الحوار المتمدن
- موبايل
الموقع
الرئيسي
المرايا و المتاهات لبورخيس
عبدالقادر حميدة
2004 / 8 / 25الادب والفن
( المرايا و المتاهات ) لخورخي لويس بورخيس :
هذا الأدب يبررني ..
هي ( المرايا و المتاهات ) لخورخي لويس بورخيس ، الصادرة ضمن سلسلة ( نصوص أدبية ) عن دار توبقال للنشر بالمغرب عام 1987 في طبعتها الأولى ، ترجم قصصها إبراهيم الخطيب ، و صمم غلافها عبد الله الحريري ..
في البداية و في الصفحة المقابلة لصفحة العنوان الداخلية إشارة إلى مصادر النصوص المترجمة نعرف من خلالها أن ه>ه النصوص هي من مظان مختلفة و قد قمشت هنا .. و عددها 13 نصا و ملحقان ، الأول ( بورخيس و أنا ) و الثاني ( نبذة بيوغرافية ) .. و قد استهلت المجموعة بمقدمة كتبها المترجم ، حاول من خلالها وضعنا في عالم بورخيس .. " الذي خلق آثارا لا نظير لها " .. " .. و ربما كانت أكثر خصائص كتاباته إدهاشا هو رد فعلها المتطرف على كل فوضى الواقع المباشر و عرضيته ، و إلحاحها الجذري على تمزيق الصلة بالعالم المعطى ، و اقتراح عالم بديل .." حيث أن بورخيس حسب المترجم صاغ نظاما خاصا عن طريق ما سماه ييتس ب ( آثار العقل التي لا تشيخ ) ..
و في قصته الأولى ( ملكان و متاهتان ) .. يروي حكاية طريفة و ذات معان عميقة عن ملك من جزر بابيلونيا بنا متاهة محيرة و أدخل فيها ملك العرب الذي نزل عليه ضيفا ، و احتار ملك العرب يوما كاملا تائها ، و عند حلول المساء استمد العون من الله و عثر على مخرج ، لكنه أسرها في نفسه و لم يبد شيئا من غيظه بل قضى ليلته عند الملك و كأن شيئا لم يكن ، و حينما عاد لبلاده جهز جيشا و غزا تلك الجزيرة ، و أسر ملكها و عاد به مهانا ، و لما أشرف على الصحراء قال له الآن سترى متاهتي التي لا سلالم فيها و لا جدران .. و أرسله في الصحراء ، أين مات جوعا و عطشا .. و لم يعثر عن مخرج من متاهة الملك العربي ..
و هكذا ، و على ذات المنوال و بنفس اللغة و بتفاوت في الغموض و الإيحاء ، تتوالى قصص بورخيس المختارة في مجموعة ( المرايا و المتاهات ) .. فنقرأ ( حكاية الحالمين ) بلغة القدماء ، لغة تفضح التأثر الجلي بألف ليلة و ليلة و بالتراث العربي ، و المفردة العربية و بجو المقامات و الحكي السلفي فنجده يبتدئها ب ( يروي المؤرخ العربي الإسحاقي هذه الواقعة ..) و ينهيها بعبارة ( من كتاب ألف ليلة و ليلة .. الليلة 351 ) ..و بالعودة إلى ذات الليلة في الكتاب الأصل نجدها تشترك مع قصة بورخيس في أن كلتيهما تتحدثان عن كنز ، و لكل أحداثها و تفاصيلها ، مع تشابه في اللغة و الأجواء ..و في قصته ( كتاب الرمل ) يسمي بورخيس الحكاية خرافة فيقول على لسان بطل قصته ( لقد غدا من الشائع اليوم التأكيد على أن كل خرافة خارقة هي خرافة حقيقية ، و مع ذلك فخرافتي حقيقية ) ص 16 .. و تتماهى الحكمة مع الأسطورة في أوج دورة القص ( لقد قال لي بأن كتابه يسمى كتاب الرمل نظرا لأن الكتاب و الرمل ، كلاهما لا مبتدأ لهما و لا نهاية ) ص 18 ..و تحضر الليالي الألف مرة أخرى ( كنت أنوي وضع كتاب الرمال في الثغرة التي تركها كتاب ويكليف المقدس بيد أنني قررت في النهاية إخفاءه وراء أسفار " ألف ليلة و ليلة " غير المتجانسة .. ) ص 19
و في القصة الرابعة ( بحث ابن رشد ) ، يوقف بورخيس بوصلة مخياله الإبداعي عند لحظة انهماك ابن رشد في كتابة الفصل الحادي عشر من كتابه ( تهافت التهافت ) ردا على الغزالي في ( تهافت الفلاسفة ) .. و تتجلى العبقرية هنا في استحظار اللحظات الإبداعية السالفة و إعادة بثها بروح أخرى .. ربما هي الأولى ، وربما تزيد و تنقص عن الأولى لكنها صور تظل تأسر القارئ كلما مر من هنا ..و في ختام الحكاية يقول بورخيس ( شعرت أن الأثر يسخر مني ، و أن ابن رشد ، حينما أراد أن يتخيل ما هي المسرحية دون أن يرتاب فيما هو المسرح ، لم يكن أكثر عبثا مني و أنا الذي أريد تخيل ابن رشد دون أن تكون لدي مادة عنه عدا ذلك النزر اليسير الموجود لدى " رينان " و " لين " و " آسين بلاثيوس " .. ) و يختم ( .. في اللحظة التي أتوقف فيها عن الإيمان به ، يختفي " ابن رشد " .. ) ، و تستمر هذه النصوص المختارة على نفس النسق من الروعة و الغرائبية أيضا ، عوالم يتداخل فيها الموروث و المتخيل و السارد و موضوع الحكاية ، لتخلق عالما جديدا .. أصدق ما يقال عنه أنه عالم بورخيس و كفى .. و هكذا نقرأ القصص الأخرى ( الخرائب الدائرية ) ، ( الآخر ) وفيها يلتقي بورخيس الشيخ مع بورخيس الشاب ، في لقاء بين حلم اليقظة و حلم المنام ، بين القلق المتنامي حول جوهر الأشياء و حالة نقلها كما هي ، دون عمليات قيصرية أو جراحة أخرى .. صراع يستمر فينا ..و لا تنهيه إلا قصة ناضجة .. نستريح بعدها مطمئنين هانئين ، إلى أن تعاودنا دورة القلق من جديد ..ثم نقرأ ( موضوعة الخائن و البطل ) ، و ( بيير مينار مؤلف " الكيخوطي " ) ، و ( مكتبة بابل ) و كذا قصة مهداة إلى فيكتوريا أوكامبو ( حديقة السبل المتشعبة ) و أخرى مهداة إلى أنخليكا أوكامبو ( الصباغ المقنع ، حكيم مرو ) .. و نقرا أيضا قصتين أخريين هما ( الانتظار ) و ( الظاهر ) .. بيد أن مجموعة النصوص المختارة هذه لا تنتهي هنا بل نعثر في ختامها على ملحقين – سبقت الإشارة إليهما – و هما ( بورخيس و أنا ) و ( نبذة بيوغرافية ) .. ففي الملحق الأول يتحدث بورخيس عن آخر يسميه " .. إنه للآخر ن لبورخيس " ثم يقول " ..فأنا أحيا و أترك نفسي تحيا كي يستطيع بورخيس حبك أدبه .. و هذا الأدب يبررني .. " في الأخير و بروعة أخاذة يختم " .. لست أعلم أي الاثنين يكتب هذه الصفحة .. " أما الملحق الثاني و الأخير يكتب بورخيس عن نفسه – خشية ارتكاب مفارقة تاريخية – متخيلا أن سيرته هذه ستنشر في صحيفة متخيلة العام 2074 م .. و قد كتب بورخيس هذه البيوغرافيا سنة 1974 م ..
أن نصوص ( المرايا و المتاهات ) شيقة و جذابة ، و تحمل أجواء و بهارات متباينة ، تغري على البحث ، و تشد القارئ إليها شدا .. و من لم يصدقني فليجرب ..
|
التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي
.. مهرجان مراكش السينمائي الدولي يستضيف الممثل والمخرج شون بن ف
.. تزاحم شديد حول عامر خان بمهرجان البحر الأحمر ونجم بوليوود يع
.. نسخة جديدة من بطولة ون للفنون القتالية تقام بصالة لوسيل للأل
.. بيشتغل دوبلاج تركي.. أحمد أسامة فنان متعدد ??
.. ما بين الصيدلة والتمثيل.. رحلة مريم كرم صيدلانية وممثلة