الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


هذا لطمهم ، وإحنا لطمنا زنجيل

عبدالجليل الكناني

2010 / 8 / 2
كتابات ساخرة


أصرت ابنتي الصغيرة ( لظى الشموس ) ، ولمّا تتجاوز الخامسة ، على الحصول على ( زنجيل ) وهو مجموعة السلاسل التي تستخدم في مواكب العزاء في محرم . ولم يكن أمامي من خيار سوى الرضوخ لطلبها ، ولا اخفي متعتي في تلبيته وأنا أراها تلاحق مواكب العزاء بنفس الإيقاع وبإجادة تامة وهي تهز الزنجيل وتخطو بقدمها اليمنى وتميل يسارا وتضرب ظهرها ، وتتوقف قليلا ثم تخطو بالقدم اليسرى وتميل يمينا وتضرب الجانب الآخر من الظهر على هدى إيقاع الطبل وحيويته . حتى إذا انتهت أيام عاشوراء وبعدها الأربعون يوما ، والتي ختمت بالمسيرة الكبرى إلى كربلاء ، وعلقنا الزنجيل أمام ناظريها على الحائط ، حق لنا أن نقوم بالتجوال من خلال نافذة التلفاز إلى عوالم مشروعة أو غير مشروعة ، وفق مفاهيم سائدة ، كتلك التي ظهرت خلالها عصبة من النساء يرقصن بإيقاع غجري على كلمات ، ذاع صيتها ، تتمحور حول البرتقالة ، ولان عقدة العيب والحرام ما زالت متأصلة ، لأيام عديدة سوداء ، سارعت بتغيير قناة البرتقالة بأخرى ، قد تكون تفاحة أو باذنجانه ، حينها صرخت بنتي الصغيرة محتجة بشدة ، وعلا صراخها ، فأعدت البرتقالة بين ناظريها وهي تمعن ، بمتعة شيطانية ، بمشهد الأجساد الممتلئة تتلوى وتتقافز والشعر الغجري يتطاير كشباك الصيد ، تمايلت لظى الشموس قليلا ونثرت ريشاتها قبل أن تتوقف متأملة المشهد الصاخب للرؤوس المهتزة طربا وللرقص الماجن والعري الجميل تحت الثياب الملونة التي تفضح اكتناز وارتعاش الأجساد الفتية المتمايلة ، لتقول بعفوية ولين - هذا لطمهم ، وإحنا لطمنا زنجيل .
ومنذ ذلك الوقت وأنا المس صدق الصورة التي رسمتها طفلتي ، والتي لم تتجاوز حينها الخامسة ، فقد أفصحت عن نظرتها الثاقبة دون قيود من منطق الكبار المزيف ، ولعلها لو امتلكت لغة أكثر تشكيلا ونضجا مع عفويتها الطفولية لقالت - هذا رقصهم وإحنا رقصنا زنجيل . إن كان اسمه ( لطم أو( ردح ) أو رقص ) كل ذلك يشير إلى حركات إيقاعية تعبر عن حالة ما ، ولعل صغيرتي التي رأت ، دون مواربة ، تلك المتعة الكامنة في هذه الأفعال جميعا ، اخترقت العرف السائد وتجاوزت قداسة المظهر إلى حقيقة الجوهر .
كما ولعل الكبار يرون قصور المعاني التي تحملها الكلمات ، فذات مرة ضحك ابني ( علي ) وهو الذي يقارب السابعة عشرة من معلق إحدى القنوات وهي تنقل استعراضات فنية لفرق جوالة في إحدى المناسبات الكرنفالية البرازيلية إذ قال عنها ، المعلق - مواكب ... . فصاح ابني ضاحكا - يقول مواكب !! ( بإشارة منه إلى مواكب العزاء الحسينية ) . تذكرت مقولة ابنتي الصغيرة فقلت ، لعلي ، مبتسما - نعم هي مواكب راقصة مثل مواكبنا . ولعل ابني استشف ، لدن رؤية ابتسامتي ، إنما أشاركه السخرية من المعلق . فهو يعرف أن المواكب ، خاصة ، هي تلك التي ترتدي السواد لا الألوان ، وتضرب الصدور والظهور وتشج الرؤوس ، لا تلك التي تغني وترقص وتنشد ، وهي التي تسير على إيقاع الطبول المدوية ، لا على إيقاع الآت العزف المختلفة الناعمة منها والصاخبة .
ولعل اقرب الرقصات إلى البرتقالة تلك التي تؤديها النساء وهن يرثين موتاهن أو يشاركن بعضهن حفلة عزاء ، أي عزاء ، حين ينثرن شعورهن ويؤدين حركات قافزة متمايلة ويرمين برؤوسهن يسارا ويمينا بإيقاع منغم بصوت مطربة الحفل ( الملاّية ) والتي يجب أن يكون صوتها شجيا ولعل من يتوسط الحفل ( التأبيني ) سيدات يجدن حركات ( الردح ) ويقابلن بعضهن فان وجدت إحداهن نفسها منفردة ، تطلب من أخرى ، تعرف مسبقا إجادتها ، أن تقابلها ومن لا تجيد الردح عليها أن لا تدخل إلى وسط الجمهرة والا ستقابل بانتقادات حادة ، مثل ، أنها لا تعرف الردح ( الرقص ) فلماذا تدخل بالنص وتصبح مضحكة للنسوان . ولولا السواد العام ، ولو أنها صارت بالألوان ، هذه الحفلة الصاخبة ، لكانت هي البرتقالة بعينها . ولكانت المواكب ، إن تلونت ، وبغير أدوات التعذيب ، هي ذات المواكب التي ضحك منها ( علي )
رغم انه ، في الواقع ، وفي جميع الحالات ، الملونة والسوداء ، يخرج المحتفلون بمتعة بالغة وقد افرغوا ما في دواخلهم من توتر ومن طاقة انفعالية كامنة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - توتر الشباب والكبت الجنسي
ضياء أياح ( 2010 / 8 / 2 - 17:15 )
تقول في آخر المقال [ يخرج المحتفلون بمتعة بالغة وقد افرغوا ما في دواخلهم من توتر ومن طاقة انفعالية كامنة] إنتهى.

عزيزي الكاتب: المتعه أيام عاشوراء ليست بريئه كما يراد أن يوحى بها. الكثير من الشباب (رجال ونساء) يذهبوا إلى المواكب بغية الحصول على الجنس وتفريغ ما في دواخلهم من كبت وشهوات.

تحياتي.

اخر الافلام

.. كواليس العمل مع -يحيى الفخراني- لأول مرة.. الفنانة جمانة مرا


.. -لقطة من فيلمه-.. مهرجان كان السينمائي يكرم المخرج أكيرا كور




.. كواليس عملها مع يحيى الفخراني.. -صباح العربية- يلتقي بالفنان


.. -بين المسرح والسياسة- عنوان الحلقة الجديدة من #عشرين_30... ل




.. الرباط تستضيف مهرجان موسيقى الجاز بمشاركة فنانين عالميين