الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


قصة قصيره

دينا سليم حنحن

2010 / 8 / 5
الادب والفن


• السّعي وراء الحلم
• بقلم: القاصة الروائية دينا سليم

كان يوما خريفيا عندما خططتُ والفتيات الثلاث لرحلة ريفية علنا نجد هناك بعض ما نطمح اليه من خلال قارة أستراليا الضاحكة، أطلق عليها هذا الاسم لأنها دائمة الابتسام كما ابتسام لغة الحب.
نعتصم داخل سيارة مستأجرة نداهم الجبل العاصي الذي مهما ارتفعنا في منحدراته ابتعدت قمته، وكلما اجتازت السيارة منحدر الى آخر تتشابك الأيدي، تتوقف الأنفاس، ينخفض الحماس، وتتلى صلوات النجاة، وكلما أحسستُ بصعوبة الصعود في حافلة ليست ملكي أتحسب، فقد أختِرتُ للقيادة بما أني الوحيدة التي تملك إجازة لذلك.
لا أحد يستطيع أن يقرّب الخارطة الى اللا حدود، والخارطة، دليلنا، الماكثة بين أيدينا لا تشبه خارطة ما نحمل، أشياؤنا الشخصية مسلوبة القرار، والهدف أمامنا مبهم ومجهول. حبستُ أنفاسي والقلب لا يؤدي الى مكان. جحظت العيون فضاق الطريق من جديد، تورطنا بمصداقية الرحلة فأبين النظر الى عمق الوادي، لئلا يستحوذ علينا الهلع، فأفقد بدوري السيطرة.
ترتفع تمتمات الصلوات، أسمع أنفاسهن وأحس بكل ما يختلج صدورهن، أقول لهن كفى خوفا فنحن في حضن الله، ينظرن الى الأعلى وعيناي معلقتان على السبيل المتعرج أحاول الالتزام في حدوده الضيقة. تتفقدن وجود الله فيغلق الجبل الشاهق فسحة السماء، تبقى العيون معلقة على مساحة خضراء وأشجار عملاقة تحتضن نور الشمس المنبعث من خلف الغيوم، وكأني أسمعهن: ( أنتَ هناك، أو لست هناك، ، فأين أنتَ؟ يا الله أسمعنا صوتك...)
انحنينا جميعا أمام الصوت، صوت صاخب زج بنا الى بؤرة الرعب والخوف الموقوت داخلنا، تماسكنا وتمسّكتُ بكل قوتي بالمقود، علّني أستطيع الإصلاح من انحرافي الفجائي، تيبست أطرافي وهدر قلبي الخائف ولم أفق من مفاجأة الصعقة إلا عندما طارت أمامي قافلة من الدراجات النارية، لم أر سوى أحذية جلدية لأقدام نفاثة تحاول أن تطير بمحركاتها في أقسى سرعة ممكنة.

تحوّل حلم وصول القمة الى منفى، أمال تشتاق الى رجل مجهول يرافقها قلق رحلتها، فيأخذ بيدها، وربما يقوم بقيادة السيارة عوضا عني، وحليمة ترمق إحساسها بالحب الذي بدأ يغتالها بصمت، وشكوكها نحو العاشق الجديد يدعها تستأزر شجاعة القرار فتغيب مع تساؤلاتها عن مراقبة المدى الذي بدأ يضيق، و ساهرة تستدعي في سرها خطيبها تتمنى وجوده معنا كي يحمينا من مكيدة الرحلة التي خططن لها... لا أحد منا يستطيع أن يقرب الموقد باتجاه برده!

عادت الدراجات النارية براكبيها تستنطق حرّ الشارع وتوقظ حاجز الصمت مجددا. ربما كان هناك مسابقة للدراجات، قلنا، وحضورنا يغلق الطريق الوحيد أمام الرجال الهواة الذين انحنوا بثقل ضوضائهم نحونا وعيونهم المهتاجة.
عضضنا ألسنتنا وتمسكنا بقرارنا ومضينا، فما من قرار آخر سوى المضي الى الأمام ونسيان أمر هؤلاء الغاضبين.

دراجة هوائية تتربص لنا في اتجاه الصعود، وثلاثة أصوات عذبة تمزّق صورتي في المرآة:
- انتبهي، مسنّ أمامنا !
تسلّق حتى آخر التسلق ولم تنتهِ معه الطريق، ظلّ يدافع عن حقه الشرعي بأداء عمله، وواجبه الصعب في إيصال الرسائل الى ساكني القمة، مقوس الظهر، ينفق عزيمته ويقاتل، ينفث أنفاسه السريعة، عيناه كادحتان، نظراته عميقة وحادة، كان هو ساعي البريد الذي احتاج لبعض دعواتنا.
- متى سيصل القمة؟
صرخت من الأعماق، واسترسلت:
- أكيد تأخر الوقت!

مضينا وصورة ذلك السبعينيّ تسكننا، كان أكثر منا شبابية، هذا الذي ينطق من ساحة الموت الى مساحة الحياة. اغتالته الدراجات النفاذة فلم يأبه ولم ينحني، عادت الدراجات النارية بأصحابها لتغير عليه، وهو يكافحها بعزيمته، يتجاهلها ويقبض على الدواستين بقدميه، كما اغتالتنا نحن عندما دسنا بأقدامنا ساحة خضراء مكسورة الحواف، من هناك التقينا بأهل القمة، فقد وصلنا فضاء التعبد وجنّة الخلق! تجولنا وتهنا في الربوع، ثم تناولنا عشاءنا في مطعم صغير صمم من أخشاب شجر الغاب. رائحة الشواء لم تطغ ِ على رائحة الأزهار، وضحكاتنا الحقيقية بدّلت عقارب الساعة. قبل موعد الغروب قررنا العودة، فالطريق أمامنا طويل... يجب أن نعود...
كسرنا القمة وهممنا الهبوط، فهالنا وصول الساعي السبعينيّ الى حيث المكان الذي قضينا فيه بضع ساعات بين التجوال والاسترخاء، الدلال والاكتشاف. لقد تخطى عقوبة الزمن، حتى لو أنه وصل متأخرا! هذا الرجل الشجاع روّضنا على لغة جميلة، لو أنه لم ينبس ببنت شفة، على لغة الحياة وتسلق أجمل سلّم فيها، هو سلّم القلب وحب البقاء.

حاصره الرجال ذو الخوذيات بدرّجاتهم النارية، حاموا حوله فأعاقوا تحركه، كان المنظر أشبه بأن يكون صراعا مريرا على صورتين حياتيتين متناقضتين، نفثوا الدخان وأشعلوا النيران، امتلأت الساحة بالغبار، بدوا كالمسعورين فاقدي الطريدة عندما هبط الرجل عن دراجته الهوائية وتخطى دائرتهم يخرج منها متحديا شامخا.
أخذنا موقف الرقيب من بعيد، نراقب الحدث، نغلق على أنفسنا أبواب السيارة، نتأهب المغادرة، لكن المحرك سكت عن الدوران فجأة، أبيت ترك حلبة الصراع خلفي والهروب، كنا كمن علق في براثم أناس غير عاديين يتخاصمون مع كل آلة أو مركبة قديمة بطيئة لا تعجبهم ... كنت عجوزة الرؤية!
هبط الرجال عن مركباتهم بأقدامهم الطويلة بهدوء وتأدب، سكت الضجيج، رفعوا خوذياتهم احتراما، انحنوا له مبتسمين، أعادوا الخوذيات الى رؤوسهم الكبيرة، صفقوا وصفروا بحرارة، صفقوا بقوة الزّند، كانت قلوبهم جميلة، وكأن صناعة القلب لا تشبه صناعة الوجه! يقودون نظراتهم حيث ذهبت خطوات المسن الواثقة...
[email protected]








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. أمسيات شعرية - الشاعرة سنية مدوري- مع السيد التوي والشاذلي ف


.. يسعدنى إقامة حفلاتى فى مصر.. كاظم الساهر يتحدث عن العاصمة ال




.. كاظم الساهر: العاصمة الإدارية الجديدة مبهرة ويسعدنى إقامة حف


.. صعوبات واجهت الفنان أيمن عبد السلام في تجسيد أدواره




.. الفنان أيمن عبد السلام يتحدث لصباح العربية عن فن الدوبلاج