الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


بورتريه مائي فارغ

روجيه عوطة

2010 / 8 / 15
الادب والفن


"لما شاء/ واكتملت في خاطره/ صور الأشياء/ رسم الله وجوه الناس/ وأعطاها الأسماء/ علقها فوق جدار الفردوس/ وكانت جامدة/ فابتكر الماء" قصيدة من كتاب "أحلام الماء" للشاعرة سوريا بدور طويلة، دار أبعاد، أيار 2010

ليس أجمل من قراءة نص الا العودة الى لغة كرسته وجعلت منه مساحة شاسعة تتحمل ما تتحمله من تأويلات شقيّة ، تحاول ان تبرر المعنى الخارج من رحمها والعائد الى مفاصل النص اللانهائية.
هي إذن رحلة كتابة جديدة، تقع بين كفيّنا، وترسم لنا طريقا ً يبدأ بالفراغ وينتهي بالفراغ، الذي سيخطلط بالماء الجاري بين الكلمات، صانعا ً، من مسيرته هذه، خلق بلا خليقة، توبة بلا تائب، وطهارة غائبة عن الصورة.
لماذا الفراغ ولماذا الكل كان صامتا ً في لحظة، من الأفضل أن لا نطلق عليها أي صفة، لأنها، رغم هالتها الشعرية، تتشظى كمعنى خائف ؟
في هذه القصيدة، "لما شاء"، تعيدنا الشاعرة سوريا بدور الى الماضي، يوم كان الخلق على حافة الحضور الدائم، يوم كان الإله منزعجا ً من العتمة، يوم حمل بيده المساء، وبأخرى ثلاثة أسماء او أكثر.
"لما شاء"، هكذا بدأت رحلته بإرادة خرساء وقوية، فساد الصمت لأنه تراكم كلعبة الكلمات التي تتراكم لتغطي الأشياء لا لتشرحها. تكتمل الأشياء في فضاءه الخالق، لكن عذرا ً ليست أشياء بل صوّر اكتملت لأنها لم تنجز بعد.
صور قريبة من الفراغ لأنها تخدع أشياءها وبعيدة عنه لأنها اعتقال ٌ له.
رسم الإله إطارا ً بريء ليحتفظ بالصوّر في داخلها، ثم انتقل الى مرحلة ثانية، لا يمكن قراءتها الا بالعودة الى التناص المتشظي والجامع في الوقت نفسه.
في سفر التكوين، كانت السماء والأرض أولى المخلوقات ولحقها النور، السماء، اليابسة، الشمس، القمر، النجوم، الحيوانات، وأخيرا ً، خُلق الإنسان في الجنة، فارتوى بماءها وأكل من ثمارها قبل أن يعاقب على شراهته ونظراته الممتلئة بالشهوة.
في هذه القصيدة، بعد خلق الإطار الفارغ لصوّر لا يمكن التأكد من كثافتها، ولا من امتلاءها بالأشياء، "رسم الله وجوه الناس" و"أعطاها الأسماء".
وجوه الناس المرسومة ليست سوى امتداد للفراغ، الاله يرسم بورتريهات الناس بفراغ لأنها وجوه فقط، فقد غاب الطين، غاب الماء، غاب النعاس الآدمي والبعث الأنثوي، وظلت وجوه الناس حاضرة، هذه الوجوه التي تتميّز عن الرؤوس بلا ظهورها وبلا مرأيتها، إذ أنها تحتاج الآن الى مرايا تخمد فيها نار التسمية.
فأن نسمي الأشياء يعني التحكم بها، هذا ما كان يفعله زوربا حين كان يقع في مشكلة، وهذا ما تحدث عنه الكاتب جاك دوكيسن حين قال: Nommer quelqu’un, c’est lui indiquer un destin .
عٌلقت الوجوه فوق جدار الفردوس، بعد إعتقالها بأسماء و إحتراقها بإطار الفراغ فكيف بإمكانها التفلت من صمتها وخرسها وهي لا تملك قوة خالقة.
فكما نعرف، فهي لم تشء، فالقصيدة بدأت بـ"لما شاء" هو، أما الوجوه فلا قدرة لها إلا على الإحتراق.
حتى هذه اللحظة، البورتريه فارغ، ولكن بعد أن خلق الإله، ببراءة خلقه، الماء، وقفت القصيدة وأخرجت الصوّر من إطارها الجامد، والوجوه من صمتها، نظرت الناس الى وجوهها وتفقدت حضورها وقالت فيما بينها:"ماءنا مرآتنا".
إمتلأ البورتريه بالماء واحتل داخلها وتشققت جدران الفردوس، لكن هل انتهينا من مرحلة الفراغ؟
صحيح أن الماء حرر الوجوه وملأ البورتريهات، لكنه مجرد مرآة تعكس ولا تحقق، نرى من خلالها الصوّر، مجرد صوّر ، والأكثر من ذلك إنها مرآة محكومة بمشيئة برانية أرادت للفراغ أن يصبح مكان.
هذه القصيدة قصيدة تحرضنا على قراءتها، وتنقلنا من مرحلة الوجه الغارق في التسطيح، الى ما يسمى بالصداع الشعري ، فتجعلنا نعود الى خارجها ونحفر، ثم نعود الى داخلها ونرمي الكلمات في ثقوبها لأنها محكومة بالفراغ الموضوعاتي، وبالمرايا المائية المتشظية كالمعنى من المشيئة الى التوبة والطهارة الفارغة.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. المخرج كريم السبكي- جمعتني كمياء بالمو?لف وسام صبري في فيلم


.. صباح العربية | بمشاركة نجوم عالميين.. زرقاء اليمامة: أول أوب




.. -صباح العربية- يلتقي فنانة الأوبرا السعودية سوسن البهيتي


.. الممثل الأميركي مارك هامل يروي موقفا طريفا أثناء زيارته لمكت




.. أمسيات شعرية- الشاعر فتحي النصري