الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


لماذا أنقذ اوباما نتنياهو من العزلة؟

يعقوب بن افرات

2010 / 8 / 12
القضية الفلسطينية


منذ لقاء "الصلحة" بين نتنياهو وأوباما تُمارَس حملة ضغوط قوية لإجبار السلطة الفلسطينية على الدخول في المفاوضات المباشرة. يُوجَّه الضغط هذه المرّة ضدّ أبو مازن الذي يتردّد في الدخول لمفاوضات منظور لها الفشل.

انعقد قبل شهر لقاء بين الرئيس أوباما ونتنياهو، خرجت منه بشرى التقدّم في عملية السلام. بعد سنة ونصف من الجمود، أُعلن عن بدء المفاوضات المباشرة بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية. في اللقاءات السابقة التي جرت بين الزعيمين الأمريكي والإسرائيلي، أبدى أوباما عدم رضاه عن رئيس الحكومة الإسرائيلي الذي ارتكب كلّ الأخطاء الممكنة ليحرج الإدارة الأمريكية أمام العالم العربي، خاصّةً من خلال البناء في شرقي القدس والمستوطنات. أثمر الضغط الأمريكي في نهاية الأمر عن تجميد مؤقّت للبناء في المستوطنات، لإتاحة الفرصة للشروع في المفاوضات غير المباشرة مع السلطة الفلسطينية. ولكنّ الوقت انقضى، وانقضت معه مدة سريان مفعول القرار الإسرائيلي (تجميد المفاوضات)، دون أن تثمر المباحثات بوساطة جورج ميتشيل عن أيّة نتيجة.

منذ لقاء "الصلحة" بين نتنياهو وأوباما تُمارَس حملة ضغوط قوية لإجبار السلطة الفلسطينية على الدخول في المفاوضات المباشرة. يُوجَّه الضغط هذه المرّة ضدّ أبو مازن الذي يتردّد في الدخول لمفاوضات منظور لها الفشل.

غريبة هي تصرّفات أوباما: فقد أدّى الضغط الذي مارسه على إسرائيل إلى عزلها دوليا، الأمر الذي تفاقم بعد أحداث الأسطول التركي. الرأي العامّ العالمي طالب اسرائيل بحزم بإزالة الحصار المفروض على غزّة وتشكيل لجنة تحقيق دولية؛ تركيا أعادت سفيرها، ونادت أصوات داخل إسرائيل، تحديدا من حزب العمل، بتغيير سياسة الحكومة وتركيبتها أيضًا. وها نحن نرى أوباما ينقذ نتنياهو من أزمته.

ما الذي يفسر التناقضات في موقف أوباما؟ فهو منذ سنة ونصف اتخذ موقفا من نتنياهو، وسعى لتغيير تركيبة ائتلافه الحكومي، ولكن عندما حانت الفرصة لتحقيق ذلك توقّف عن الضغط ومنح نتنياهو فرصة أخرى. من الصعب فكّ هذا اللغز. ربّما أدّت أحداث الأسطول التركي والتقارب بين تركيا وإيران، إلى عودة أمريكا للتقرّب من إسرائيل لرأب الصدع ومنع استخدام الخلاف بين البلدين لصالح المعسكر الإيراني. وقد يكون للانتخابات القريبة للكونغرس الأمريكي أثره على مواقف أوباما، الذي يتخوّف من خسارة حزبه للصوت اليهودي وفقدان الأغلبية في الكونغرس. ومن الممكن أيضا أن يكون نتنياهو قد أعطى أوباما وعودًا مُرضِية أدّت إلى تغيير موقف الإدارة الأمريكية.

يمكن التخمين أنّ الطرفين، كما هي الحال في أيّ نزاع، قد توصّلا إلى حلّ وسط، حسبه أدرك أوباما أنّ الضغط وحده لن يؤدّي إلى تغيير مواقف إسرائيل، وأدرك نتنياهو من جهة أخرى أنّ رفضه المطلق للتوصّل إلى اتّفاقية دائمة مع الفلسطينيين سيؤدّي إلى عزل حكومته وبالتالي سقوطها.

يعاني أبو مازن من الضغط الذي تُمارسه حماس عليه. اذ تدّعي حماس أنّ المفاوضات مع إسرائيل لم ولن تثمر عن أيّ نتيجة، وأن إسرائيل تستغلّ هذه المفاوضات لتحسين صورتها أمام الرأي العامّ العالمي من جهة ومواصلة البناء في المستوطنات من جهة أخرى. كما تقوم حماس بالتشهير بأبو مازن وتنعته بالعمالة والتعاون مع الاحتلال.

هذا هو السبب الذي دعا أبو مازن إلى نقل القرار بشأن الدخول في مفاوضات مع حكومة نتنياهو إلى الجامعة العربية. فمنذ اللقاء بين أوباما ونتنياهو، تقوم الولايات المتّحدة بحملة ضغوط واسعة النطاق على الدول العربية لمنح أبو مازن الضوء الأخضر للشروع في المفاوضات المباشرة. ووفقًا لمصادر عربية، مكث ممثّل الرئيس أوباما في نفس الفندق الذي دارت فيه مباحثات الجامعة العربية، وعندما وصل أبو مازن إلى المؤتمر وجد قرارًا حاضرًا يتفق مع الموقف الأمريكي. هذه المرّة أيضًا لم يعترض السفير السوري، الأمر الذي يشير إلى إجماع عربي على عدم إغضاب أوباما.

حسب المنطق الأمريكي، سيكون على أبو مازن أن يضع نتنياهو أمام الامتحان الصعب، على أمل أن تؤدي المفاوضات المباشرة الى النتيجة التي لم تحققها المفاوضات غير المباشرة والتجميد المؤقّت للبناء في المستوطنات، وذلك لأن نتنياهو سيضطر للالتزام بخطوات عينية في المفاوضات المباشرة. عندها، حسب التوقّعات الأمريكية، ستخرج الأحزاب اليمينية ضد العملية، ممّا سيؤدّي إلى سقوط الحكومة اليمينية.

أوباما عمليا يتوجه إلى العالم العربي ويقول: جرّبوني وسوف ترون بأنّني جدّي في نيّتي للتوصّل إلى اتّفاقية حتّى نهاية فترة حكمي. لكنّ المنطق الفلسطيني الذي يستند إلى تجربة الماضي يقول إنّه لا يمكن الثقة بنتنياهو الذي يرفض حتّى الآن الاستجابة لأدنى المطالب الفلسطينية. والأنكى من ذلك، أن نتنياهو يريد البدء بمفاوضات جديدة دون التزام بما توصلت اليه المفاوضات السابقة، ودون الالتزام بإطار زمني وبحدود 1967 كأساس للمفاوضات، وبالطبع دون أيّ التزام في مسألة المستوطنات.

بالإضافة إلى ذلك، الوزراء المركزيون في الليكود من بيني بيغين وموشيه يعلون وحتّى سيلڤان شلوم يعلنون أنّه لا توجد أيّة إمكانية للتوصّل إلى اتّفاقية دائمة مع أبو مازن. ويعتمد هؤلاء في موقفهم على تجارب الماضي، التي تنازل فيها ثلاثة رؤساء حكومات، براك وشارون وأولمرت، عن "كلّ شيء" (حسب ادعائهم) ولم يتوصّلوا بالمقابل لأيّة اتّفاقية. ويرى هؤلاء أن العرب يرفضون تقبل قيام إسرائيل كدولة يهودية، وهذه الفجوة الأيديولوجية تحول دون التوصّل لاتّفاقية تنهي الصراع.

من الواضح أنّ أبو مازن يرفض الدخول في مغامرة سياسية عديمة الجدوى دون أن يتلقّى ضمانات واضحة من الطرف الأمريكي. وبما أنّ أوباما يرفض التعبير عن موقف واضح تجاه المسائل التي تقف في لبّ الخلاف: الحدود والقدس وحقّ العودة، يبقى أبو مازن وحيدًا في موقفه الرافض للمفاوضات، والذي اتّخذه بتشجيع من أوباما وأشقّائه العرب الذين يطالبونه اليوم بالتنازل عنه دون أن يوفّروا له الوسيلة لذلك.

حاييم رمون، الذي يشغل منصب مدير عامّ حزب كديما، نصح المسؤول عن طاقم المفاوضات الفلسطيني، صائب عريقات، بعدم قبول الموقف الأمريكي، ومواصلة رفض الدخول في المفاوضات المباشرة. مع أن الصحف الإسرائيلية أكثرت في نشر تفاصيل الموضوع، إلا انها لم تتطرق إلا قليلا للدلالة السياسية لهذا الإجراء. حاييم رمون لا يكترث بمصير الفلسطينيين وقد أثبت ذلك أكثر من مرّة. جدار الفصل الذي روّج له ودفع إلى إقامته هو خير دليل على ذلك. ما يهمّ حاييم رمون هو مصلحة حزبه وهو يخشى من تهميش كديما في حالة موافقة أبو مازن على الدخول في المفاوضات المباشرة. فعندها ستضطرّ تسيپي لڤني لاتّخاذ قرار بشأن الانضمام للحكومة اليمينية وقبول أي منصب يقترحونه عليها، أو مواجهة خطر الانقسام داخل الحزب الذي يهدّد به النائب شاؤول موفاز ومقرّبوه.

التحدّي المركزي لكلّ حكومة إسرائيلية تطمح إلى التوصّل إلى حلّ دائم ليست المستوطنات وإنّما المستوطنون. منذ اتّفاقيات أوسلو سنة 1993 لم يقم في إسرائيل زعيم مستعد لمواجهة المستوطنين. صحيح أنّ أريئل شارون نفذ خطة الانفصال عن غزّة وأخلى المستوطنات منها، لكنّ ذلك كان بإجماع واسع في إسرائيل وبناءً على موقف استراتيجي مفاده أنّ غزّة هي عبء على إسرائيل، والأهم ان المقابل للانفصال عن غزة كان تعزيز الاستيطان في الضفة الغربية.

أما بالنسبة للضفّة الغربية فالوضع مختلف عن غزة، ليس من ناحية عدد المستوطنين الذي يفوق ما كان في غزة أضعافا فحسب، بل من ناحية الأهمية الاستراتيجية والمعنوية للمنطقة أيضًا. إخلاء المستوطنين يعني عمليًا نهاية أيديولوجية اليمين الإسرائيلي. حزب كديما الذي أنشأه شارون كان من المفروض أن يؤدّي إلى تصفية اليمين، إلاّ أنّ خمس سنوات من توقّف المفاوضات أعادت تعزيز اليمين وبعثت الليكود للحياة ومعه الائتلاف الأكثر يمينية منذ ثمانينات القرن الماضي.

لذا، كلّ ما يفعله نتنياهو هو المناورة في محاولة للتوفيق بين حاجة الولايات المتّحدة لتحقيق مكسب سياسي لدرء كراهية وامتعاض الجماهير العربية ضدّها، وبين حاجته للحفاظ على الليكود وعلى حكمه، وهذا دون الدخول في مواجهة مع المستوطنين. أوباما من طرفه يحاول هو أيضًا المناورة، حتّى أنّه تبنّى موقف سابقيه بأنّه لا أمل في الشرق الأوسط لإنهاء الصراعات وكلّ ما يمكن فعله هو إدارتها بحكمة. في هذه الأثناء يتواصل التدهور في المنطقة ويستشري العنف في كلّ مكان فيها، تارة في الحدود الجنوبية وأخرى في الحدود الشمالية، ليذكرنا بأنّ القيادة الحالية تفتقر لأيّ برنامج حقيقي يمكنه أن يضمن لشعوب المنطقة العيش بأمن وسلام.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. تركيا تدرس سحب قواتها من سوريا


.. أوضاع إنسانية صعبة في قطاع غزة وسط استمرار عمليات النزوح




.. انتقادات من الجمهوريين في الكونغرس لإدانة ترامب في قضية - أم


.. كتائب القسام تنشر صورة جندي إسرائيلي قتل في كمين جباليا




.. دريد محاسنة: قناة السويس تمثل الخط الرئيسي للامتداد والتزويد