الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أسرار جنسيّة: طفولة مسروقة

لمى محمد
كاتبة، طبيبة نفسية أخصائية طب نفسي جسدي-طب نفسي تجميلي، ناشطة حقوق إنسان

(Lama Muhammad)

2010 / 8 / 2
الادب والفن


عقوبة الإعدام همجيّة.. لكنّها العدل الأوحد لقاتلي الروح...


لن يشفع الصباح الدمشقي الجميل لما حدث في ذلك اليوم، لن يقدر أي يوم رمضاني آخر على اقناعي بأن الصائمين جميعهم سواسية.
كانت مرة أولى لحدث قرأت عنه لكني لم أشاهد تبعاته قبلا، كانت المرة الأولى التي كان البكاء حليفي الوحيد في مواجهة حالة طبيّة وقفت أمامها شبه عاجزة.
**********


إذا أردت أن تعرف تفاصيلا دقيقة لحيوات تبدو عادية، ما عليك سوى دراسة الأمراض الجلديّة و الزهريّة، حيث لا ينجو الجلد من الانهزامات النفسيّة الدفينة التي يحاول أصحابها عبثا إيقاف ما يلحقها من تساقط أشعار، و (حب شباب ) متسحج، و اندفاعات جلديّة لا تعد و لا تحصى.
أما إذا فتحنا الباب لتفاصيل الأمراض الزهريّة، فتوقعوا عجبا، أمراضا، و حكايا لا تخطر بالبال.
**********


لا أريد أن أشاهد "نجم" مرة أخرى، لا أريده حتى أن يمر بذاكرتي التي هزأتْ مني عندما احتفظتْ بتفاصيل دقيقة لسنواته الخمسين التي دخلت عيادتي على هيئة خمس سنوات!

حدث في مستشفى الأمراض الجلدية و الزهرية التخصصي أن "عبد" ذو السحنة السمراء، و اللحية الطويلة تعارك مع الممرضة في الخارج –لأنها تأخرت في إدخاله، متجاهلة صيامه في سبيل الله...
و الحقيقة أن " عبد " لم يكن المعني بزيارة الطبيب، فالبطاقة بين يديّ كانت لطفل في الخامسة، و طفل الخامسة هذا كان "نجم".

وجه دائري أبيض طفولي في كل معانيه إلا في نظرته..فالنظرة لعجوز حزين، أما أم "نجم" فلا أذكرها أبدا.. لا أدري لماذا لم أرها، ربما لأنني أحسست أنّها غير موجودة بتاتا، و مهما قيل في كونها دخلت معهما العيادة، سأظلّ غير مصدقة أن الأمومة تتجزأ و تُلغى بإلغاء شخصية المرأة.

-بركة( اللي دخلتينا )يا حكيمة..الله يستر عليك.

كانت هي الجملة الأولى ل " عبد" الذي عرفت لاحقا لماذا اختلفت نبرة صوته عند دخوله عيادتي عن الحدة القتاليّة التي هاجم فيها الممرضة في الخارج.

-أهلا و سهلا..هنا يدخلون( بالدور).
-(بس دكتورة الصايم مو متل اللي جاية تكشف عن شعرها أو أظافرها ).
-يا أخي هذا علمه عند الله..تفضل بالجلوس ، و أخبرني ما المشكلة؟
-ابن أختي .."نجم" : نجم سلّم (ع الدكتورة).. (طالعلو حبوب ما عم تروح و عم تكتر)

قاطعتُ بكاء الطفل ببقية الاستفسارات عن قصته المرضيّة، و عند محاولتي فحصه ذُعر المسكين كعصفور وقع في مصيدة، و أخذ صوت بكائه بالخفوت بشكل تدريجي و كأنه قد غُلب على أمره، أو أنّه قد استسلم لحياة فُرضت عليه مذ كان في رحم امرأة لا صوت لها.

كانت الثآليل التناسلية ..المرض التناسلي المنتقل عن طريق الجنس و التي ملأت المنطقة حول الشرج، كافية تماما لتكشف لي عن سبب كهولة هذا الطفل، و عن نظرات "عبد" المرتعدة.

- مع من يسكن الصغير.
-معي أنا و أمه.
-و أين أبوه.
-أبوه طلق أمه و رحل ..يعمل الآن في السعودية.
-هل يذهب إلى رياض الأطفال.
-لا ..لا يغادر المنزل..لماذا تسألين يا حكيمة؟
فكرت قبل أن أرد:
- أريد أن أعرف إن كانت العدوى قد انتقلت لشخص آخر فالمرض معدي.
صمت "عبد" قليلا ثم أجاب:
-لا..لم يعد أحدا.

بعد سلسلة الاعتراضات من " عبد " أخذت الطفل معي إلى الطابق الثاني في المستشفى لأستشير أحد الأساتذة في حالة كانت الأولى في سجل دراساتي العليا، و لكنها و بكل الألم لم تكن الأخيرة.

كان رأي المشرف كالآتي :

-صحيح.. استغلال جنسي واضح ..عالجي المرض و اصمتي، يستطيع الفاعل رشوة الشرطة، فالموضوع يحتاج إلى أكثر من شاهد..و مليون (سين و جيم) .

عصفور صغير آخر قُتل.. هذه المرة في قلبي، أمسكت الطفل من يده إلى أستاذ آخر:

- إذا استطعت إقناع أمه بالتقدم بشكوى فليكن، لكن يجب أولا التأكد من الفاعل، و لا تهملي الظروف التي يعيشون بها..قد يصبحون في الشارع.

كانت الخيارات جميعها سوداء دائرية، جريمة قتل روح صغيرة، شهادتي عليها لا تعني مطلقا إثباتها..وقفت على درج المستشفى أفكر حتى شدني الطفل من يدي ..

-الله يخليك ، (خليني روح )عند ماما .

و مع أني سمعت صوت بكاء في قلبي، لكنها قوة هائلة تلك التي منحتني إيّاها يد "نجم".


يتبع...








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مؤلم مؤلم
فاهم إيدام ( 2010 / 8 / 2 - 11:23 )
مؤلم مؤلم...مؤلم...مؤلم......مؤلم


2 - سرد رائع
عبد الفتاح المطلبي ( 2010 / 8 / 2 - 17:11 )
تجيدين التوثيق بالسرد و كأننا معك في أروقة المشفى ،ساردة من طراز رفيع أحييك و سأتابع


3 - الصمت تجاه ظاهرة الاعتداء الجنسي
ايمان خلف ( 2010 / 8 / 2 - 19:43 )
شكرا لك على طرحك لظاهره الاعتداء الجنسي على الاطفال بهذه الطريقه المشوقه
بقدر ما يؤلمنا وجود هذه الظاهره يؤلم اضعافا الصمت المجتمعي حيالها وحتى انكارها احيانا لان كل طفل تعرض للاعتداء فهو مرشح للاعتداء على اطفال آخرين وايضا هو عرضه للمعاناه من اضطرابات بكل ما يتعلق بجنسانيته وبنظرته وتعامله مع الجنس


4 - مأساة
حسين البلداوي ( 2010 / 8 / 2 - 20:23 )
عند قرائتي للموضوع احسست بتوقف خلايا جسمي عن العمل لرعب الجريمه التي طالت هذا الملاك لكن الكتابه وحدها لاتكفي الاخبارعنها هو جزء من الحل رغم التبعات ولك السلام


5 - شيزوفرينيا
عبد الوهاب المطلبي ( 2010 / 8 / 3 - 01:37 )
مؤكد جدا ان الصائم زوج امه كان فد اغتصب الطفل؟؟
الاسلام الظاهري اسلام وعاظ السلاطين كما يقول الدكتور علي الوردي يفعل هذا
لان الاسلام لديه وسيلة وليس غايه
ترى كم من هولاء المرضى يبجلهم المجتمع على الظواهر؟؟؟؟؟؟؟


6 - يا دكتوره
فاهم إيدام ( 2010 / 8 / 3 - 23:45 )
لاأستطيع ترك ما كتبتيه
هل ستصمتين؟؟؟؟؟؟؟ أرجوك افضحي ما تعرفين... ارجوكِ
أتصلي بمن تثقين بهم، اتصلي بمن يستطيع انقاذ هذا الطفل أرجوك


7 - ابلغي الشرطة سيدتي اذا لم يكن هناك تقادم
ميس امازيــــغ ( 2010 / 8 / 4 - 12:26 )
شهادة طبية تثبت اصابة الطفل بمرض لا ينتج الا عن ممارسة جنسية ثم ابلاغ الشرطة هكذا ايتها الروح الطيبة تكوني قد ارتحت و ارحت انه انه لمصاب جلل يجب على الشرطة ان تتحمل مسؤوليتها و تكشف عن المجرم لينال عقابه


8 - فظيع
مو موهم ( 2010 / 8 / 4 - 16:14 )
كيف باستطاعتي أن أساعد أرجوكم أخبروني.


9 - مؤلم
Aghsan Mostafa ( 2010 / 8 / 5 - 05:29 )
شكرا لدولنا وحكامنا ومرؤسينا وولي الأمر فينا الذين كمموا افواهنا وشجعوا جبننا ونيموا ضمائرنا حتى من قبل اساتذتنا اللذين قتلوننا بدل ان يعالجوننا لنتجاهل ونخرس عن قول الحقيقه المؤلمه

ارجوك يادكتوره ان تتمي مهنتك النبيله ولاتخذليني فصدقيني قد وستخسرين بالتأكيد الكثير لكنك ستربحين راحة البال والضمير .... لا احسدك على موقف كهذا

تحياتي واحتراماتي من الآن


10 - آلمتنا بحق
فيصل البيطار ( 2010 / 8 / 5 - 21:38 )
أنا الآن عاجز تماما عن أي رد حول الحالة التي وثقتها .
فقط أقول : آلمتنا سيدتي .


11 - شكرا لنبلكم
د.لمى محمد ( 2010 / 8 / 6 - 03:39 )
إلى كل الأعزاء الذين مروا من هنا
تبقى الحياة بخير طالما أمثالكم فيها..نلتقي مع تتمة للحدث الذي لن يموت. دمتم بخير

لمى


12 - إنفصام
فارس عبد القوي ( 2010 / 8 / 6 - 07:18 )
أحد ألأمراض النفسية ألإجتماعية التي يعاني منها مجتمعنا أن نسبة كبيرة جداً جداً يقدمون نفسهم بشخصية و هم في الواقع شخصية ثانية مخفية و هذا يعود للتربية الغير صحيحة في مجال إظهار الذات فالذات عندنا مقموعة بطريقة همجية و لذلك يظهر في مجتمعاتنتا تصرفات همجية تضر بالمجتمع كاملاً و هنا يجدر القول اننا أمام إنفصام في الشخصية على المستوى الفردي و تعميم ذلك على المستوى العام ليصبح لدينا مجتمع منفصم الشخصية و مريض


13 - انحطاط
عبدالله زكي الشمايلة.الأردن-الكرك- ( 2012 / 2 / 22 - 18:25 )
مش مهم الخلق ... مش مهم الانسانية ... مش مهم قتل النفس البريئة .... المهم انه (صايم) يعني مسلم وربنا بحبه وبنتظر قدومه بفارغ الصبر عشان يحطه في الجنة ويصرف له نسوان (حور عين ) ويمارس الدعارة براحته ... أما بالنسبة لباقي الناس في اوروبا وغيرها .... وخاصة الذين خدموا البشرية بعلوم اساسية واكتشافات متعددة مفيدة ......... فهم جميعا مغضوب عليهم وضالين لأنهم ما (بصوموا) ... وربنا بستناهم بفارغ الصبر عشان (يشويهم) ........ تحياتي للعقلاء فقط .........


14 - تحية
لقاء سرسم ( 2012 / 7 / 24 - 12:20 )
نقلت لي عدوى الألم يا لمى...


15 - ألم
hajar ( 2012 / 7 / 24 - 19:38 )
لا تدرين مذا الألم الذي أحسست به عند قرائتي لهته القصة ! و المحزن أنها حقيقية !!!

اخر الافلام

.. الكاتب علي الموسى يروي لسؤال مباشر سيطرة الإخوان المسلمين عل


.. بيت الفنان الليبي علي غانا بطرابلس.. مركز ثقافي وفضاء إبداعي




.. العربية ويكند | جيل بايدن تقود الرئيس بايدن إلى خارج المسرح


.. سهرة لبنانية بامتياز في كازينو لبنان مع النجم سعد رمضان والف




.. العربية ويكند | ترمب يغادر المسرح وحيدا بعد مناظرة بايدن..