الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


جدل بيزنطي

علي شايع

2010 / 8 / 15
الادب والفن


يحكى ان مجموعة من أحبار مدينة القسطنطينية (اسطنبول حالياً) دخلوا نقاشاً طويلاً عن جنس الملائكة وطبيعة وجودهم، حتى انشغلوا، تماماً، عن ضجيج جيوش السلطان محمد الفاتح العثماني، وهي تطوّق مدينتهم بالكامل، و من كل الجهات، وكان ذلك سنة 1453.

لتسقط ، عاصمة هرقل عظيم الروم، لأول مرة في تاريخها، ولِتتغيّر المدينة إلى الأبد.. ذات الأسوار العظيمة العصيّة على الفاتحين، حتى قيل إن لهذه الحاضرة سرّها الكامن خلف هيبة الحصون.
فكم ذا تبارى الخلفاء والحكام في نيل السبق لإحراز فتحها ، المتحقّق لاحقاً للقائد لعثماني.فما سرّ هذا الفتح؟. أتساءل معتقداً لا صنيع الفاتح ودولته بفتنة الجدل، فهذه الدولة كانت تنشغل بعيداً عن الجدل والحوار الفكري، المنتهي شرّ نهاية، ذهبت مثلاً، حتى صار الجدل البيزنطي عار حوار لا يفضي إلى حكمة؛ فالحكمة تقتضي جدلاً منتجاً، ومنجزاً لشيء مفيد، لا مصدر فتنة وضعف، وربما الانقطاع للتأمل والتبتّل، وأن لا يسود الجدل ليكون هادماً ومعيقاً، يتنافس عبره الناس جميعهم، لإثارة نزعات هذا الجدل وتعزيزها، فتتطوّر أدواتهم، فيصبح -مع الأسف- استخدام العنف بديلاً عن الحوار، أو نمواً واستحالةً بالجدل إلى صورة عنفية مستنكرة،هي أقسى صور الجدل، ونسخة حربية للجدل البيزنطي.
الجدل البيزنطي ،حالة ربما عشناها أو شاهدناها جميعنا، ولكلّ منا حكايته فيها.
في إحدى أحلامي الموؤدة، فاتني ذات يوم حضور فعاليات بيروتية للمهرجان السادس لأفلام الطلاب العرب واللبنانيين..يومها حبّبت إلى نفسي، صديقة شاعرة لبنانية زيارة بيروت لأنها بحق قبلة ثقافية، وطموح لبلد عنيد الثقافة، خرج من الحرب إلى فضاء الحوار، خرج من جراحاته إلى محو آثارها، بالفن الأصيل أحيانا، بالإبداع المضاد للعنف، وحكت لي عن فعاليات ولقاءات شعرية خارقة في مقهى يدعى «جدل بيزنطي» استفزني الاسم وبقي في ذاكرتي حلماً مضافاً إلى تاريخ غده، أشتاق خلاله إلى أن يثمر جدلنا الثقافي عن مقهى بيزنطي في بغداد للسلوى عن كل شيء، ولنسيان كلّ شيء.
مقهى لجدلنا الأفضل، ولكننا سنسمع في جنباته، بالتأكيد، من يتناقش مع الآخرين عن جنس الملائكة، محاولاً تطويع الآخر نحو جهاته، وسنسمع من يناقش آخر (آخر) عن عدد الشياطين التي تستطيع الوقوف واقتسام المساحة على حبة شعير.
وسنسمع من يصرخ من بينهم : يا جماعة، حبة الشعير هذه هي الحكومة، ومن يريد أن يقف عليها من الشياطين، يعني به هذا المتحدث، ساستكم، ورجال دولتكم..
وسنسمع من ينادي بصوت عالٍ: أيها الناس..أما فيكم من مخبر، أما فيكم من يذب عن حُرَم الحكومة. أيها الناس ..ثمة من يريد الشر، ولا تبصرون؟..
وثمة، وثمّة؛ جدل، وجدل.
جدل مواقف،وجدل علاقات، سلباً وفي اتجاهات متضادة. وجدل قصد الجدل، وبأدوات وأساليب، متطوّرة، مكانها كلّ مكان، وربما تحتاج إلى مقهى يستقطبها ويوظفها للفائدة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. رحيل الممثل البريطاني برنارد هيل عن عمر 79 عاماً


.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع




.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو


.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05




.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر