الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وقفة تأملية عند -دموع فراشة- للقاص حميد ركاطة

مصطفى لغتيري

2010 / 8 / 5
الادب والفن


مع توالي الإصدارات في مجال القصة القصيرة جدا ، تتعدد ألوان طيف هذا الفن الأدبي الجميل ، و يصبح القارئ- نتيجة لذلك- أمام مدونة قصصية غنية ، تشكل سمفونية عذبة الألحان ، قد برع موسيقيوها في أدائها بشكل بارع .. كل ذلك يؤشر-بلا ريب- على أن القصة القصيرة جدا قد أصلت لنفسها مكانة محترمة في المشهد القصصي المغربي.
و من المجاميع القصصية الجديدة التي تزكي هذا الطرح "دموع الفراشة " للقاص و الناقد و المسرحي حميد ركاطة ، الصادرة حديثا عن دار التنوخي في 106 صفحة ، ضامة بين دفتيها خمسا و سبعين قصة قصيرة جدا.و إذا ما تجاوزنا التعليق على العتبات ، التي يبدو أنها تستحق لوحدها وقفة نقدية متأملة، نظرا لعمقها و غناها الدلالي و الإيحائي ، مما يدل على أن القاص خصص لها حيزا محترما من تفكيره ، حتى تخرج بالشكل الذي خرجت به ، و خاصة فيما يتعلق بالعنوان و لوحة الغلاف و غيرهما ، فإن المجموعة تثير لدى المتلقي جملة من الملاحظات التي يمكن إجمالها فيما يلي : 1- تتميز المجموعة القصصية "دموع فراشة" باحتوائها على عدد كبير من القصص القصيرة جدا ، مما يوحي أن القاص لم يأت إلى القصة القصيرة جدا بشكل عرضي أو نتيجة ضربة شمس ، بل يلاحظ أنه استغرق في استئناسه بها ردحا من الزمن ، كان كافيا لبلورة أسلوبه القصصي الخاص به و هذا ما تدل عليه النصوص ، و يتأكد ذلك إذا ما انفتحنا على خارج النص و أخذنا بعين الاعتبار أن حميد ركاطة نشر كثيرا من قصصه في الجرائد و على صفحات الشبكة العنكبوتية ، قبل إصداره لباكورة أعماله القصصية ، هذا فضلا عن متابعاته النقدية المشهودة لنصوص و مجاميع القصة القصيرة جدا لمدة طويلة و بزخم محترم.
2- تتميز قصص المجموعة بالقصر ، مما يعني أنها تحتل حيزا كتابيا لا يتعدى الصفحة الواحدة ، و هذا أمر له دلالته الخاصة ، بما يعني أنه اختيار من الكاتب يحدد تصوره لماهية القصة القصيرة جدا ، يأخذ بعين الاعتبار المعطى الكمي للنصوص ، و لا يخفى أن نقاشا مافتئ يتشكل حول ماهية القصة القصيرة جدا و تعريفها ،أثاره بالخصوص إشكال التسمية ، إذ انقسم المتتبعون بسببه إلى قسمين كبيرين ، أولهما يركز على أهمية القصر بالنسبة للقصة القصيرة جدا ، و ثانيهما يركز على الخصائص النوعية للجنس من قبيل أسلوب كتابتها و رسم شخصياتها و طبيعة أحداثها ، فيما هناك طرف ثالث يحاول التوفيق بين الرأيين السابقين.
3-تتنوع ثيمات قصص المجموعة بشكل مثير ، لكنها تكاد تشترك جميعها في الطابع الاحتجاجي و الانتقادي ، و قد اتخذت في سبيل تحقيق ذلك مضامين متعددة ذات طابع إنساني و قومي و اجتماعي و أخلاقي..، فنصوص المجموعة تحمل بين طياتها قضايا عدة ، إذ أنها تنبري مدافعة عن اقتناعات خاصة و عامة ، و تحتج ضد سلوكات تراها غير سليمة.
و إذا كانت نصوص بعينها قد وفقت في طرح وجهات نظرها عبر اعتمادها على الإيحاء و إيجاد المعادل الموضوعي لما تروم التعبير عنه ، فإن نصوصا أخرى جاء احتجاجها سافرا ، فسمح بذلك لصوت القاص ليرتفع غاضبا و منتقدا ، خاصة في بعض القصص التي يبدو أن القضية فيها تغلبت على القصة.
4- سجلت أساليب الكتابة تنوعا بارزا و محمودا ، و جاءت في معظمها مراعية لمقتضى الحال ، و قد وضفت لغة قصصية منسجمة مع الثيمات ، و هي في غالبها واضحة و سلسة ، دون أن تفرط في جماليتها ، وقد تلتجئ في بعض الأحيان إلى المجاز ، فيجعلها ذلك تتاخم -في حالات محدودة - لغة الشعر ، دون أن تتورط فيه.
و تبقى في الختام "دموع فراشة" للقاص حميد ركاطة مجموعة قصصية تستحق أكثر من وقفة نقدية ، لأنها زاخرة بتنوع ملفت في الثيمات و الأساليب ، و هي بالتالي تمنح المتتبع فرصة الاطلاع على قطعة أخرى من فسيفساء القصة القصيرة جدا في المغرب ، التي يبدو أنها تجاوزت تعثرات البداية، و طفقت ترسخ جذورها بعنفوان في تربة الأدب المغربي.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حفيد طه حسين في حوار خاص يكشف أسرار جديدة في حياة عميد الأد


.. فنان إيطالي يقف دقيقة صمت خلال حفله دعما لفلسطين




.. فيديو يُظهر اعتداء مغني الراب شون كومز -ديدي- جسدياً على صدي


.. فيلم السرب للسقا يقترب من حصد 28 مليون جنيه بعد أسبوعين عرض




.. الفنانة مشيرة إسماعيل: شكرا للشركة المتحدة على الحفاوة بعادل