الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تسويق جمال مبارك .. ب -الكردى-!

سعد هجرس

2010 / 8 / 9
مواضيع وابحاث سياسية


فى معتقل طره السياسى، أوائل سبعينات القرن الماضى، وتحت وطأة سنوات طويلة من الاعتقال لا أحد يعرف كم ستطول أكثر من ذلك، بدأ اليأس يدب فى نفوس البعض. ومع تزايد اليأس والاحباط أخذ رصيد هؤلاء من الصمود فى التآكل بالتوازى مع استفحال احساسهم وشعورهم بأن أجمل سنوات العمر تبددت هباء ودون فائدة.
وكانت أدبيات السجن تطلق عليهم إسم "المستنكرين" أى الذين أنكروا واستنكروا تاريخهم – كتابة فى الأغلب الأعم – كعربون لفتح صفحة جديدة مع الحكومة وفتح أبواب الزنزانة المغلقة بالضبة والمفتاح لأيام وأسابيع وشهور تستعصى على الحصر.
على هذه الخلفية تقفز إلى الذهن نماذج عديدة للبؤس الإنسانى وانكسار الروح، منهم إمام وخطيب مسجد السيد البدوى كان اسمه الشيخ عارف إن لم تخنى الذاكرة.
لم يكن الشيخ عارف يحتل مركزا قيادياً فى جماعة الأخوان المسلمين، لكنه كان أحد "الصقور" بلاشك. حتى أنه كتب قصيدة فى هجاء الرئيس الراحل جمال عبدالناصر (أثناء وجوده فى الحكم طبعا) ولم يكن يتورع عن إلقائها مراراً وتكراراً على الملأ بمناسبة وبدون مناسبة.
وكان مطلع هذه القصيدة يقول:
جمع الرذائل كلها ذو "فقهش"
نذل البلاد معرة الأوطان
فاذا ما سألته عن معنى كلمة "فقهش" قال بسرعة أن الفاء هى فاء الفجور والقاف للقهر والهاء للهلس والشين شر مستطير والعياذ بالله.
ودارت عجلة الزمان إلى أن تكفلت سنوات السجن - فى نفق لا توجد بارقة ضوء فى نهايته - تكفلت بتقليم مخالبه وخلع أنيابه رويداً رويداً إلى أن أصبح جسداً بلا روح ووصل إلى محطة "الاستنكار".
وإمعاناً فى إثبات "تحوله" بمقدار مائة وثمانين درجة أصبحت جلسته المفضلة – جهاراً نهاراً- مع المعتقلين اليساريين الذين كان حتى الأمس القريب يرفض أن يرد عليهم السلام أو تحية الصباح. لكنه الآن يريد أن يراه السجانون جالساً فى وضح النهار مع الشيوعيين والعياذ بالله.. فهل هناك دليل اكثر من ذلك على أنه قام بتطليق الأخوان المسلمين بالثلاثة؟!
لكن يبدو أن الرجل تذكر قصيدة الهجاء المقذعة التى كتبها فى الأيام الخوالى ضد جمال عبدالناصر، فسارع من تلقاء نفسه إلى كتابة قصيدة بديلة يكيل فيها المديح لشخص ذات الرئيس، على نفس وزن القصيدة الأولى، يقول فى مطلعها:
جمع الفضائل كلها ذو فقهش
أسد البلاد معزة الأوطان!
وقبل أن تسأله عن موقع "فقهش" من الاعراب يقول لك موضحا أن الفاء للفخر والقاف للقوة والهاء للهمة والشين شرف عظيم.
ونلاحظ طبعا كيف أن "الرذائل" تحولت إلى "الفضائل" وكيف أن "نذل البلاد" انقلب إلى "أسد البلاد" وكيف أن راء "المعرة" حملت فوق رأسها نقطة فتحولت المعرة إلى "معزة"!!
***
هذا النموذج الصارخ للنفاق السياسى – بصرف النظر عن مبرراته وملابساته التراجيدية – لم يعد مجرد حالات فردية، وإنما أصبح "ظاهرة" تتسع دوائرها وحلقاتها بصورة مرعبة وكأن "أرض الكنانة" قد تحولت إلى "أرض النفاق".
***
انظر مثلاً إلى نموذج آخر من الضفة الأخرى للنهر، حين نشر الانبا كيرلس أسقف نجح حمادى فى جريدة "وطنى" يوم الأحد 4 سبتمبر 2005، إعلانا يقول فيه بالنص ما يلى:
"مطرانية الأقباط الأرثوذكس وتوابعها – الأنبا كيرلس أسقف نجح حمادى وعضو الحزب الوطنى وجميع الآباء الكهنة و35 الف من الشعب المسيحى يقفون صفاً واحداً خلف الرئيس محمد حسنى مبارك وينتخبونه رئيساً لمصرنا الغاية تحقيقاً لنص الإنجيل: مبارك شعبى مصر".
وغنى عن البيان أن من حق نيافة الأسقف أن ينتخب من يشاء رئيساً لجمهورية مصر العربية، فهذا حق دستورى لا جدال فيه. لكن الخطير فى إعلان نيافته هو هذا الخلط غير المقبول بين السياسة والدين، والموقف الطائفى الذى يجبر 35 ألف مواطن مصرى على الوقوف "صفا واحدا" خلف مرشح بعينه حتى لو كان الرئيس حسنى مبارك، والأخطر هو هذا التأويل المبتكر لنص الإنجيل "مبارك شعبى مصر" لتكون هذه الآية أمراً إلهياً بانتخاب الرئيس مبارك رغم أن عمر الآية الكريمة يمتد إلى ما يقرب من ألفى عام قبل ميلاد الرئيس.
الأمر الذى يضع نيافة الأسقف جنبا إلى جنب مع الشيخ عارف – مع كل الاحترام لشخصيهما ومكانتهما الدينية الرفيعة – فى "مولد" ملئ بالضجيج والضوضاء لا نجد له – للأسف – إسما غير "مولد النفاق السياسى".
***
والنفاق السياسى لا يحمل شهادة منشأ مصرية، ولا يمثل ظاهرة مصرية فقط بكل تأكيد، وإنما هو موجود فى كل تجمع بشرى وفى كل الأزمان.
لكن المشكلة أنه فى مصر الآن يكاد أن يكون القاعدة وليس الاستثناء. وهذا التفشى لتلك الظاهرة السلبية الخطيرة ليس إبن "لعنة الفراعنة" أو مكوناً من مكونات الجينات المصرية، وإنما هو عرض لمرض رئيسى دفين هو الاستبداد، كما أنه أثر جانبى لأمراض اجتماعية واقتصادية وسياسية مزمنة فى مقدمتها الفقر "الدكر"، والمحسوبية، و"الكوسة"، والفساد الذى أصبح يشكل أكبر "مؤسسة" بطول البلاد وعرضها.
***
ونتيجة لهذه التشوهات السياسية والاقتصادية والاجتماعية البنيوية أصبحنا ننام ونصحو على صور لا حصر لها من النفاق المقزز للقيادات على كافة المستويات من أصغرها إلى أكبرها وأرفعها شأناً.
والمشكلة هى أنه قد أصبح هناك "طلب" متزايد على النفاق. فصغار كبار وكبار صغار وكبار كبار المسئولين يرحبون بالنفاق بل ويطلبوه، ثم يستخدموه كما لو كان شهادة صلاحية أو شهادة تقدير من الناس لتثبيتهم على كراسى الحكم أو وضعهم على السلالم الكهربائية المتحركة للترقى والصعود الصاروخى فى منظومة التراتبية الهرمية للسلطة "الفرعونية". فى حين أن المسألة من أولها إلى آخرها كذبة كبيرة ومسح جوخ وتساند وظيفى بين "عرض" و"طلب" مغشوشان وفاسدان ووهميان ومصطنعان.
وهذه ليست مجرد سقطات أخلاقية وإنما هى أعشاب قاتلة تسمم الحياة السياسية والاقتصادية والاجتماعية، وتبعد الكفاءات الحقيقية فى كافة هذه المجالات حيث تنجح العملة الرديئة فى طرد العملة الجيدة دائماً وأبداً.
والنفاق بهذا النحو "صناعة" و "تجارة" و "بيزنس"، أبوه الاستبداد وأمه مؤسسة الفساد.
***
وفى ظل هذه المعادلة الكئيبة: "موافقون – منافقون" - وهى معادلة تفهمها الأغلبية الساحقة المسحوقة من المصريين وأصبح من المستحيل خداعهم أو الضحك على عقولهم بصددها- فإن السؤال الذى يطرح نفسه هو:
هل يصدق جمال مبارك أن الحملة التى يقودها "كردى" – ولا أعلم إذا كان هذا إسما أم صفة – لترشيحه رئيساً لمصر خلفا لوالده،هى حملة شعبية فعلاً ، أم أنها حملة نفاق سياسى مكثف.. لكنه يفتقر إلى ذكاء السيناريو وجودة الإخراج؟!
***
إن حملة المباخر جاهزون دائماً وأبداً ومستعدون للانتقال بين المعسكرات والأكل على كل الموائد، اليوم يأكلون عند ذى "فقهش" ويقولون عنه أنه جمع "الفضائل" كلها وغداً يهجرونه ويقسمون على المصحف والإنجيل أنه يحتكر جميع "الرذائل" .
ومبارك شعبى مصر!








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - البؤساء
على سالم ( 2010 / 8 / 9 - 16:09 )
هذا الغير مبارك واسرته ماهم الا لعنه دكر على هذا الشعب المنحوس,اى فرد لايستطيع ان يديم النظر الى وجه هذا الغير مبارك ,ان وجهه منفر وكريه وعليه غضب عظيم ولعنات تدل على ما بداخل هذا الطاغيه من امراض وحقد ومراره,هذا الافاق يعيش فى عالم اخر وسط زمره الاندال والسفله وحمله المباخر,الا عليك اللعنه ايها الخنزير النتن

اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض ضغوط عضو مجلس الحرب بيني غانتس لتقديم خطة واضحة


.. ولي العهد السعودي يستقبل مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سو




.. جامعة أمريكية تفرض رسائل اعتذار على الطلاب الحراك المؤيد لفل


.. سعيد زياد: الخلافات الداخلية في إسرائيل تعمقها ضربات المقاوم




.. مخيم تضامني مع غزة في حرم جامعة بون الألمانية