الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


خيار الدولة الواحدة والهروب إلى الأمام

محمد بهلول

2010 / 8 / 6
القضية الفلسطينية


يعتبر حل الدولة الواحدة؛ سواء كانت ديمقراطية أم ثنائية القومية، حلاً نهائياً في الحالة الأولى وحلاً ممهداً وربما الأكثر عدالة "في زمننا الراهن" في الحالة الثانية للصراع العربي/ الفلسطيني ـ الإسرائيلي.
قد يكون هذا الخيار أكبر من الطموح وأعلى سقفاً من الأماني لإيجاد تسوية نهائية أو مؤقتة للصراع تمهد الطريق إلى إزالة جوهر وأسباب هذا الصراع التاريخي ـ القومي والوصول به إلى ختامه النهائي، أي الدولة الديمقراطية المعادية للصهيونية، والذي يتقرر فيها بشكل نهائي وحاسم حق تقرير المصير للشعب الفلسطيني وكذلك الأمر للشعب اليهودي، الذي سيجد بهذه الدولة حق تقرير المصير ونهاية لعذاباته التاريخية والإثنية والدينية.
منذ الاجتياح الإسرائيلي للبنان عام 1982، بدأت العديد من النخب الفلسطينية بطرح خيار الدولة الواحدة كمخرج من الأزمة التي وصل إليها النضال الوطني الفلسطيني، وخروج المقاومة المسلحة "فعلياً" من دائرة الفعل المباشر إلى خفايا المفاوضات السرية وشبه العلنية، والتي أصبحت لاحقاً خياراً سياسياً أساسياً للقيادة المتحكمة بمقدرات منظمة التحرير آنذاك، والتي لم تُعِرْ الانتباه إلى أوراق القوة والضغط الفلسطينيتين ـ سيما في الخارج ـ والتي كان بالإمكان استثمارها. النظرة إلى خفوت دور الثورة والشعب الفلسطيني ـ تحديداً في الخارج ـ وانتقال المبادرة من المقاومة الفلسطينية إلى المقاومة اللبنانية ـ على الرغم من الدور الحاسم للفلسطينيين فيها ـ شكلت الأساس الموضوعي لخيار المفاوضات والتسوية، ناهيك عن تأثير الجغرافية السياسية.
الدعوة إذاً لخيار الدولة الواحدة، آنذاك على الأقل، جاءت كردة فعل لواقع فلسطيني أكثر مما كانت خياراً موضوعياً، ناتجاً عن حسابات دقيقة لما هو قائم فلسطينياً وإقليمياً ودولياً.
خيار الدولة الواحدة عاد بقوة وضوضاء أكبر بعد الإعلان عن التوصل إلى اتفاق أوسلو، وجاء هذه المرة بشكل رئيسي من نخب فلسطينية من داخل إسرائيل، حيث أن هذه النخب رأت باتفاق أوسلو والتناغم غير المباشر للقيادة الفلسطينية الرسمية مع أفكار مثل الاعتراف بيهودية الدولة وقطع الطريق أو "المقايضة" على خيار عودة اللاجئين، انتقاصاً للمصالح المباشرة والملموسة لهذا التجمع من الجغرافيات المتعددة للشعب الفلسطيني، فمصالح هذا التجمع ـ كما هو معلوم ـ تتلخص بالمساواة القومية والفردية للمواطنين العرب مع إقرانهم اليهود، وهذه النخب الفلسطينية تخوفت من أن يؤدي اتفاق أوسلو إلى عكس ذلك.
الخلاصة؛ أن طرح خيار الدولة الواحدة، كان دائماً خياراً عاطفياً أو لنقل مثالياً، أكثر مما كان خيار موضوعياً وعلمياًـ بمعنى أو بآخر هو خيار الهروب إلى الأمام بديلاً عن خيار مواجهة الواقع وتحدياته.
إلا أن اللافت في الموضوع هذه الأيام ما نقلته صحيفة "الحياة" اللندنية (24 تموز/ يوليو الماضي) حول اللقاء الأخير بين الرئيس محمود عباس والمبعوث الأمريكي لعملية السلام جورج ميتشيل (17 تموز/ يوليو) في رام الله، حيث استمع الأخير كما نقلت الصحيفة لمدة ربع ساعة إلى شخصية غير معروفة في السياسة الفلسطينية، هو أحد قادة مجموعة "تكامل" التي تدعو إلى إقامة دولة واحدة على أرض فلسطين التاريخية بعد ما تعتبره "سقوط خيار الدولتين".
المثير أن هذه الخطوة بما هي إشارة دبلوماسية واضحة تتخذ شكلاً رسمياً وعبر لقاء رسمي جاءت بعد إشارات عديدة للرئيس عباس نفسه في محافل دولية مختلفة، فحسب مصادر مطلعة إن الرئيس أشار إلى هذا الخيار في لقائه الأخير مع الرئيس أوباما وإن أسقطه على شخصيات ونخب فلسطينية، كما أشار إلى هذا الموضوع في خطابه أمام قادة اللوبي اليهودي في تلك الزيارة.
من حيث الشكل؛ إن إطلاق مواقف تتخطى السياسة الرسمية الفلسطينية في لقاء رسمي عدا عن كونه لا يعتبر عملاً مفيداً، فإنه يتعدى على القواسم الفلسطينية المشتركة ويتجاوز المشروع الوطني الفلسطيني، أما من حيث المضمون؛ فإن كل هذه الإشارات إنما تشير إلى يأس الرئيس من المفاوضات القائمة سواء بشكلها الغير مباشر القائم حالياً أو المباشر الموعود، وإلى تقدير لدى الرئيس بأن على إسرائيل أن تتجاوب مع خيار الدولتين باعتباره الخيار الأقل كلفة للإسرائيليين من الخيارات البديلة الأخرى.
مرة أخرى يعود خيار الدولة الواحدة إلى مربع الفعل وردّة الفعل عن واقع موجود أكثر مما هو خيار واقعي، إنه الهروب إلى الأمام مرة أخرى، ولكن هذه المرة على لسان هرم السلطة.
إن خيار الدولة الواحدة اليوم، وبمعزل عن النيّات الفلسطينية الحسنة، إنما يعني بحسب الظروف الموضوعية القائمة إدامة الاحتلال والاستعداد للتعايش معه، إنما بإضفاء العامل القانوني والتأييد الفلسطيني، فاليهود المتحكمون بالمقدرات السياسية والاقتصادية والإعلامية للدولة الواحدة العتيدة، وباعتناقهم للإيديولوجية الصهيونية وباستنادهم إلى دعم دولي سيصبح غير مسبوق في ظل الموافقة الفلسطينية على هذا الخيار، سيتعاملون مع الفلسطينيين باعتبارهم يد عاملة رخيصة ومدخلاً للتطبيع مع أكثر من 57 دولة عربية وإسلامية ستشكل سوقاً واسعاً بحكم رخص اليد العاملة وقلة المسافات للبضائع الإسرائيلية.
إن الفلسطينيين وبمعزل عن عدالة قضيتهم وتأثيرهم الديمغرافي سواء نالوا الجنسية أم لا، فلن يكونوا إلا قومية مُضطهدة ومُستغلة قومياً واقتصادياً، ستجعل من الدولة الواحدة دولة أبارتهيد ولكن عصرية، إنه أبارتهيد العولمة حيث تتحول الخيارات المواطنية والحقوق الديمقراطية إلى مجرد سلع يمكن تصنيعها والتحكم فيها وبنتائجها. الدولة الواحدة لا تعنى اليوم سوى حكم ذاتي إداري بعيداً عن الخيارات السياسية والاقتصادية الاستقلالية، وبعيداً عن الحقوق الديمقراطية الجماعية، فقط حقوق ديمقراطية فردية "لا تُغني ولا تُسمن من جوع" ... إنه الهروب إلى الأمام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مصر تنفي التراجع عن دعم دعوى جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام مح


.. هيئة البث الإسرائيلية: نقل 300 طن من المساعدات إلى قطاع غزة




.. حزب الله اللبناني.. أسلحة جديدة على خط التصعيد | #الظهيرة


.. هيئة بحرية بريطانية: إصابة ناقلة نفط بصاروخ قبالة سواحل اليم




.. حزب الله يعلن استهداف تجمع لجنود إسرائيليين في محيط ثكنة برا