الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أوليفر ستون يعتذر!

غسان المفلح

2010 / 8 / 4
حملات سياسية , حملات للدفاع عن حقوق الانسان والحرية لمعتقلي الرأي والضمير


التصريح الأول بعد تفكير عميق، والثاني بعد ضغط أعمق.
اعرب المخرج الاميركي اوليفر ستون عن اسفه لتصريحاته المثيرة للجدل التي نشرتها صحيفة "صنداي تايمز" اللندنية والتي رأى فيها ان الثقافة الغربية تركز على المحرقة لأن اليهود "يسيطرون على الاعلام".وقال ستون في بيان "من خلال محاولتي القاء نظرة تاريخية واسعة على الفظائع التي ارتكبها الالمان (النازيون) تجاه الكثيرين، خلطت بشكل اخرق بين الامور في ما يتعلق بالمحرقة، وانا اسف لذلك". واضاف "اليهود لا يسيطرون على الاعلام، ولا على أي صناعة اخرى. ذكرى المحرقة حية دائما بفضل العمل الدؤوب لاشخاص كثيرين حتى تبقى هذه الفظائع في الذاكرة" وجاء كلام ستون بعد موجة استنكار اعقبت تصريحاته لصحيفة "صنداي تايمز" والتي اكد فيها ان ادولف هتلر "الحق الاذى بالشعب الروسي اكثر مما فعل باليهود". ومن ابرز المنددين بهذه التصريحات، مركز سيمون فيزنتال اليهودي في لوس انجليس، الذي وصف اوليفر ستون بانه "ببغاء اخر في جوقة المعادين للسامية" ودعا هوليوود الى التنديد بتصريحاته.
أشهر أفلامه ثلاثيته عن حرب فيتنام وهي" ولد في الرابع من يوليو" و" الفصيلة" و"الجنة والأرض" وله أيضا" وول ستريت" و"دبيلو" عن حياة جورج بوش الابن كما يراها ستون..وفيلم" مركز التجارة العالمي" الذي يتناول أحداث 11سيبتمبر..وغيرها من الأفلام المثيرة للجدل.يقول طارق علي التروتسكي البريطاني من أصل باكستاني"بان اوليفر ستون قاتل في حرب فيتنام جنديا في سلاح مشاة البحرية وان هذا التاريخ حصنه ضد صفة المناهض المسالم للحروب في وقت تهرب العديد من منتقديه من الخدمة العسكرية حين كان التجنيد الزاميا في اميركا. يرفض ستون الوصفات التبسيطية التي تُقدم الآن عن السياسة الداخلية والخارجية الاميركية من كل نواحيها. وفي النسخة الأصلية من فيلم "وول ستريت" مثلا (أُخرج عام 1987) صور ستون العلاقة بين الجريمة والرأسمالية التي ادت الى انهيار اسواق المال في عام 2007، كما يرى طارق علي في ثنائه على اوليفر ستون" وطارق علي*هو من كتب سيناريو ستون الأخير عن شافيز وحلفاءه اليساريين في أمريكا اللاتينية بعنوان" خلف الحدود"
ستون الذي أخرج كل هذه الأفلام، التي وإن ابتعدت عن السياسة، ولكن لتقاربها بعمق أكثر، بغض النظر عن موافقة بعضنا على هذا العمق ونتائجه أم لا؟ لهذا أكدت بداية على أن تصريح أوليفر ستون الأول: كان تصريحا" مفكرا فيه" بشكل جيد، ولكن اعتذاره عن ذاك التصريح في اليوم التالي، يعني ان الضغوط كان من" المستحيل التفكير" بتحملها بالنسبة له.
إن اللعب بقضية" المحرقة" ممنوع، وليس لأن الموضوع ذا طابع رمزي، فقط، أبدا ربما هذه الرمزية تأتي في المرتبة الأخيرة من الأسباب، ولكن للموضوع جانب اقتصادي سياسي، فعلى أساس المحرقة تتدفق لإسرائيل ميلرات الدولارات سنويا، وعلى أساس المحرقة يتم التفاف الراي العام الغربي حول إسرائيل، وهي مصوغ مهم، لتغطية جملة من المصالح قام عليها ولايزال المشروع الإسرائيلي، ولكن ليس معنى هذا أن نتعامل مع الموضوع من خلال إنكاره، كما يفعل بعض العرب، بل أن الهتلرية كانت وباء على كل البشرية، ومعروف أيضا أن العالم دفع أكثر من خمسين مليون قتيل بينهم أكثر من عشرين مليون قتيل سوفييتي، في تلك الفترة الهتلرية.
في كل فترة تعاد فيها مناقشة قضية المحرقة، لكي تبقى في الأذهان، وإسرائيل، ليست مشروعا لبضعة ملايين من اليهود، وإن كانت تبدو كذلك، بل هي مشروع لنظام دولي، لازال في هذه النقطة لا يقبل القسمة على آخرين..
تتراجع أمريكا وتتقدم أوروبا، أو الصين او روسيا، الأمر على الأرجح لن يتغير، ما لم يتغير في أرض القوى والمصالح الذي أنتجته. وعندما نقول إسرائيل تفرض شرطا ما، لأننا نتحدث عن تراكم قوة دولية محايثة لهذا الأمر. تراكم القوة هذه جعل من"المحرقة" خطابا شغالا، ولازال خصبا من عدة أوجه، لهذا لا يمكن السماح بالتعرض له، ويجب أن يبقى كبداهة لا تخضع للسؤال، وكمسلمة، لا تخضع لغير الإيمان. لهذا نجد بين فترة وأخرى، يتعرض مثقف عالمي أو محلي أوروبي للمحرقة، فيواجه بتشنيع مؤسسات حماية المحرقة كرمز يراد استمرار أسطرته. ليس أوليفر ستون أولهم ولن يكون آخرهم.
***
المحرقة حدثت، وهذا لا غبار عليه، ولا يهم من زاوية الترميز عدد من قضوا فيها، بل المهم الرمز بحد ذاته، وخصوبته الإنتاجية" للمسألة اليهودية من ضمنها إسرائيل، محمولة على نظام دولي كضامن" على كافة الصعد والمستويات.
المحرقة ليست بعدد ضحاياها، بل بنوعيتهم، لهذا الاختلاف على العدد لم يعد الموضوع الأساس، ونفي المحرقة، هو وجه آخر لتثبيتها على هذه الشاكلة الآن، ما يلفت الانتباه في هذا الموضوع، أن الغرب عموما لا يريد إضعاف الإحساس بالذنب لدى العالم الأوروبي عموما والألماني خصوصا، وهذا ما تعمل عليه مؤسسات كبيرة وممولة بشكل جيد، علما أن الألمان" المرهفي الإحساس لا يشعرون بالذنب إزاء الضحايا الروس او الفرنسيين أو غيرهم، ولا حتى الضحايا الألمان من غير اليهود! الذين قضوا في تلك المرحلة الهتلرية السوداء من تاريخهم، ونسوا تعويضهم حتى هذه الفترة، كما أن فترة العبودية التي راحت ضحيتها أفريقيا كلها، لا تعني لهم شيئا، لزاوية الإحساس بالذنب، وإن عنت لبعضهم، فإنها تحولت إلى ماض، والمحرقة لازالت مستقبل! حتى أن شخص مثل ساركوزي، يعتبر أنه رغم فضل أوروبا على إفريقيا، في تلك الفترات، إلا أن الشعوب الأفريقية لازالت لا تمتلك المؤهلات لدخول التاريخ.
حتى أن فرانز كافكا"(3 يوليو 1883 - 3 يونيو 1924) الكاتب تشيكي المنحدر من أسرة يهودية كتب بالألمانية، يعد أحد أفضل أدباء الألمانية في فن الرواية والقصة القصيرة. تعلم كافكا الكيمياء والحقوق والادب في الجامعة الألمانية في براغ (1901) وهو الآن لم يعد كاتبا لا تشيكيا ولا ألمانيا، بل هو يهودي فقط! واختصر على هذه الشاكلة الآن، أقله خلال الأزمة الأخيرة بين ورثته والحكومة الإسرائيلية. ويهود المحرقة كذلك، هم ليسوا مواطنين ألمان أو بولنديون..الخ هم يهود.
رمي أية صفة اخرى عن ضحايا المحرقة، يجعلهم رصيدا، ما فوق إقوامي، رصيدا عالميا. لايسمح بالانتقاص من ثروته، يسمح فقط بزيادتها، وزيادة مفاعيلها المادية والرمزية، ولهذا اضطر أوليفر ستون، أن يعتذر عن تصريح أدلى به، نتاج خبرته الطويلة، في عالم الإعلام والسينما والسياسة، ورمى كل هذه الخبرة في سلة المهملات في اليوم التالي مباشرة. وأوليفر ستون ليس قامة سينمائية عادية، بل إنه من أهم قامات السينما العالمية.
وإذا كان من عمل مطلوب، فليس أنكار المحرقة الهتلرية، بل تعريف العالم بالمحرقة الفلسطينية، التي لازالت وقودا لأفران الحصار والمستوطنين وجيش النخب الإسرائيلية، وإنشاء المؤسسات التي تخدم هذا الهدف. لكن الأمر الخطير هنا، أن العرب أنفسهم- أقصد نظمهم تريد ان يتحول هذا الأمر إلى ماض فقط، لكي لا تشعر هذه النظم بالذنب، ولكي لا تورثه لمن سيرثونها في الحكم.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حيوان راكون يقتحم ملعب كرة قدم أثناء مباراة قبل أن يتم الإمس


.. قتلى ومصابون وخسائر مادية في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل و




.. عاجل | أولى شحنات المساعدات تتجه نحو شاطئ غزة عبر الرصيف الع


.. محاولة اغتيال ناشط ا?يطالي يدعم غزة




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة