الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الدوامة العراقية والحمل الكاذب

تقي الوزان

2010 / 8 / 2
مواضيع وابحاث سياسية


مثلما تم التعويل من بعض الأخوة على الاحتجاجات والمظاهرات التي رافقت بداية الصيف للمطالبة بزيادة ساعات الكهرباء , وبعد تلبية الطلب لأسبوع واحد فقط , رجع القطع , وازداد الحر أيضا , ولكن لم ترجع المظاهرات أو الاحتجاجات . وقبل يومين خرجت مظاهرة من الوجهاء والأعيان مع بعض المتظاهرين في مدينة الصدر , تطالب السياسيين وقادة الكتل بإنجاز تشكيل الحكومة فورا . وظهر الناطقين الرسميين لهذه الكتل - وليس غيرها – فرحين , ويستبشرون خيرا بالطاقة الجبارة لهذه المظاهرة , وان الشعب العراقي بدء يضغط على السياسيين لتشكيل الحكومة قبل اجتماع مجلس الأمن بعد يومين لمناقشة وضعية العراق التي باتت لا تعرف أين تتجه , وقياداته السياسية أشبه بالقرقوز الذي يخلق حركاته الحاوي الأمريكي و الإيراني ومن هو خارج المسرح , هذا الحاوي الذي وجد في التطلعات الشخصية لهذه القيادات الخيط الذي يحرك فيه مهزلة المسرحية .

مظاهرات الكهرباء , ومظاهرة الضغط لتشكيل الحكومة , ماهية إلا مظاهر للحمل الكاذب , ومن التبسيط أن يستمر التعويل عليها للنهوض بالقدرات الوطنية , وتشكيل الوعي السياسي الجمعي , الذي يعرف الطريق لمصلحته المشتركة. ورغم أهمية هذه الاحتجاجات , إلا أن الانسياق وراء ( كذب الحمل ) سيدفعنا لعدم ألامساك بالأسباب الحقيقية التي تقف وراء كارثة العراق الحالية . ان دفع العراقيين للتشبث بهوياتهم الفرعية – المذهبية والقومية والعشائرية – هو الذي تم التوافق ( الوطني ) عليه , من قبل قيادات القوائم الكبيرة . وبعد خمسة اشهر من المناحات الوطنية , والجميع يدعي بضرورة التوافق الوطني , وبعد ان استنفذت كل وسائل الخداع والكذب , اشهر سلاح الطائفية علنا , ومن قائمة دولة ( القانون ) قبل غيرها , وكانت آخر حججها ان رئيس الوزراء يجب ان يكون شيعيا , وهذا ليس واردا في الدستور , او في أي قانون آخر .

الذي يزيد الطين بلة , ان هذا ليس مطلب حزب " الدعوة " فقط , والذي أكل رأس العراقيين بدولة "القانون", بل جميع التنظيمات الشيعية . وتستقوي هذه الاحزاب باليقينية التي زرعتها في نفوس جماهير الشيعة بكون هذا المنصب هو " طابو " للشيعة , على نفس الطريقة الفاشية التي زرعها صدام بأن كل عراقي بعثي وان لم ينتمي , وان فقدان هذا المنصب سيحرم الشيعة من حقوقهم , وكأن الجماهير الشيعية هي ليست أكثر الجماهير العراقية محرومة من كل متطلبات الحياة الآدمية , ونتيجة الصراع الضاري بين الأطراف السياسية الشيعية ذاتها . ومثلما أخر الجعفري سير العملية السياسية في الانتخابات الأولى لثلاثة اشهر , وأزيح بقرار ولي الأمر الأمريكي , فان المالكي يعيد ذات التجربة , وقد تكون ولادة الحكومة الجديدة بعملية قيصرية .

ان علاوي وبطانته ليس أفضل من المالكي وباقي قيادات الأحزاب الشيعية , ولكن كان من المؤمل ان يتم احترام المشاركة الجماهيرية الكبيرة في الانتخابات , ويجري التوافق على الأقل سوءا من بين هذه القيادات , وتكليفه بتشكيل الحكومة . ولكن يبدو لا توجد الإمكانية لتحديد من هو الأقل سوءا , فالجميع في خانة واحدة .

المشكلة لا تكمن في ذات الأشخاص فقط , ولكن هذه القيادات هي نتيجة الدوامة التي وضع فيها العراق , وكان من الممكن أن يتم النهوض بالعملية السياسية بعد سبع سنوات من إنهاء الحكم الفاشي , لو تيسرت بعض مستلزمات الوحدة الوطنية , ولكن الذي حدث العكس تماما . فقد جرى تفتيت الدولة العراقية , وحلت المؤسسات الوطنية الجامعة , مثل الجيش , وقوات الأمن الداخلي , وجرى تشكيل البديل على أسس طائفية وقومية , وجرى تعميم استحقاق الفيدرالية الكردية على عموم العراق , في الوقت الذي لا تعرف فيه أكثر القيادات السياسية للأحزاب الإسلامية معنى الفيدرالية . وبعد إقرارها, جرى استغلالها بشكل إقطاعي مشوه , في فاصلة تاريخية تفتقد الشعور بالمصلحة الوطنية, أمام الانتماء للهويات الفرعية التي دعمت بصياغة مواد الدستور وفقا لاحتياجاتها .

والمعضلة الأكبر هو تهشيم بقايا الدورة الاقتصادية, التي استمرت بعض هياكلها عند إزاحة النظام السابق. وتحولت هذه الدورة التي هي العمود الفقري لهيكلة وتنظيم حياة أي مجتمع في العالم , إلى مرتزقة كبار من القيادات السياسية وأتباعهم , يتقاسمون واردات الدولة الريعية من النفط , عن طريق العقود والسمسرة والمقاولات والرواتب الضخمة , وشراء ذمم البسطاء من مؤيديهم عن طريق التعيين في الوظائف الحكومية , وإكراميات الشهداء, والسجناء (السياسيين) . وتركوا أغلبية الشعب في دوامة البحث عن الغذاء والأمن والكهرباء وإنجاز المعاملات ... , دون أن تتمكن هذه الجماهير من تحديد الأسباب الحقيقية لبؤسها , حيث لا توجد دورة اقتصادية يحدد على ضوئها بين استحقاقات توزيع الدخل, وبين من يسرق خيرات البلاد , وليس خيرات إنتاجهم. لان الشعب لا ينتج , وفرضت عليه البطالة الدائمة , وما يأتيه يصرف عليه كجزء بسيط من واردات النفط , على شكل بطاقة تموينية او رواتب بائسة للموظفين والمتقاعدين. وهذا يجرد هذه الجماهير من القوة الحقيقية للنهوض والمطالبة بحقوقها, بعد ان تركز في وعيهم ان ما يحصلون عليه هو هبة من هذه الحكومة أو تلك .

أرى ان البحث في استراتيجية بعيدة المدى, تعتمد بناء أسس متينة للنهوض بإمكانيات الجماهير , أجدى من التعويل للحصول على مقعد أو مقعدين رغم أهميتها في هذه المرحلة . ومن اللاجدوى أيضا التعويل على وهم إعادة الانتخابات, أو ترك الأمور لمجاريها بعد خسارة الانتخابات من قبل القوى الديمقراطية واليسارية , وتعليق الأمل للنهوض بالمشروع الوطني على مبادرة الجماهير المنهكة فقط , والتي أخذت لاتفرق من يدافع عن حقها وبين من يستغلها.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - تشخيص دقيق وليس على حس الطبل...؟
محسن الحاج مطر ( 2010 / 8 / 3 - 22:21 )
استاذي العزيز تحليلك للوضع دقيق ويعكس متابعتك للحالة في البلد. وانك لست من الذين ( على حس الطبل خفن يارجلية)؟ الحالة معقدة تتطلب تدقيق كل مجرياتها، رغم اهمية هذه التحركات البسيطة، الا ان من يقوم بهذه التحركات هم الذين صوتوا لهذه الكتل التي تتصارع على حصصها من الكعكة وليس صراعها من اجل تلبية مطالب الذين صوتوا لهم على اقل تقدير.ومن المؤسف ان بعض الكتابات قد اعتبرت تلك التحركات هي بداية لأنتفاضة عارمة!؟ اؤكد مرة اخرى على اهمية هذه التحركات ، وندعمها ، الا انه يتطلب منا تحديد القوى التي تشارك فيها وعلى ضوء ذلك نحدد طابعها ومدى تواصلها، لأن المشكلة لايوجد فرز طبقي واضح ، ولا متضادات واضحة. وهذا الأمر قد اشير له في عدة مناسبات ومقالات من ضمنها لحضرتكم.وشكرا

اخر الافلام

.. البيت الأبيض: واشنطن لم تتسلم خطة إسرائيلية شاملة تتعلق بعمل


.. اتفاق الرياض وواشنطن يواجه تعنتا إسرائيليا




.. إسرائيل وحماس تتبادلان الاتهامات بشأن تعطيل التوصل إلى اتفاق


.. خطة نتياهو لتحالف عربي يدير القطاع




.. عناصر من القسام يخوضون اشتباكات في منزل محاصر بدير الغصون في