الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


فيما يخص المقاسات

فاديا سعد

2010 / 8 / 14
الادب والفن



يوم كان مقاسي صغيرا، كان بودي أن تعترف أن مقاسي على صغره جميلا. بديعا، وأن الهلامية التي غلفته لا ضير منها، وعلى صغره وعدم قدرته على القيام بثورة، يستحق بعض اهتمام.. كذلك يستحق واحدة من ابتساماتك الهاربة هنا وهناك!

وأن قليلا من الكرم تجاه المقاس الصغير، لن يخل بمقاسك الكبير.

كنتَ دائما تفتح الكتاب الذي أحبه، وأردت قراءته بشدة، وتلهفت حتى الموت لتفتح صفحة محددة منه.

كنت تفعل: تفتح الكتاب بزاوية صغيرة لا تتجاوز الخمس وعشرين درجة، وكانت كفيك تطبق على دفتيه، ورؤوس أصابعك تمسك الزاوية الصغيرة.

دائما كنتَ تفتحه على زاوية خمس وعشرين درجة! وكنت تنظر بشكل مستقيم في عيني منتظرا ردة فعلي، وحقا كنت وإياك نشبه لوحة رسمها سيد من القرن التاسع عشر بردة فعل من يستفذ عبدا، ويعرف أن النتيجة متشابهة لكل مرة يفتح فيها الكتاب على زاوية بخمسة وعشرين درجة، وكنت مؤمنا بوضعنا هذا، إيمان خليفة بعبودية رعاياه.

كان لدي الكثير يمنعني بأن أطالبك بتصغير مقاسك أو تكبير مقاسي. وكنت دائما وأبدا أتابع يدك وهي تفتح الكتاب بأمل أن تصبح الرؤية بزاوية خمس وثلاثون درجة.

كان رهيبا هذا الانتظار، وكان فتح الكتاب على زاوية مائة وثمانون درجة، أكثر من حلم مستحيل، بل هو المستحيل ذاته! فقد كنت بخيلا بطريقة رهيبة.

ودائما حين أتوقع من انفتاحك وحركتك الامتناهية، التي لم تتوقف يوما أنك قادر على فتح الكتاب بزاوية أوسع، كان يخيب أملي.

رغم أن يديك كانت خشنتين دلالة على أنك تستطيع فتح الكتاب! لكن الزاوية كانت دائما خمسة وعشرين.

لم يخطر ببالي أنك تفتقد القدرة.,

- لماذا لم تفعل؟ سألتك.

لكنك أنت أيضا لا تعرف الجواب!!

كنت لا تستطيع فتحه عن زاوية أوسع، ولا تسمح لي أن أفعل، ودائما هناك حجة مقنعة ومنطقية تستلّها:

- مقاسك صغير!!



كان يهينني أنك لا تفتح الكتاب، ولا تدعني أفعل، وبات يهينني أكثر أنك تقوم على حراسته ليل نهار!! متخذا من باطني كفّيك مخبأ له.



وقد استنفذنا أنفسنا بشرح هذا الوضع: ".. لا يمكنك فتح الكتاب، أو لا تستطيع، كما لا تريدني أن أفتحه، أو تصرّ على أني لا أستطيع! "



ومع أننا في موقع واحد من عدم القدرة على الحركة بفتح الكتاب، لكنك تنظر إلي بنفس النظرة التي ينظرها السيّد إلى عبد، وأن تملك نظرة السيد ويدي العبد، فهذا ما يدهشني:

أن تنظر للآخر نظرة سيد فيما يديك خشنتين كيدي عبيد الأرض!! أمر ما عاد محتمل.



وبسبب هذا الوضع نظرت دائما إلى النسخة الثانية من الكتاب، أن المسألة تحتاج لنظرة سيّد ويدي عبد.



تصوّر! ما كنت لأعتقد غير ذلك لولا أنك رميته في البئر فصار عصيا عليك وعليّ حتى امتلاكه، لكن كان من الصعوبة بعد فقدانه أن تحافظ على مقاسك كبيرا وعلى مقاسي الصغير!



إن المقاس غالبا يصغر ويكبر حسب اللهفة، شدتها و كثافتها، هيامها بنفسها.. بتعبير سريع ودقيق: المقاس يكبر، ويصغر بسبب قانون يدعى الأنانية الواقعية.



إنه قانون جميل، ولذيذ، ويولّد نظرة سيد ويدين خشنتين.



هذا قانون اكتشفته قبل أن أنزل البئر، حيث ارتادتني اللهفة مرة واحدة وإلى الأبد وحيث هبطت عليك الشجاعة كمرة يتيمة ولم تغادرني، وحيث نزلت البئر مرة واحدة وصعدت بنظرة سيد ويدين خشنتين وإلى الأبد.



كان العالم كله يدور حول فتحة البئر.

كان العالم يصرخ صراخا رهيبا.

كان الكل يخاف عليّ، أو هكذا كانوا يقولون.

لشدة خوف الجميع عليّ اشتد عمل ساعدهم بجسدي، وكنت أميز منهم يديك الخشنتين والخائفتين عليّ.



كان صراخهم في أعلى البئر رهيبا، بحيث أن العيش بالقاع مع المقاسات الصغيرة ليس بذلك السوء!



ما كان ممكنا أن أفتح الكتاب في تلك العتمة ولا كان ممكنا أن افتحه والمقاسات الكبيرة تصرخ.



انتظرت حتى تعبوا من الصراخ، حملت الكتاب وصعدت... صعدت... آه صعدت.

ما كان بإمكانك أن تمسك يدي فقد احتفظنا كل بمقاسه، كما أنك كنت قد أمسكت كتابا آخر وفتحته على زاوية خمسة وعشرين، تريها للمقاسات الصغيرة، وتنظر إليهم النظرة المعهودة باليدين المعهودتين.



صحيح أن الكتاب الذي حملته من القاع كان ملوثا، وصفحاته مهترئة، وتداخل حبر كلماته، إنما كنت سعيدة لأني نزلت البئر، وعشت قاعه مع المقاسات الصغيرة، وخرجت صعودا صعودا محتفظة بمقاسي، الذي أحب.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب