الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ملتقي الجونة (1)

سعد هجرس

2010 / 8 / 10
مواضيع وابحاث سياسية


»الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد«.. عنوان كبير لقضايا متعددة ومتشابكة كان مسكوتا عنها لفترة طويلة، لكنها طفت إلي السطح وتركزت عليها الأضواء في الآونة الأخيرة وأصبحت مادة خصبة لحديث غالبية المصريين، وتراوح هذا الحديث بين الدراسات الأكاديمية الرصينة وبين النميمة والقيل والقال استنادا إلي معلومات موثقة حينا ودون دليل أو أصل أو فصل حينا آخر.
كما تراوح الحديث عن هذه الثلاثية بين الجدية والاهتمام الحقيقي بقضايا تتعلق بحال ومستقبل الوطن والأمة وبين الاتجار بهذه القضايا وتحويلها لدي البعض إلي »بيزنس« و»سبوبة« حسب المصطلح الشائع حاليا!
والمدهش أن الحديث عن »الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد« لم يعد مقتصرا علي جماعات من المجتمع المدني أو الأحزاب السياسية المعارضة وإنما امتد إلي الحكومة أيضا، حيث أنشأت إدارات ولجانًا ترفع لافتات مكافحة الفساد وتتغني بالشفافية والنزاهة. وهو حال يعيد إلي الأذهان واقعة رجل الدين الشهير العز عبدالسلام الذي كان يقوم بالتدريس لمجموعة كبيرة من تلاميذه، وتركهم بضع دقائق وعندما عاد اكتشف سرقة المصحف الخاص به، وعندما سألهم أنكروا جميعا.. بل ذرفوا الدموع لمجرد سؤالهم عن المصحف المسروق.
فقال مقولته الشهيرة: »كلكم تبكون.. فمن سرق المصحف«؟!
وهو ما يمكن أن نعيد صياغته اليوم بصورة أخري حيث الجميع يدينون الفساد ويلعنون أيامه وسنينه ويطلقون أفزع الشتائم ضد الفاسدين والمفسدين.. فمن إذن يرتكب كل هذه المفاسد؟
وطالما أن الجميع ـ حكومة وأهالي ـ يتبرأون من هذه السبة النكراء فهل تقوم بها كائنات فضائية هبطت علينا من كوكب آخر؟!
المدهش أيضا.. أن زيادة الحديث عن »الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد« تتزامن مع زيادة معدلات الفساد، في حين أن المنطق يقول إن محاربة الفساد تؤدي إلي تناقص حوادث هذا الفساد الملعون لكن العكس هو الذي يحدث، حيث العلاقة بين »الخطاب« وبين »الواقع« علاقة طردية وليست علاقة عكسية. وهذا معناه أن معظم هذا الحديث عن محاربة الفساد ـ وبخاصة عندما يأتي هذا الحديث علي لسان جهات حكومية ورسمية مسئولة ـ مجرد كلام فارغ و»طق حنك« وليس أكثر من أجل امتصاص سخط الرأي العام المحلي من ناحية والتجاوب الشكلي مع الاتفاقات والمعاهدات الدولية ذات الصلة ـ ومن بينها اتفاقية الأمم المتحدة لمكافحة الفساد التي وقعتها مصر وصدقت عليها ـ من ناحية أخري.
بينما الواقع يؤكد لنا كل يوم أن الفساد ـ في بر مصر ـ لم يعد مجرد انحرافات أخلاقية لعدد يزيد أو يقل من الأفراد، وإنما أصبح ظاهرة مجتمعية مخيفة بل إن الفساد قد أصبح أكبر »مؤسسة« في هذا البلد، وأن هذا الفساد المؤسسي أصبحت تأثيراته السامة تلحق الضرر الجسيم بكل المجالات: سياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية علي حد سواء.
علي هذه الخلفية شهدت قرية »الجونة« بالغردقة ملتقي »الشفافية والنزاهة ومكافحة الفساد« الذي شارك في تنظيمه كل من جريدة »المصري اليوم« ومركز المشروعات الدولية الخاصة، في الفترة من الجمعة 23 يوليو إلي الاثنين 26 يوليو الجاري.
فهل كان هذا الملتقي مجرد تكرار للعشرات والمئات من الندوات وملفات النقاش السابقة؟!
أعتقد أنه لم يكن كذلك..
والجديد في هذا الملتقي أكثر من شيء واحد.
أولا: لم يكن الملتقي مجرد »مكلمة« وإنما كان حلقة نقاش بالغة الجدية لعدد من الوثائق المهمة.
الوثيقة الأولي دراسة مسحية لبيئة أعمال المشروعات الصغيرة والمتوسطة في مصر وعلاقة المشروعات الصغيرة والمتوسطة ـ بالإدارات الحكومية ـ وهي دراسة شملت 800 من المشروعات الصغيرة والمتوسطة للتعرف علي تجربتها مع الفساد أثناء أدائها لأعمالها.. وقام بإجراء الدراسة مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية بمشاركة كل من مركز المشروعات الدولية الخاصة وشركائه واتحاد جمعيات التنمية الاقتصادية والجمعية المصرية لشباب الأعمال، ومنتدي ريادية الأعمال.
الوثيقة الثانية عن مدركات المواطنين المصريين حول الشفافية والفساد وهي تعكس نتائج مسح لمجموعة مكونة من 1800 مواطن مصري كعينة ممثلة للمجتمع المصري لقياس مدركاتهم حول الفساد.
الوثيقة الثالثة عن الشفافية في المشتريات والمشروعات الحكومية لضمان المنافسة المتكافئة للأعمال الصغيرة والمتوسطة.
الوثيقة الرابعة عن اللامركزية ومحاصرة الفساد في المحليات وتأثيره علي المشروعات الصغيرة والمتوسطة.
الوثيقة الخامسة عن الإصلاح الإداري وتحسين مناخ الاستثمار في مواجهة البيروقراطية.
الوثيقة السادسة عن محاربة الفساد عن طريق العمل الجماعي، وهي بمثابة دليل إرشادي لمجتمع الأعمال.
ثانيا: هذه الأوراق ذاتها جري اختيار موضوعاتها بعناية في إطار رؤية محددة لبرنامج عملي لمكافحة الفساد.. ثم جرت مناقشتها قبل ملتقي الجونة وتنقيحها ومراجعتها من جانب المجلس الاستشاري لبرنامج »مكافحة الفساد وتعزيز الشفافية« وهو برنامج شامل يضم إلي جانب الدراسات المسحية برامج تدريب، وتقديم معونة فنية لزيادة الوعي بالفساد وأثره المدمر علي الاقتصاد والمجتمع المصري.
علما بأن هذا المجلس الاستشاري للبرنامج ـ الذي أتشرف بعضويته ـ يضم نخبة متميزة من الخبراء والمفكرين والنشطاء.
ثالثا ـ المجموعة التي شاركت في مناقشة هذه الوثائق المهمة داخل ملتقي الجونة كانت بدورها مجموعة بالغة الثراء، لأنها ببساطة كانت بالغة التنوع فهي قد ضمت شخصيات تنتمي إلي اليمين جنبا إلي جنب مع شخصيات تنتمي إلي اليسار، شخصيات علمانية إلي جوار شخصيات غير علمانية، مسلمين ومسيحيين، رجالاً ونساءً، شخصيات من أجيال مختلفة«.. وكان الحوار بين هذه الكوكبة المتميزة حوارا خلاقا بالتبعية.
فما الذي أسفر عنه هذاا لحوار؟
للحديث بقية








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. خبراء عسكريون أميركيون: ضغوط واشنطن ضد هجوم إسرائيلي واسع بر


.. غزة رمز العزة.. وقفات ليلية تضامنا مع غزة في فاس بالمغرب




.. مسيرة إسرائيلية تستهدف سيارة مدنية شمال غرب مدينة رفح جنوب ق


.. مدير مكتب الجزيرة في فلسطين يرصد تطورات المعارك في قطاع غزة




.. بايدن يصف ترمب بـ -الخاسر-