الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


ليموناتي الثلاث

خيري حمدان

2010 / 8 / 17
الادب والفن


الإهداء: لها
سلّة من الليمون، ربما عشرة حبات أو يزيد، وضعتها فوق الرفّ وتأملتها، سألت نفسي في اللحظة التالية: لماذا كلّ هذا الليمون؟
ربّما لأنّه يذكرني بقريتي البعيدة، قد يكون لهذا الترف الأخضر المصفرّ ذكرى بعيدة مرتبطة بطفولتي أو بالمراحل الأولى لعنفوان شبابي. لا أدري حقيقة، ولكني أعرف بأنني أجد نفسي بائسًا حين تقع عيناي على كوم من الليمون المعروض للبيع في أحد المحلات التجارية. كيف يمكن أن يباع الليمون بهذه البساطة؟! أنا حتى لا أجرؤ على ذبحه من الوريد حتى الوريد! لا أسارع بعصر بطانته وتشويه منظره الأخضر المصفرّ لإرضاء غواية العطش.
الليمون يملك جاذبية غريبة على حضوري ويومياتي، وحين أكون حزينًا أفضّل أن يبقى بعيدًا عن متناول موسي الحادّ!
جميع البيوت التي سكنتها قبل أن تطرق الحضارة يومي ونهاري وأمسياتي كانت مزيّنة بشجيرات الليمون الأنيقة الرشيقة. تفرض طقوسها بأغصانها المائلة أبدًا نحو الجرح المالح، نحو سدرة المنتهى، نحو قلبي المتفجر محبّة للطيور المهاجرة، للنورس لطائر اللقلق للهدهد. قرر بعض الكتّاب المصريين تسميتي بالهدهد ولم أمانع، لم أسأل حتى عن السب. فلأكن هدهدًا أحمل الأخبار لسليمان في أحلامي، لكن الليمون ذبل قبل أن تظهري أنت على حين فجأة كالقبلة.
أخبرتكِ بأنّ لديّ ثلاث حبّات خضراء مصفرّة من الليمون، وأنتِ سألتني في اليوم الثاني كم بقي من ليموناتي الثلاثة؟ أجبتك بأنها ما زالت ثلاث حبّات خضراء مصفرّة تننتظر من يهتمّ بها، فإمّا الذبح أو العصر ولكنّ ليس أنا من يقوم بذلك! احتفظت بالسلّة ووضعت ليموناتي في إناءٍ فاخر وتركتها تؤنس وحدتي.
حدث هذا في مدينة متمرّدة، خلعت هدوءها وأعلنت نفسها عاصمة قارة أوروبا العجوز ثم ابتلعتني على حين غفلة مدّة عام كامل.
بروكسل هي المدينة الوحيدة التي هربت من ذاكرة قلمي حتى اللحظة. ربّما لأنّني كنت ألملم ذاتي وأستعيد عطب ذاكرتي في أرجائها. لهذا لم أذكرها كثيرًا في بوحي، إلا أنّ حبّات الليمون الثلاثة كانت في بيت صغير هناك، بيت خالٍ حتى من ستائرَ بيضاء أو وردية تخفي إدماني على الكتابة والنوم بعد ظهر كلّ يوم، خوفًا من كابوس النعاس قبل الثانية من صباح اليوم التالي.
أخبرتك بأنّني أخشى على ليموناتي الثلاثة، ربّما هناك سلّة من الليمون في البقالة ترجو اقتناءها. قلتِ: اعصرها، ضع بعض السكّر واشربها وتذكّرني ولا تنسَ صوتي الدافئ عبر الأثير حين تصمت المدينة وتغفو أوروبا لوهلة من الزمن!
مضى وقت طويل ولم أقتنِ ليمونًا .. مضى وقت طويل دون أن يشقّ سكّيني الحادّ طريقه في متاهات حبيبات الليمون. ربّما لأنّي أقرأ التاريخ معكوسًا، وربّما لأن التاريخ هو من يقرأني دون أن يترك نقاطًا أو علامات تعجّب، لكنّه دائمًا يترك العديد من الأسئلة وأنا ماضٍ للإجابة على أكبر عددٍ ممكن منها.
الأثير شاسع رحب ..
وأنا أعرف بأنّك هناك
الأثير مفتوح لشهقاتٍ واعترافات أخرى ..
وأنا أعرف بأنّك هناك
اليوم سأقتني بعض الليمون
لونه الأخضر المصفرّ يراوح قوس قزح، يتقاسم وإيّاه ذاكرتي وكلاهما يعرف .. يعرف بأنّك هناك.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مت فى 10 أيام.. قصة زواج الفنان أحمد عبد الوهاب من ابنة صبحى


.. الفنانة ميار الببلاوي تنهار خلال بث مباشر بعد اتهامات داعية




.. كلمة -وقفة-.. زلة لسان جديدة لبايدن على المسرح


.. شارك فى فيلم عن الفروسية فى مصر حكايات الفارس أحمد السقا 1




.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا