الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


أشياء من الذاكرة

معتز حيسو

2010 / 8 / 18
مواضيع وابحاث سياسية


في كثير من الأحيان تمثل الذاكرة، أحد الفضاءات التي يلوذ إليها الإنسان،هرباً من واقع يسحقه تحت تفاصيل الحياة اليومية، الضاغطة على كينونته المادية والعقلية.. لدرجة التفجر المؤجل،العصي عن الفهم والإدراك.لتجعله كائناً بلا أبعاد،يتشظى متناثراً على آلاف التناقضات والآلام،ليضيع وإنسانيته المسلوبة منه قهراً،في ركام من الأزمات،يصعب على العقل أحياناً، لملمة أسبابها ونتائجها الكارثية،التي تغلق أبواب المستقبل حتى على التفكير،الذي من ثناياه يحاول الإنسان حالماً،أن يهرب مما يعاني،وما ينتظره من سواد المستقبل،ليهرب إلى ماضيه مستنهضاً بعضاً من ذكريات،علّها تعينه على التوازن،حتى لو كانت ضرباً من الأوهام.وتشكّل لحظات التأزم أحد الممرات التي من خلالها يتسلل الإنسان إلى ماضيه،الذي يتلمس فيه غالباً أشكالاً من التكيف السلبي،لفقدانه القدرة على المشاركة في تحديد أشكال حاضره،أو رسم تفاصيل مستقبله ،لأنه لم يعد يمتلك أياً من أسلحة الدفاع عن ذاته المتغرّبة والمغرّبة عن حاضره و مستقبله، لأنه جرّد منها، ليصبح عارياً ومعرّى قسراً حتى من معانيه الإنسانية أمام واقع يزداد اسوداداً وتناقضاً وبؤساً وابتذال...ليتحول همّه إلى الحفاظ على بقائه البيولوجي،وقد لا يحالفه الحظ،حتى في هذا المستوى،بسبب تناقضات الواقع المتفاقمة، التي تحولت لمتاريس أشيه بالقدرية التي تكسّر وتحطّم أحلامه قبل عقله، فكيف يستمر الفاقد لمعالم حاضره، ومستقبله الهارب من قبضته،في ظل أزمة عامة وشاملة ومركبة تتجذّر في قاع المجتمع،وتطال بنية الإنسان الذي يفتقد تدريجياً لحصانته الذاتية، أمام أزمات لا تحصى.؟؟؟
الماضي الذي لم يتحول إلى تاريخ بفعل تجدده في تناقضات اللحظة الراهنة بأشكال أشد مأساوية وابتذالاً،هو مقصدنا !!!!
بالتأكيد لم تهرم ذاكرتنا.وأياً تكن الأسباب،فإنها تخبّئ وتختبئ فيها تفاصيل لحظات الفقر التي أثقلت كاهلنا،ولم تزل تمارس فعل الهدم في ذاتنا، لكن على ما يبدو أن حاضرنا أشد وقعاً على ذواتنا من ماضينا الذي نستعيده، لنشدّ به أزرنا، ونلوّن واقعنا ببعض الفرح، حتى لو كانت تفاصيله محزنة...
من عاصر وعايش لحظات الضنك والفقر في الماضي القريب، ولم يزل يعاني، سيتذكر بأن الطبيعة كانت الأم الحنون،التي تغني الإنسان عن التسول والتوسل والتذلل... إن كل ما يمارسه الإنسان من جور على الطبيعة،لم يحدّ من كرمها على أبناءها. لكنّ مكمن الأزمة في ذات الإنسان المستبد.. الذي حول الطبيعة والإنسان المضطهد لمصادر نهب، يدوران في آلته التي سلّعت كل الأشياء،وحولتها لبضاعة يحدد قيمتها حركة الأسواق المنفلتة من عقالها وعقلها،ليبقى المسيطر الدائم سلطة المال وشهوة السلطة الهادرة لكلِّ المعاني الإنسانية،التي استحالت لبضائع رخيصة ومبتذلة في أسواق النخاسة البشرية.
في ذاك الوقت لم يكن التسليع هو السمة السائدة،وكان يكفي أن يتزود الإنسان بسكين وكيس / أو حتى دون كيس../ ويختلي بالطبيعة، حتى يعود دون تأخير،حاملاً بعضاً من نتاجها، يكفيه وأولاده طعام يومه. ومن لا يذكر/الكمأة،الدردار،الخبيزة،الهندباء،الخرفيش،بلغصون،السلبين، الجرجير، قرص عنّة....ناهيك عن الأعشاب الطبية،التي كان يستعين بها في علاج بعض الأمراض / هذه المواد أصبحت مصدراً للكسب عند بعض الأسر،التي ينفر أفرادها إلى الطبيعة أغلب الأيام وعلى مدار الفصول، لتتحول سلعاً في ظل سيادة سياسية السوق الحرة التي انعكست تجلياتها فقراً على أوسع الفئات الاجتماعية، بعد أن كانت في متناول من يريدها.بعضاً منها لم يعد إلا ذكرى،لأن الحصول عليها،بات صعب المنال، نتيجة ليضق ذات اليد، وارتفاع أسعارها بشكل جنوني، ومبالغ به.
ما نقوله ليس حنيناً ومحبة باسترجاع أيام خلت، بل لأن عودتنا إلى ذاكرتنا تشكّل ملاذاً من معاناتنا الراهنة،التي بات التقشف والتصحر البيئي والإنساني سمتها العامة.ليتفتق مخيالنا الماضوي عن أشكال لا تعد و لا تحصى من تجميل الماضي الفقير، وهذا ليس إلا لأن الحاضر بات أشد سواداً، و ملامح المستقبل باتت تجلياته الكارثية واضحة، في ظل تمكين ميول اقتصاد السوق الحر و إطلاق حرية القطاع الخاص، ورأس المال الريعي والمضارب والخدمي الذي يلهث لتحقيق الربح السريع حتى لو كان سيقود إلى دمار الإنسان الذي يمثل المصدر الأساس لتراكم الثروة. وضماناً لحرية رأس المال فإنه يتم تقييد وضبط الممارسة السياسية والمدنية، و تراجع الدولة عن دورها الاقتصادي والإنساني والبشري التنموي في سياقه الوطني الديمقراطي، إلا ما تفترضه حاجة المستثمرين والمضاربين... مما يعني هدر الإنسان وتسليعه في إطار حركة السوق السائبة والطاردة للقيم الإنسانية.

****************************************************************************








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. كينيا: قتلى وجرحى إثر تفريق الشرطة مظاهرات مناهضة للحكومة في


.. احتجاج أمام شركة -سيمنز- الألمانية رفضا لتعاونها مع إسرائيل




.. تأثير الذكاء الاصطناعي في الحروب


.. السياسي العراقي فائق الشيخ علي يوجه رسالة لحسن نصر الله: -كي




.. الإفراج عن عشرات أسرى الحرب الروس بعد تبادل للأسرى مع أوكران