الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


احباط أخر الليل

فاضل فضة

2004 / 8 / 27
مواضيع وابحاث سياسية


لاأدري لماذ اتابع مرات الكرة السورية، كونها ليست على أي مستوى يمكن مقارنته مع فريق ريال مدريد أو الكرة الأوروبية، لكنني اشاهدها، خاصة عندما تنقل المباريات من مدينة حمص، كونها تذكرني بالأيام الخوالي وثانوية عبد الحميد الزهراوي، واصدقاء حي الزهراء (كرم شمشم) وابناء الحارة الذين كان يجمعهم نادي الشباب السوري.
اشاهد مباريات كرة القدم التي لم تتغير منذ عقود زمنية بنتائجها على المستوى العربي أو الأسيوي أو العالمي.
ثم أسمع إلى المحللين والخبراء السوريين، وخرافات التعليقات عن اسباب الفشل والطرق التي يجب إتباعها لتحسين المستوى الرياضي السوري. وكأن الكلام مازال نفسه منذ ايام الستينات بأوجه مختلة. وكأن لااحد فعلا يهمه أمر تطوير أي شئ في سورية، لا في الرياضة فقط بل في أي شئ.

إذ مازال المنظرون يفلسفون الأمور شمالاً ويميناً وعن إمكانية تحسين الأداء وتطويره. وكأن الكلام لم يتغير ابداً منذ الخمسينات أوالستينات.

نعم اتذكر شباب الحارة والصفاء الذي كان يجمع الكل، كيف كنا نذهب إلى فيروزة أو زيدل أو إلى حي الخالدية إو إلى احياء أخرى للعب مع الفرق الأخرى.
ولاأنسى الشباب فؤاد ومحمود ونصر وجوزيف وابراهيم وجورج وفريد حارس المرمى وغيرهم، كيف كان أبو الحلل لبّ ورفيق وغسان يأتون لتشجيع الفريق ايضاً. كما اذكر كيف كان معظمهم طلاب مدارس أنذاك. يلعبون كرة القدم مع الأحياء الأخرى، وعند تحقيق النصر على الفريق المنافس، لابد من معركة وبعض الضربات والكدمات، ولاأدري كم هو عددها التي حملناها معنا في عودتنا كل مرة. بسبب انتصارنا فقط.
ولاأنسى محمود الذي كان لعبه يشّبه ببيليه، أو فريد الذي كنا نقارنه بأحسن حارس مرمى لبراعته في التقاط الكرة. إنها ذكريات من الماضي، وذكريات الشباب حيث البراءة والأمل، حيث الحلم في التطور والتقدم والتحسين.
ولم يستمر فريق الحارة ابداً. ولم يلعب في ناد مرموق من الشباب غير ممدوح، ليتحوّل بعدها إلى ضابط في الجيش.

ولم تتطور الرياضة في سورية إلى يومنا هذا، كما أنها لم تتطور إلا نسبياً في بعض دول الخليخ، خاصة فرق كرة القدم. أما الرياضة كشأن عام يعبر عن حيوية الدولة والمجتمع فإنها مازالت بعيدة عن عصرها. شأنها كالتقدم في المؤسسات السياسية والإدارية عل مستوى الدولة ككل.

ماذكرني بالرياضة هذه الأيام، الإنتصار الذي حققته اليونان هذه السنة في بطولة أوروبا لكرة القدم، واحتفال المهاجرين اليونان في مدينة مونتريال. كما ذكرني اليوم الالعاب الأولمبية والميداليات التي لايعرف العرب كيف يحصدونها إلا بالصدفة أوالحظ ليس أكثر.

ومايبعث على البؤس والتعاسة أن الإنسان في العالم العربي، يعتبر نفسه من فطاحل خلق الله بالتنظير والتدوير والمعرفة، لكنه وعلى مستوى النتائج، فهو اقل من الصفر الذي اخترع عربياً. إذ لادور للعرب في العلوم والأبحاث. إلا من بعض الذين أنعم الله عليهم بالهجرة إلى بيئة أخرى في دولة متقدمة، وسنحت لهم الظروف بإظهار ماهو كامن لديهم.

ولادور لهم في الرياضة والإنجازات الإنسانية إلا ماندر، ولاأدري كم هو عدد الميداليات التي احرزتها سورية في المسابقات الأولمبية منذ ان أنشأت وإلى اليوم.
اعرف أن غادة شعاع قد حصلت على ذهبية واحدة في تاريخها، لكن أين الميداليات الأخرى.

مايشتهر به العرب في هذا العصر طرق الحكم المملوكية والعثمانية التي لاشبيه لها اليوم. أنهم قادرون على التنظير والتأطير والفلسفة، لكنهم في واقع الأمر ليسوا إلا شعراء أو ارتجالين خارج الزمن الرقمي وابداعاته التي لاتنتهي. ومع ذلك يمكن لأي حاكم أن يتشدق بالديموقراطية وحقوق الإنسان والغاء التعذيب وبشاعات سجن أبو غريب، وإملاء صفحات جرائدهم بالمعاملة السيئة للسجناء الفلسطينين في إسرائيل. بالمقابل تنكأ اجهزة الإعلام العربي، عن الحديث عن السجون الباستيلية العربية والإختراعات الخاصة في وسائل التعذيب والقتل في سجونهم.

قال لي احد الأطباء الذين خدموا العسكرية في وطنه ثم غادر، أنه في أحدى الزيارات للمطار الكبير الموجود بالعاصمة، أدخله احدهم إلى مستودع للحقائب، قائلاً له، انظر، هذه الحقائب. إنها تخص أناس قدموا وسيقوا جميعهم إلى السجن أو إلى القتل، ولاأحد يعرف من ذويهم أنهم دخلو البلد. وحذره الرجل قائلاً: لاتقل هذا ابداً فهو سرّ لايعرفه إلا القليل. أخبرني الرجل القصة على الهاتف من السويد منذ اكثر من عقدين من الزمن. وبصوت مرتجف ومرعوب، قال: هذه حكاية صحيحة، أرجوا ألا تذكرها ابداً.
في المرّة الأخيرة قلت له سأكتبها في احد المقالات، فقال: لاتفعل.

صديقي مازال يخاف أن يتحدث بالقصة هرباً من شبح الملاحقة، مع أنه غادر البلاد العربية من زمن. لكنه فعلاً يخاف، وأنا ايضاً مازلت أتساءل عن هذ الرعب الملازم إلى يومنا هذا، حتى في بلاد الهجرة.

لماذ نستورد كل شئ مادي ونرفض كل قيمة إنسانية بحجة خصوصيتنا الإنسانية؟
هل نملك هذه الخصوصية فعلا، أم أنها أيضاً واحدة من شعاراتنا التي نمت معنا في عقولنا الباطنية؟ ولاتعرف أن تتحرر من سلوكنا الشوفيني على كل شئ من حولنا.

لماذا يولد في مناخنا الجميل كل هذا الحقد والقسوة وحب القتل والديكتاتورية؟
لماذا لانستطيع أن نحرر أنفسنا من كل هذا العنف المشحون،
كيف تفرغ الطاقات الكامنة من هذا الكيان الإنساني بسلام وبدون عنف ذاتي؟

ألا يبعث كل هذا إلى التساؤل وبشكل جذري لماذ؟
مالذي دعا الفينيقي والأوغاريتي والإيبلاوي والحمورابي وأبن سينا والفارابي وأبن رشد وغيرهم إلى إعتناق الجهل والإرتجال وادّعاء المعرفة والحكم والقيم، في واقع مثخن بالتخلف والجهل والبدائية، خاصة في طرق الحكم واساليبه الخاصة بهذا العالم، مقابل حقوق الإنسان واقعياً في دول الإغتراب المعاصر.

أين المسألة وبماذا نكفر؟
اليس حكامنا منا ومن طينتنا

هل يمكن أن يكون الحل بالحداثة وإنزال السماء إلى الأرض بأدوات السجون وحكام التعذيب
أم بالواقعية المستوردة قطعاً
أم في مابعد الواقعية
أم بالبتر القسري القادم من بلاد الواق واق...
أم بالإنتحار المتدّرج على أي صعيد! كما يحدث الأن في كل بقعة متجمدة، ليس بثلوج القطب، فإنها نظيفة، بل بتلوث العقول والصدأ الذي ينخر بالسلاطين ويحثهم على رغبة الإستبداد والجشع وكراهية الحياة، الذين لامعنى لهم حضارياً ابداّ.

الحكاية السورية والعربية أكثر من محزنة، لكن، العقل المتجمد في مناخ الأنا الإستبدادية لايستطيع الخروج عن الطرق والأساليب التي نظَّر بها اهل الماضي، وسمحوا للمماليك والأتراك، أن يمسحوا الأرض بنا قرونا، وبإثارهم حاضراً ومستقبلاً.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ملثمون يوقفون المحامية سونيا الدهماني من داخل دار المحامين ف


.. نبض أوروبا: هل حدثت القطيعة بين بروكسل ومالي بعد وقف مهمة ال




.. الأردن يُغلق قناة تابعة للإخوان المسلمين • فرانس 24


.. المبادرة الفرنسية و تحفظ لبناني |#غرفة_الأخبار




.. طلاب جامعة هارفارد يحيون الذكرى الثانية لاغتيال شرين على يد