الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


تأملات - هذه الأوهام المغرضة !

رضا الظاهر

2010 / 8 / 18
مواضيع وابحاث سياسية



ليست الأوهام، في ظل التباسات الواقع العراقي، نادرة. ومما يزيد الأمر تشويشاً هذه الفوضى السياسية والفكرية التي تحاصرنا في حياتنا، وهي مرتبطة، بالطبع، بثقافة التخلف السائدة، ونمط التفكير الناجم عن هذه الثقافة.
ولعل أحد أخطر الأوهام هو وهم "الديمقراطية" التي يحاول كثيرون، وفي مقدمتهم "المحررون"، إقناعنا بأنها النظام الذي شيّدوه في بلادنا. ولا ريب أن منطلقات محاولتهم إقناعنا تعود، من بين أمور أخرى، الى أنهم يعبرون عن مصالح محددة يريدون ضمانها قبل كل شيء، وأنهم يحاولون التغطية على إخفاقهم المروع في البلاد التي أوهمونا وغيرنا بأنها ستكون جنة الله على أرض الشرق الأوسط، فتحولت "ديمقراطيتهم" الى كارثة حقيقية أخزتهم وأخزت من تشبث بمشروعهم، وفاقمت معاناة الناس المريرة.
ومن نافل القول إن هذه ليست الديمقراطية التي نعرفها في بلدان الديمقراطيات العريقة، وليست نسخة ملموسة منها، مطبقة على واقع بلادنا، بل هي نسخة مشوهة لا تمت بصلة لشروط الديمقراطية الحقيقية التي نسعى اليها.
فالانتخابات وحدها، على افتراض أنها تجري بصورة شفافة ونزيهة وفي إطار قانون انتخابي عادل، لا تعني الديمقراطية. وغياب الرقابة على الاعلام، وتركه في حالة فوضى وانفلات، لا يعني الديمقراطية. و"حرية التعبير" حيث يصرح كل مسؤول حسب أهوائه، ويوجه اتهامات وتهديدات في ظل "الحرية"، لا تعني الديمقراطية. واستمرار فظائع الارهاب والجرائم المنظمة وغياب الأمن والخدمات الأساسية، وبينها الكهرباء، وتفشي الفساد والبطالة، ومصادرة حقوق النساء، وانتهاك حقوق الانسان، ليس من دلائل الديمقراطية. ولهاث "الحكام" وراء المال والجاه والمكاسب الضيقة، واستمرار الخراب المادي والروحي على يد "المحررين" و"المقررين"، والاستهانة بارادة الملايين، وتفاقم الصراع الطائفي بتجلياته المختلفة، وأخيراً وليس آخراً سيادة نهج المحاصصات الطائفية والاثنية، هذا كله لا يجمعه جامع بالديمقراطية، بل هو خصم للديمقراطية وانتهاك لها إن كانت، أو بذورها، موجودة. ولا يمكن الحديث عن ديمقراطية في بلد فيه كل هذه المآسي.
أما السياسيون المتنفذون فيقدمون مثالاً محبطاً، إذ يتشبثون بالمغانم، ويستعرضون على المسرح الضحك على ذقون الملايين من المساكين المغلوبين على أمرهم. ويعجز "المقررون" إلا عن براعة في الاستهانة بإرادة الملايين وآلامهم وسط استمرار الخراب المادي والروحي. وأما "المحررون"، المتخبطون في سياساتهم، والذين ابتكروا نهج المحاصصات المقيت، فهم سبب رئيسي في الاستعصاء وتعمق الأزمات، ومصدر للبلايا.
والأزمة ليست فقط في تركة عقود الدكتاتورية، وخصوصاً بنسختها الفاشية، وإنما في غياب التوجه الى وضع الأسس الأولية للديمقراطية المنشودة بسبب انغمار القوى السياسية المتنفذة في صراعاتها البغيضة على السلطة والنفوذ والامتيازات، وإخفاق "المحررين" الكارثي في تنفيذ وعودهم، فضلاً عن طائفة من ظواهر تسود المجتمع، هي عواقب الحروب والاستبداد والاحتلال، وبينها ازدواجية سلوك الناس، والتشوهات التي لحقت بالشخصية العراقية، واضطرار كثيرين الى اللهاث وراء لقمة العيش، واستعدادهم للتحول الى سلعة يشتريها المتنفذون بالمال السياسي والاعلام المأجور.
والحق أنه لو كان هناك قدر يسير من الديمقراطية الحقيقية لما تجرأ السياسيون المتنفذون على الاستهانة بإرادة الشعب الى هذا الحد المأساوي بل المخزي، ولكان "ممثلو الشعب" الذين منحهم الملايين ثقتهم، في تصويت طائفي في الغالب، مستعدين لممارسة مسؤوليتهم في الدفاع عن حقوق ناخبيهم، وفرض إرادتهم بشأن تشكيل الحكومة "الجديدة". لكن لا السياسيون المتنفذون أمامهم ما يردعهم عن سلوكهم المشين، ولا نواب الشعب أمامهم فرصة ممارسة دورهم الطبيعي، ولا الملايين من ضحايا المعاناة أمامهم قدرة إرغام "الحكام" على احترام إرادتهم. أفبعد هذا كله يمكن الحديث عن ديمقراطية !؟
* * *
يبغي "المحررون" و"المقررون" إقناعنا بوجود ديمقراطية حتى ننطلق من كون هذا حقيقة لا وهماً، مما يؤدي الى افتراضات وتداعيات واستنتاجات خاطئة.
وهذا، في الواقع، سلوك لا يتعارض، في الجوهر، مع سلوك أي عقل استبدادي قائم على امتلاك الحقيقة المطلقة، وإلغاء الآخر ورأيه، وغسل الأدمغة، وطمس الحقائق، في مسعىً لإدامة الراهن وتأبيده كوسيلة لا غنى عنها للحفاظ على استمرار النفوذ والامتيازات.
وإذ ينبغي أن نكون واقعيين فلا نغمض العين عما تحقق من حريات ومطامح وآمال في واقعنا، على شحتها، فان علينا أن لا نبالغ في تقييم ما تحقق، فنقع في الوهم ونصدق الأكذوبة التي ينسجون.
ينبغي أن لا نكتفي بأن نكون ساخطين على حرمان الملايين من أبسط حقوقهم، بل علينا ممارسة هذا السخط على زارعي الأوهام ابتغاء مزيد من المغانم.
لا يغير الله ما بقوم حتى يغيروا ما بأنفسهم. فهل سيفعل المتنفذون ؟ يحق للمرء أن يرتاب، فالله لا يكلف نفساً إلا وسعها، وليس بوسع هؤلاء الحكام أن ينهضوا بتكليف تغيير ما بأنفسهم.
علينا، إذن، أن نجد سبيلاً الى تغيير نمط التفكير إسهاماً في تغيير الواقع. ولا ريب أن الخطوة الأولى تبدأ بالكفاح من أجل حركة شعبية تمارس القوى الديمقراطية فيها دورها المأمول، وتنقل تيارها من حركة نخبوية الى حركة مجتمعية فاعلة تستثمر السخط وتحوله الى احتجاج لكشف الأوهام ومقاومة ثقافة وواقع التخلف.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. إسرائيل - حماس: أبرز نقاط الخلاف التي تحول دون التوصل لاتفاق


.. فرنسا: لا هواتف قبل سن الـ11 ولا أجهزة ذكية قبل الـ13.. ما ر




.. مقترح فرنسي لإيجاد تسوية بين إسرائيل ولبنان لتهدئة التوتر


.. بلينكن اقترح على إسرائيل «حلولاً أفضل» لتجنب هجوم رفح.. ما ا




.. تصاعد مخاوف سكان قطاع غزة من عملية اجتياح رفح قبل أي هدنة