الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الاستبداد والديمقراطيه

محمد نضال دروزه

2010 / 8 / 7
العمل المشترك بين القوى اليسارية والعلمانية والديمقرطية


"محمد نضال" دروزه
كتب الشيخ عبد الرحمن الكواكبي، في مطلع القرن العشرين كتاب " طبائع الاستبداد ومصارع الاستعباد." بدأ فصل الاستبداد والمال بهذا النص: " لو كان الاستبداد رجلا وأراد أن يحتسب وينتسب لقال: أنا الشر وأبي الظلم وأمي الإساءة، وأخي الغدر وأختي المسكنة، وعمي الضرر وخالي الذل وابني الفقر وابنتي البطالة، ووطني الخراب وعشيرتي الجهالة." وينهي الفصل بقوله: إن الاستبداد اشد وطأة من الوباء، وأكثر هولا من الحريق، وأعظم تخريبا من السيل، وأذل للنفوس من السؤال".
لم يتهم الكواكبي الامبريالية في كتابه، ولا ألقى باللوم على الأصابع الأجنبية وأذناب الاستعمار، بل قرر منذ الصفحة الأولى في كتابه هذا أن علة تخلفنا فينا، فقال محددا هدفه في مقدمة كتابه : " إنما أردت بذلك تنبيه الغافلين لمورد الداء الدفين فينا، عسى أن يعرف الشرقيون أنهم هم المتسببون بما هم فيه، فلا يعتبون على الأغيار ولا على الأقدار".
وقد لاحظ الكواكبي أن الاستبداد يتجدد في المجتمع من الجهل والاتكاليه والشعور بالضعف والدونية، فيضطر الناس للكذب والاحتيال والخداع وتبني قيم النفاق الهدامة، وان أفعال الاستبداد تحول الميل الطبيعي للمجتمع والأمة من طلب الإصلاح والترقي إلى طلب الفساد والتسفل، ووصل الكواكبي في ثورته ضد ذلك الداء الوبيل إلى الاعتقاد بان التوالد في أزمنة الاستبداد نوع من أعمال الحمقى لأنه يحول الأولاد إلى أوتار تربط الأهل ومستقبلهم إلى عجلة الاتكاليه والذل والهوان.
وقد دافع الكواكبي ذلك المفكر الإسلامي الكبير عن الحريات السياسية، وأحلام الناس في الحرية والتقدم والرقي، ودافع عن بشر ولدوا أحرارا ليعيشوا ويموتوا أحرارا كراما، لا كما يعيشوا في مجتمع الاستبداد أذلاء بين قطعان المجتمع الطائفي العشائري الجاهل المستبد، فقيم الحريات التي دعا إليها الكواكبي هي حرية الاعتقاد وحرية التعبير وحرية الاختيار الفردي العقلاني المسئول ونبذ التسلط والتعصب والاستبداد واحترام الرأي والرأي الآخر و تفعيل الحوار الوطني العلمي البناء وتداول السلطة دوريا بالانتخابات السلمية الديمقراطية. وهذه القيم هي أسس المواطنة الديمقراطية في المجتمع. وبمقدار انتشارها في المجتمع يحدث التحرر السياسي والاجتماعي والتنمية البشرية والاقتصادية والتقدم والتحديث.
فما مدى انتشار هذه القيم في المجتمع الفلسطيني، في الضفة الغربية وقطاع غزة الواقعين تحت بطش الاحتلال الإسرائيلي البغيض منذ عام 1967م. فعندما أجرت السلطة الوطنية الفلسطينية الانتخابات التشريعية الأولى عام 1996م، كانت آمال المجتمع في التحرر من الاحتلال والعمل على التنمية ومكافحة البطالة والفقر والاستبداد، معلقة بشكل كبير على حركة فتح، التنظيم الرئيسي والأكبر في منظمة التحرير الفلسطينية، فتوجهوا بذهنية وعقلية القطيع إلى صناديق الاقتراع وانتخبوا غالبية أفراد المجلس التشريعي من تنظيم فتح. متأملين بذلك أن يرووا ظمأ آمالهم في التحرر من بركة فتح، لكن مع مرور الوقت أحبطت آمالهم، حيث ازدادت قسوة الاحتلال بالاجتياحات العسكرية وقتل أبناء الشعب، وإجراءات العزل والحصار مع انتشار الفساد في بركة فتح. وعندما أجرت السلطة الانتخابات التشريعية الثانية عام 2006م، توجه الناخبون بذهنية وعقلية القطيع مرة أخرى وانتخبوا غالبية أعضاء المجلس التشريعي من التنظيم الديني السياسي حماس، ظنا منهم أن آمالهم الظمأى إلى التحرر ومحاربة الفقر والاستبداد والفساد، سوف ترتوي من بركة حماس لقناعتهم بأنهم أهل دين وأخلاق يحاربون آيات النفاق في المجتمع، لكن الناخبين فوجئوا بجفاف بركة حماس وفسادها السياسي، وبانحراف أصحابها عن المصالح الوطنية للشعب الفلسطيني، ومحاربتهم لقيم التمدن الديمقراطي. وقمع أفراد المجتمع بالاستبداد الديني السياسي الثقافي. وازدادت قسوة الاحتلال، العزل، الحصار، القتل و الاعتقالات. واشتدت عقلية الاستبداد والتخويف والتطويع في المجتمع. وهي عقلية القطيع السائدة المقيدة بقيود الاحتلال المذل وقيود الحاجة والضرورة والجهل والشائعات. وضعفت الحريات السياسية والمدنية. وظهور ضمور الوعي الوطني الفردي والجمعي مما افقده فعاليته وهذه الظواهر أدت إلى نتائج الفئوية في صندوق الاقتراع. فغابت التعددية السياسية عن المجلس التشريعي في الفترتين، فالديمقراطية ليست صندوق اقتراع فقط، وإنما هي قيم مدنية وطنية في المجتمع وقوانين من المجلس التشريعي تحمي الحقوق وتدافع عن الحريات السياسية والاجتماعية، ثم صناديق اقتراع لتداول السلطة.
لكن القيم الديمقراطية: حرية الاعتقاد وحرية التعبير وحرية الاختيار العقلاني الفردي والجمعي المسئول، لا تنتشر كقيم في المجتمع بدون الثقافة العلمانية الديمقراطية، أي فصل الدين عن الدولة، ولا تنتشر هذه الثقافة في المجتمع بدون الثقافة العلمية والتفكير العلمي الذي يقرأ الواقع قراءة عقلية علمية نقدية، تعمل على تطويره وتقدمه.
وهذه الثقافة لن يكون لها وجودا فاعلا في المجتمع إلا إذا حملها وعمل على تحقيقها تيارا قويا من الطليعة المؤمنة بالثقافة العلمانية الديمقراطية. ( أي يفصل الدين عن الدولة). إن مطلب فصل الدين عن الدولة يعني فسح المجال أو تحقيق الشرط اللازم لعقلنة المجتمع أي لإقامة نظام اجتماعي يسير على أفضل طريق من المعرفة والحرية توصل إلى غاياته. فعقلانية التاريخ البشري تعني الاتجاه نحو الإشباع الأمثل للحاجات الإنسانية. وتحقيق هذه الحاجات يخضع لمنطق التاريخ المتداول في المجتمع، فحسب المنطق الذي سار عليه المجتمع تلك المسافات الزمنية الطويلة في صنع تاريخه، إما أن تتحقق غاياته في النمو والتطور وإشباع الحاجات على الوجه الأفضل أو يكون مآلها الحرمان، الكبت و الفشل. لان منطقه في صناعة تاريخه هو منطق الاستبداد والاتكالية. فيكون هذا المجتمع قد بذل جهودا ضائعة وأصبح لزاما عليه أن يعوض عن ذلك الزمن المهدور، بنبذ منطق الاستبداد والاتكالية ووضع المنطق العقلاني ومناهجه العلمية لإعادة صناعة تاريخه وبناء مجتمعه، لينجح في تحقيق غاياته وإشباع حاجاته ورغباته على الوجه الأمثل.
إن فصل الدين عن الدولة لا يعني مطلقا حذف الدين من وجدان الناس، بل يعني حرية التدين العقلاني الإنساني وحرية التعبير. و إن الدولة هي الإطار الدستوري والقانوني الجامع لكل المواطنين المنتمين لأرض الوطن ومجتمعه، والذين وضعوا الدستور والقوانين، بغض النظر عن إيمانهم الديني ومعتقداتهم، فالدين لله والوطن للجميع، وطن مدني ديمقراطي.
كان يجب علينا نحن العرب أن نحقق فصل الدين عن الدولة منذ قرنين. ولا بد من تحقيقه حتى نخرج مجتمعاتنا من مستنقع الاتكالية والاستبداد والتخلف ونعيد بناءها على منطق العلم والمعرفة والحرية. وانقضاء الوقت لا يحلنا من واجب القيام به ولو بعد عشرات السنين.
فلنبدأ بنشر ثقافة فصل الدين عن الدولة في مجتمعنا الفلسطيني، وليبدأ اليسار الفلسطيني على ارض الواقع المجتمعي بمنابره ومؤسساته وأجهزته الإعلامية بنشر هذه الثقافة.
فالخطاب الثقافي الذي لا يعمل على التوعية العلمانية الديمقراطية في المجتمع، خطاب لا يعول عليه في التنمية لأنه يعيد إنتاج الاستبداد والتخلف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - كل الشكر للمناضل الصادق دروزة
جريس الهامس المحامي ( 2010 / 8 / 8 - 11:03 )
لقد وصعت إصبعك على الداء ووصفت الدواء ... لقد سبقتنا الشعوب المتحضرة قرونا من الزمن بتحررها من الإستبداد السياسي والديني ولم تتقدم المجتمعات الغربيةو خطوة واحدة إلى الأمام في جميع الميادين إلا بعد فصل الدين عن الدولة وتحقيق النظام الجمهوري الديمقراطي المبني على مبدأ فصل السلطات واستقلال القضاء وحمايةو الحريات العامة والإحتكام لصناديق الإقتراع لاختيار السلطة السياسية .. مع أطيب التحيات ..

اخر الافلام

.. احتمالات فوز اليمين المتطرف تقلق سكان أحياء المهاجرين المهمش


.. استطلاعات الرأي ترجّح فوز اليمين المتطرف في الانتخابات التشر




.. الفرنسيون يصوّتون في انتخابات تشريعية تاريخية وسط توقعات بفو


.. زعيم التجمع الوطني بارديلا يدلي بصوته: هل يتحقق حلم اليمين ا




.. 3 تيارات تتنافس على الفوز بالانتخابات الفرنسية.. واليسار يتم