الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من النظام النووي القديم إلى نظام عالمي جديد مناهض للنووي

عصام مخول

2010 / 8 / 6
الارهاب, الحرب والسلام


في الذكرى السنوية الـ65 لإلقاء القنبلة النووية الأمريكية على مدينة هيروشيما اليابانية:
من النظام النووي القديم إلى نظام عالمي جديد مناهض للنووي
من يعلن معارضته للمشروع النووي الإيراني ليس بمقدوره أن يغض الطرف عن الترسانة النووية الإسرائيلية دون أن يفقد مصداقيته
وصلت البشرية اليوم إلى نقطة انعطاف تاريخية في التعامل مع المسألة النووية.فالنظام النووي القديم الذي نشأ مع ارتكاب الولايات المتحدة الأمريكية جريمتها النووية الأولى في التاريخ بحق مدينتي هيروشيما وناغازاكي اليابانيتين في السادس والتاسع من آب 1945 قد وصل بشكل موضوعي إلى الباب الموصود وأخذ يقترب من نهايته مثقلا بتناقضاته الداخلية. وبات على البشرية أن تختار أحد خيارين: فإما أن ينضم المزيد من الدول التي ترغب في الحصول على السلاح النووي وتملك القدرة على ذلك إلى نادي الدول النووية، وإما أن تختار البشرية العيش في عالم خال من السلاح النووي.



* النظام النووي القديم لا يمكن أن يدوم أكثر
ان النظام النووي الذي نشأ على خرائب مدينتي هيروشيما وناغازاكي في نهاية الحرب العالمية الثانية، واستمر إبان حقبة الحرب الباردة التي تلتها ليس باستطاعته أن يدوم أكثر. ففي بداية القرن الحادي والعشرين إما أن تواجه البشرية مخاطر نظام نووي جديد تنتشر في إطاره الاسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل بشكل واسع وبلا حدود، وإما أن تتوصل البشرية الى نظام جديد مناهض للتسلح النووي، لايملك في إطاره أي طرف أسلحة نووية من دون استثناء.
إن ما يستثير النقاش المكثف في عالمنا اليوم حول المسألة النووية ليس مرتبطا في حقيقته بمخاطر تواجهها، وتهدد بالتصدي لها، دول نووية كهذه أو تلك. وإنما مرتبط برغبة جامحة ومريضة لدى بعض هذه الدول للحفاظ على النظام النووي القديم الذي يمنحها عشوائيا إحتكارا على الاسلحة النووية على المستويين العالمي والاقليمي. إن هذه الحالة العشوائية تبدو مقلقة وأكثر استفزازا وأشد ابتزازا عندما يدور الحديث عن دولة نووية مثل إسرائيل، ترفض التوقيع على المعاهدة الدولية لمنع انتشار الاسلحة النووية وفتح منشاّتها النووية أمام وكالة الطاقة الدولية، ولكنها تهدد بشن حروب كارثية على دول تطمح الى تحقيق قدرات نووية. إن من يعلن معارضته للمشروع النووي الايراني ويعمل على وقفه، ليس بمقدوره أن يغض الطرف عن الترسانة النووية الاسرائيلية الهائلة من دون أن يكون متهما وبحق بالتلون والمعيير الاخلاقية المزدوجة، ومن دون أن يفقد مصداقيته هو.



* هيروشيما وإيران والخطر الوجودي
الجريمة النووية التي ارتكبتها الولايات المتحدة الامريكية في هيروشيما وناغازاكي لم تكن عملا دفاعيا نابعا عن مواجهة خطر يهدد وجودها. ولم تكن إجراء عسكريا لحسم الحرب الجارية في حينه، بل جريمة بحق البشرية لحسم النظام العالمي ومستقبل ما بعد الحرب العالمية الثانية. لم يكن إلقاء القنبلتين النوويتين حاجة عسكرية تهدف الى حسم الحرب مع اليابان ( ففي هذه المرحلة كانت الحرب العالمية الثانية قد بدأت تحسم في صالح الحلفاء اعتمادا على الانتصارات التي حققها الجيش الاحمر السوفييتي في دحر الوحش النازي )، ولكن ارتكاب الجريمة النووية الامريكية كان يهدف الى "الانتصار مسبقا" على الاتحاد السوفييتي والاعلان عن عصر ما بعد الحرب العالمية الثانية عصرا أمريكيا بامتياز، تمتلك في إطاره الولايات المتحدة احتكار السلاح النووي الفتاك لتفرض هيمنتها وتشرع ابتزازها.
وفي إطار المنطق نفسه فإن حملة التخويف والرعب التي تثيرها المؤسسة الاسرائيلية حول المشروع النووي الايراني اليوم لا تهدف الى إزالة تهديد وجودي حقيقي تمثله ايران على إسرائيل، وإنما تهدف الى إعداد الرأي العام لحرب عدوانية تشنها اسرائيل على إيران تهدف الى مواصلة احتكار اسرائيل للسلاح النووي في الشرق الاوسط وخدمة الاستراتيجية الامريكية في المنطقة.
إن حقيقة ما يجري بشكل واضح في القضية النووية في عالمنا اليوم، يتمثل في أن المزيد والمزيد من القوى الصاعدة في العالم أخذت تضيق ذرعا بالنظام النووي القائم، وأخذت تتحدى "الحق" الذي اغتصبته لنفسها حفنة من الدول في احتكار امتلاك الاسلحة النووية، وأن هذه القوى الصاعدة، وبضمنها إيران تعلن رفضها الخضوع لواقع هذا النظام، وهذا هو "ذنبها" الذي يجب معاقبتها عليه.
إن محور التوتر العالمي في المسألة النووية نابع عن الصراع بين دول نووية تصر على مواصلة احتكارها السلاح النووي من جهة، ودول تتحدى هذا الاحتكار من الجهة الاخرى. إن مثل هذا الاصرار على احتكار السلاح النووي في منطقة الشرق الاوسط من قبل اسرائيل يشكل تهديدا للامن العالمي ومستقبل المنطقة وشعوبها.



* مرحلة جديدة من النضال
الحراك العالمي على المستويين الرسمي والشعبي، ومراكمة المبادرات لمناقشة نزع الاسلحة النووية على المستويين العالمي والاقليمي، الشعبي والرسمي، والابحاث الجادة التي جرت هذا العام في مجلس الامن والجمعية العمومية للامم المتحدة، والقرارات التي صدرت عنها، خلقت ظروفا مواتية لتصعيد المعركة السلامية الشعبية والدولية من أجل نزع التسلح النووي، وبناء جبهة عالمية واسعة تخوض النضال من أجل الانتقال من النظام النووي القديم، إلى نظام عالمي جديد خال من السلاح النووي. وباتت هذه المعركة تحتل مكانة غير مسبوقة على جدول اعمال البشرية اليوم، ولم يعد بالامكان تحييدها. وليس من قبيل الصدف أن يطلق الرئيس الامريكي باراك أوباما مبادرته من أجل عالم خال من السلاح النووي كإحدى خطواته الاولى بعد استلامه السلطة. ولا من قبيل الصدف توقيع الاتفاقات بين الولايات المتحدة وروسيا لخفض رؤوسها النووية وتقليص تراساناتها. ولا الدعوات غير المسبوقة التي وجهتها الجمعية العمومية لاسرائيل لفتح منشآتها النووية للمراقبة الدولية والانضمام الى معاهدة منع انتشار الاسلحة النووية. إن هذا التطور المتراكم يخلق ظروفا مواتية من أجل تصعيد النضال الموحد والمشترك في منطقة الشرق الاوسط من أجل سلام عادل في شرق أوسط خال تماما من السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل، انطلاقا من القناعة بأن أمن دول المنطقة وشعوبها لا يتحقق من خلال سباق تسلح نووي، بل من خلال نزع شامل له.
إلا أن قيام الرئيس الامريكي أوباما بإطلاق ندائه "من أجل عالم خال من الاسلحة النووية" من جهة، وموافقة إدارته على استمرار سياسة التعتيم النووي التي تنتهجها اسرائيل بالاتفاق مع الولايات المتحدة الامريكية والتي تتيح لاسرائيل مواصلة نشاطها النووي المحموم وتوسيعه، من جهة أخرى، ثم الادعاء في اعقاب لقائه مؤخرا مع رئيس الحكومة الاسرائيلية نتنياهو بأن "اسرائيل تشكل حالة استثنائية يجب الامتناع عن المس بقدراتها النووية"، تشكل مسا بمصداقية مبادرة أوباما وأخلاقية سياسته. إن الانتقال الى نظام عالمي جديد خال من الاسلحة النووية، وفي صلبه الانتقال الى " منطقة منزوعة من الاسلحة النووية في الشرق الاوسط "، لا يحتمل مواصلة الكيل بمكيالين وازدواجية المعايير. "فالخطر النووي الايراني" الذي تواصل الولايات المتحدة الامريكية واسرائيل التركيز عليه والتلهي به، هو نتيجة مباشرة للسياسة النووية التي تقودها اسرائيل في الشرق الاوسط وليس مبرر هذه السياسة، وهو رد الفعل على المفاعل النووي الاسرائيلي في ديمونا وليس تفسيرا له.
إن التحدي الحقيقي المطروح أمام جميع الاطراف المعنية في المنطقة وفي العالم، بما فيها مبادرة الرئيس أوباما، يتمثل في قدرتها على الارتقاء الى مستوى مشروع بديل يقود الى الانتقال الى شرق أوسط خال من الاسلحة النووية وأسلحة الدمار الشامل، واستغلال النقاش المثار حول المشروع النووي الايراني من أجل فتح الملف النووي في الشرق الاوسط كله. وبدلا من التهديد والوعيد بتدمير المشروع النووي الايراني بفرض العقوبات وبالتهديد بحرب مدمرة، فإن المصلحة الحقيقية لشعوب المنطقة بما فيها الشعبين الاسرائيلي والايراني هي في ضمان أمنها ليس من خلال ترسانات نووية وانما من خلال نزعها والتخلص منها، وإجبار إسرائيل على الانضمام الى المعاهدة الدولية لمنع انتشار الاسلحة النووية، مقدمة للتأسيس لمنطقة خالية من السلاح النووي وأسلحة الدمار الشامل في الشرق الاوسط بمقدورها أن تشكل بوابة نحو عالم أكثر أمنا من دون اسلحة نووية.
إن المؤسسة الاسرائيلية مدعومة من الولايات المتحدة الامريكية تتلهى بالفكرة العبثية، وكأن القنبلة النووية الاسرائيلية هي ضمانة للسلام، وهي موجودة بأيد أمينة وفي خدمة الديمقراطية. إن هذه الادعاءات الممجوجة تهدف الى خداع الرأي العام الاسرائيلي والعالمي،.فالقضاء على جميع أسلحة الدمار الشامل، وتخليص شعوب المنطقة من أخطارها يجب أن تكون عنصرا أساسيا في أي حل سياسي وحجر الزاوية للديمقراطية والقيم الانسانية.
إن الادعاء الذي يدافع عنه أفنير كوهين الخبير في السياسة النووية الاسرائيلية وصاحب كتاب "إسرائيل والقنبلة"، بأن اسرائيل لا تستطيع ان تناقش مشروع :" شرق أوسط خال من الاسلحة النووية "، قبل تحقيق السلام الشامل بين جميع الاطراف في المنطقة، (وهو ما يقول أفنير أنه لن يتحقق)، هو موقف متهرب ومغالط ومضلل، لا يأخذ في الحسبان بأن الترسانة النووية الاسرائيلية الهائلة تشكل عائقا أساسيا أمام تحقيق سلام عادل وشامل في المنطقة، وليس عاملا مساعدا على تحقيقه.


* عضو المكتب السياسي للحزب الشيوعي الإسرائيلي (نشر هذا المقال في الموقع الالكتروني لمركز هيروشيما للسلام Hiroshima Peace Media Center وفي الجريدة اليابانيةChugoku Shimbun وكذلك في مجلة Palestine and Israel , Vol. 16 2010)








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. حيوان راكون يقتحم ملعب كرة قدم أثناء مباراة قبل أن يتم الإمس


.. قتلى ومصابون وخسائر مادية في يوم حافل بالتصعيد بين إسرائيل و




.. عاجل | أولى شحنات المساعدات تتجه نحو شاطئ غزة عبر الرصيف الع


.. محاولة اغتيال ناشط ا?يطالي يدعم غزة




.. مراسل الجزيرة يرصد آخر التطورات الميدانية في قطاع غزة