الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بماذا ضحيتم ؟؟

روناك خان أحمد

2010 / 8 / 5
الادب والفن


من الحكايات المعبرة التي كانت ترويها لنا صديقتنا الواعية والجميلة " نازنين " ونحن طالبات في المرحلة الإعدادية بمدينة حلبجة ...حكاية إبنة الملك وإختطافها من قبل أمير الجن إلى جزر نائية في نهاية العالم... وعندئذ طلب الملك من المنجمين والفلكين السعي لإيجاد إبنته " الأميرة " وإعادتها بأمان وسلام الى بلادها ... وكانت جائزة الملك بأن مَن يُعيد إبنته سوف يزوجها له ... وعندما حضر المنجمون ، نظر أحدهم إلى المرآة التي كان يحملها وقال : " يا مولاي الملك إني أرى إبنتك وهي في غيبوبة تامة وفي جزيرة نائية ، تبعد مسيرة سنين من هنا " ... وبعد ذلك وقف منجم ثاني أمام الملك وقال له : " مولاي إن علي أن أطير على بساطي الى تلك الجزيرة وفي دقائق معدودة ، لأتي بها الى هنا " .
وما ان حُضرت الأميرة وهي فاقدة الوعي ومغمي عليها ، إنقلب فرح الملك والحضور الى بكاء وحزن حيث رأوا الأميرة على هذا الحال ... وعندما حار الملك والحضور في هذا الأمر ظهر من بين الجموع شخص ، حدق في الأميرة وقال : " إبتعدوا سيتم معالجتها على يدي وبعون الله تعال " ... ثم أخرج من جيبه تفاحة ومن الجيب الآخر سكينة وقطع التفاحة الى نصفين ، أكل النصف ، فتحركت شفاه الأميرة ، وعندئذ قدم النصف الثاني من التفاحة الى الأميرة ، ولم يطل الإنتظار حتى نهضت الأميرة وهي شافية ومعافية، وفرح الجميع بهذا الحدث الكبير والإنتصار المهيب.
وعندما كان الملك في قمة فرحه وقف ونظر الى الجمع وطلب أن يتقدم إليه الأشخاص الثلاثة ليفي لهم بوعده وتزويج الأميرة لأي منهم ؟ وقال : " أنتم الثلاثة شاركتم في إعادة الأميرة وشفائها ، فيا ترى لمن تكون ؟؟ ... فإتفق الجميع أن يذهبوا الى القاضي ليحكم بينهم .
كانت صديقتي نازنين تروي لنا هذه القصة وهي فخورة بأحداثها وعند السرد تضيف عليها دائماً من البلاغة والإغراء والطلاوة ... وعندما تصل الى موضوع الذهاب الى القاضي وتراهن على إختبار ذكائنا وعدلنا فتقول : " خلي كل واحدة منكن تحسب نفسها مكان القاضي فكيف تحكم والأميرة لمن تكون ؟ " .
فتقول إحدى الصديقات ، بأنها تحكم بأن تكون الأميرة من حصة صاحب المرآة ، وتعلل حكمها بأنه لولا صاحب المرآة لما عرفوا مكان الأميرة في تلك الجزيرة النائية ... ثم تقول صديقتنا الثانية : " أنا لست معك ، يجب أن يحكم القاضي لتكون الأميرة من حصة صاحب السجادة أي البساط ، لأنه هو الذي ذهب على بساطه الى تلك الجزيرة وعاد بها ولولاه لبقت الأميرة هناك الى ما شاء الله !
ثم تنظر صديقتي نازنين الي وكأنها تخمن بأن حكمي سيكون عادلاً ومشفوعاً بالحجج المقنعة والبراهين الدامغة ... وتشير إلي وتقول : " وأنت يا روناك بماذا تُقضين ؟ " ... ثم تعدل من جلستها وشاخصة نظرها إلي ... عندئذ أرفع يدي إيذاناً بالكلام وأسترسل بالقول : " إن القاضي العادل والمتزن يجب أن يحكم حكماً بأن تكون الأميرة من حصة صاحب التفاحة " ... عندئذٍ تنفرج أسارير صديقتي نازنين فرحاً وأحس من فرحتها بأن ما أقوله شيء مقنع وصحيح ، ثم أعلل حكمي بالقول : " أن صاحب المرآة بقت مرآته معه ، وكذلك صاحب البساط بقى بساطه له ، أما صاحب التفاحة فضحى بما كان يملك أي التفاحة ، وهو الوحيد الذي هَبَ شيئاً لم يسترده ، فعليه ومن الحق والعدل أن تكون الأميرة من نصيبه " ... عند ذلك كانت صديقتي تصفق لي وتقول : " هذا هو الحكم العادل " .
نعم الحب هو التضحية والإثار، الحب هو أن يهب الإنسان من عزيز ما يملكه من أجل المحبوب ، الحب هو أن تعطي أكثر مما تأخذ ... فلينظر كل واحد منا ماذا قدم من إعتبارات مادية ومعنوية من أجل المحبوب ، وعلى قدر تضحيته بهذه الإعتبارات يستحق المحبوب .
اما المتسكعون والذين لا ينطلقون في مواقفهم عن إلتزام أخلاقي وأدبي ، وليس لهم رصيد من الأصالة والوعي الإجتماعي ، وما أكثرهم في هذه الأيام حيث منهم من يحب بلده العراق دون أن يكلف نفسه بتضحية بسيطة من أجل العراق حتى ولو برجفة جفن أو رمشة عين أو وخزة ضمير ، وهم من يدعون بأنه للحبيبة عاشق مغرم وولهان ، ولكنه لا يستطيع أن يقدم أي تضحية في هذا المجال ولو بنبضة قلب او ومضة شعور وإحساس وما أكثر هؤلاء المتسكعين في الحياة وعلى أعتاب البلاد وقلوب الأحباب والعباد.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا