليبرالي المحلي والدولي ، ويبدو أنها ستصدر أيضاً الحد الأدنى العام للأجور الجديد وغيره من الحدود الدنيا للأجور ، بما ينسجم مع مصالح البرجوازية الجشعة ومتطلبات اقتصاد السوق المؤلمة ، ومع لعبة التنافس القذرة في إطار منظمة التجارة العالمية .

من المعروف أن المعادلة المطروحة لتجديد الحد الأدنى العام للأجور هي ، كما كانت سابقاً " سد حاجيات العامل الساسية " ولكن هذه المعادلة ليست محددة بمفهوم واحد ثابت . فهي حسب الخلفيات الطبقية والأخلاقية للمتعاملين معها ، يمكن أن تختزل بالعامل الفرد ، ويمكن أن تتوسع لتشمل أعباء العامل الأسرية . تاريخياً كان المقصود بالحد الأدنى العام للأجور ، هو أقل ما يمكن أن يتناوله العامل ، غير الموصوف مهنياً ، ثمن قوة عمله في الشهر الواحد . وقد جاء تحديده قبل خمسين عاماً في ظل القانون ( 91 / 1959 ) وماقبله ب ( 90 ) ليرة سورية . وعلى الرغم من أن هذا المبلغ كان غير مقبول ، وكان هناك نضالات عمالية متواصلة لرفع مستواه ، إلاّ أن قدرته الشرائية كانت أضعاف القدرة الشرائية للحد الأدنى العام المعمول به حالياً والبالغ ( 6010 ) ليرة . فمبلغ ( 90 ) ليرة كان يؤمن آنذاك ثمن ( 36 ) كيلو من اللحم الضأن بينما ( 6010) ليرة الآن لا تكاد تؤمن ثمن ( 10 ) كيلو . وقد كان في حينه إيجار السكن الشعبي ما بين ( 30 - 40 ) ليرة في الشهر ، بينما لايكفي الآن كامل الحد الأدنى العام الحالي ( 6010 ) ليرة لتغطية إيجارشهر لسكن مماثل . وإذا ما قرأنا لائحة المواد المعيشية والضرورات الحياتية في الزمنين المترافقين للحد الأدنى العام ( 0 9 ) ليرة والحد الأدنى العام ( 6010 ) ليرة ، فسوف نجد فوارق مذهلة ، تبلغ مئات الأضعاف ، لاسيما في أسعار الذهب ومواد البناء والسكن والإنفاق على التعليم وا لصحة والتكوين الأسري .

وبالعودة إلى الأرقام المتداولة ، التي تحدد ثمن الوجبة الأساسية للعامل ، يتضح الخبث والجشع . فاللجنة التي أصدرت تقريراً حددت فيه كمية ونوعية هذه الوجبة ، التي ينبغي أن يتناولها الفرد يومياً منها :
1 - نصف كيلو خبز .
2 - بيضة واحدة .
3 - 25 غرام جبنة .
4 - 75 غرام لحم .
5 - 70 غرام أرز .
6 - 200 غرام فواكه .
7 - 200 غرام فواكه .

وقد ’أعتبرت الكميات المذكورة أعلاه وأسعارها الحالية أ ساساً للآراء والمقترحات المتداولة العتيدة عند أهل الحكم . أما عند من هم خارج الحكم ، فقد طالبوا بمضاعفة ، مرة واحدة ، الرقم المقترح كحد أدنى عام للأجور . فأهل الحكم يتعبرون أن مبلغ ( 155, 13 ) ألف ليرة في الشهر هو مبلغ قابل للنقاش . والآخرون يطرحون رقماً بحدود ( 25 ) ألف ليرة . بيد أنه ، في كل الأحوال ، لايمكن اعتماد نظرية الوجبات الأساسية فقط ، عند حساب الإنفاق الفعلي لسد الحاجيات الأساسية للعامل فردياً وأ سرياً ، إلاّ في حالة واحدة فقط ، وهي اعتبار أن من يشملهم الحد الأدنى العام الجديد هم عبيد .. هم طبقة اجتماعية متدنية الآدمية . لأن هذه النظرية فعلياً تحدد مبلغ ( 7 , 437 ) ليرة كقيمة نقدية لثمن الوجبة الأساسية الأسرية العمالية ، في الوقت الذي تصرف فيه أسرة مماثلة عددياً ميسورة الدخل ، كيف الله أعلم ، تصرف ( 4000 ) ليرة في مطعم متوسط المستوى كقيمة نقدية لوجبتها الرئيسية .

إن سد الحاجيات الأساسية للإنسان .. العامل .. تتطلب .. أولاً ، تحديد ما هي هذه الحاجيات الأساسية للإنسان .. كل إنسان .. في مجتمع ’تحترم فيه إنسانية الإنسان .. شخصياً وأ سرياً على كل الأصعدة .. الغذاء .. والكساء .. والدواء .. والسكن .. والتعليم .. والمواصلات .. والثقافة .. بل ويزيد كون العامل قوة منتجة ، أن يكون من حقه الحصول على معدلات لائقة على كل الصعد المذكورة . لا أن ’تحسب له الجبنة بالغرام ، والأرز بالعدد ، وكمية اللحم المخصصة له لاتشبع قطة صغيرة .

أ سعار المواد الغذائية ، والمعيشية ، المتصاعدة كافة ، لاتفضح الخبث والجشع والبخل في تحديد الحد الأدنى العام للأجور وغيره من الحدود الدنيا للأجور وحسب ، وإنما تفضح النظرة الدونية من قبل البرجوازية عامة والحاكمة خاصة للإنسان العامل ولأسرته . حتى لو تبنت اللجنة المكلفة ، أو التي ستكلف ، الرقم المثالي (155’ 13 ) ليرة في الشهر ، فالإنفاق السكني الشعبي ( إيجار ، أثاث ، تدفئة ، ماء ، كهرباء ، منظفات ) والإنفاق الغذائي الأسري المتوسط ( أسرة من خمسة أ شخاص ) بما يليق وكرامة الإنسان من أ ساسيات المواد الغذائية ، والإنفاق على الصحة والتعليم والمواصلات ، والإنفاق على حدود متواضعة من الثقافة ، يتجاوز الرقم المثالي الحكومي والرقم المثالي من خارج الحكومة مرات ومرات مضاعفة . ، ويستدعي رقماً آخر .. ويطرح السؤال .. كم يجب ، حقاً ، أن يكون الحد الأدنى العام حسب الموازين ، الاجتماعية ، والاقتصادية ، والإنسانية ، والأخلاقية ؟ ..
الجواب بالتأكيد ليس عند من يجلسون خلف المكاتب الفاخرة ويقررون للناس .. حسب تقديراتهم البيروقراطية .. أو حسب مصالحم الطبقية الجشعة ، وإنما هو عند المصادر التي تقبض ثمن الحاجات المطلوبة .. عند ملاك البيوت .. وعند بائعي المواد الغذائية ومصادر المعيشة الأخرى . يكفي أن ’يؤخذ فقط بعين الاعتبار بشرف الانفاق على السكن مع مستلزماته الضرورية ( كهرباء ، ماء ، تدفئة ، منظفات ) والإنفاق على المواصلات والتعليم والصحة ، لنجد أن الأرقام المثالية المقترحة كلها تتلاشى ، ولايتبقى قرشاً واحداً بكف العامل ليشتري حتى رغيف خبز واحد .

وحتى لانضيع في متاهة معادلة الوجبات الأساسية في حساب الحد الأدنى العام للأجور ، فإنه لابد ، أن يضاف فوق أي سقف رقمي في المقترحات الجديدة وفق معادلة الوجبات الأساسية الأسرية ، الإنفاق الغذائي اليومي كاملاً ، والانفاق السكني المشار إلى تفاصيله آنفاً ، والإنفاق الهام جداً ، المنسي دائماً ، وهو الإنفاق على التعليم والصحة والثقافة ، حتى نصل إلى أجر مناسب موضوعياً وإنسانياً ، بحدوده الدنيا .

وحتى نحصل على أجر مناسب بحدوده الدنيا ، أن نحصل على ثمن مناسب لقوة العمل ، في مجتمع اقتصاد السوق الليبرالي ، لابد من التنظيم السياسي .. والتنظيم النقابي ..

الآن .. لاحزب سياسي .. ولاتنظيم نقابي .. للطبقة العاملة السورية . الأحزاب السياسية العمالية التقليدية ا ستقالت من النضال الاجتماعي العمالي ، وذلك إما بالتحاقها بجبهة النظام ببرجوازية السلطة ، وإما بالتحاقها بالليبرالية ومضامينها البرجوازية العولمية . والنقابات منذ عام 1968 صارت قانونياً جزءاً من مؤسسات النظام .

إن اللعبة السلطوية البرجوازية في صنع الحد الأدنى العام ، ستنتهي إلى دون ماهو مطلوب واقعياً واجتماعياً وإنسانياً بكثير ، لسد الحاجيات الأساسية ، أي الإنفاق المعيشي الفعلي . فمعادلة الأسعار والأجور التي تحتكر مؤسسات النظام السلطوية والبرجوازية والقهرية مقصاتها بقوة القهر ، سوف تبقي لقمة العمال وكافة الطبقات الشعبية مغمسة بالفقر والقهر ، إلى أن يبني العمال حزبهم المستقل .. وتنظيمهم النقابي المستقل .

لن يكون إصدار الحد الأدنى العام للأجور المجحف للحقوق العمالية ، هو نهاية آلام إجراءات اقتصاد السوق الليبرالي ، فهذا النمط الاقتصادي وحش لايرتوي من دماء الذين لايعيشون إلاّ من بيع قوة عملهم اليدوي والذهني . إن المعركة مع قوى اقتصاد السوق الليبرالي مريرة ومؤلمة وطويلة ، ولابد من أن تخوضها الطبقة العاملة وكافة الطبقات الشعبية بالأشكال النضالية المتاحة ، وتطويرها ، حتى تصبح فعالة أكثر فأكثر ، ووا سعة ، وظافرة .. كل الإمكانيات كامنة .. موجودة .. لاتنقصها سوى المبادرات .. لتنطلق .. وتنفجر ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رولكس من الذهب.. ساعة جمال عبد الناصر في مزاد


.. Socialism 2024 rally




.. الشرطة الألمانية تعتدي على متظاهرين مناصرين لغزة


.. مواطنون غاضبون يرشقون بالطين والحجارة ملك إسبانيا فيليب السا




.. زيادة ضريبية غير مسبوقة في موازنة حزب العمال تثير قلق البريط