الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حينما جف المستنقع في وادي الرافدين

مجيد القيسي

2010 / 8 / 18
الادب والفن



حينما جف المستنقع في وادي الرافدين , بدأت رحلة الطفيليات نحو المدن البعيدة والأقطار النائية. كان البعوض أول تلك الموجات المهاجرة التي أقتحمت منابع الفن ودور الثقافة .شرعت على الفور بوخز الحروف ومداهمة الأبجديات ,تمتص دم هذا المثقف وتحطم لوحات الأخر..تعبث بالوانه ,ثم تضع البيض في الركام .جلست تترقب أبوابا مفتوحة وشبابيك محطمة الزجاج لنواد غير محصنة .لقد بدأت تفحص الجدران الرطبة والنفوس الخاوية لتعين لحظة الاقتحام . ليس هناك ما يمنعها من الأنقضاض على فريستها سوى كتب عارية ..نواميس ممزقة لا تحمي من وخز او لدغ او امتصاص ..الأقداح كانت ثملة الى حد لا يطاق .الأشعار نائمة كعادتها ..صدرها على الرف ملقي وعجزها في العراء ينتظر الأختراق ..الطفيليات تغير جلدها بمهارة تتلاعب في شواربها طولا وعرضا ..تتلمس الأشياء بدقة خارقة وقدرتها على الشم لا نظير لها .تتتبع أثار الكلاب والصراصر فتصطاد فريستها .فالبعوض المهاجر وان لم يكن قادرا على النطق – لا يخفي الأشارة الى الماء الأخضر الذي كان يرقص مساء فوق فقاعاته ولا ينسى الروائح النتنة التي كان يستنشقها كل يوم .الطفيليات المهاجرة لها خبرة في الاختفاء والظهور فقد دأبت على تنظيف شعرها الملوث وتغيير جلدها الطري والبعوض قادر على اخفاء أبرته وتغيير بزته .فمرة يطنطن حول فريسته ومرة يلوذ بالسكوت فيشرع في الهدم رويدا عند دخول البيوت يتبوء مكانا في الصدارة كي لا يموت ...فالاماكن المخترقة تمنح الطفيليات حلة جديدة تلائم الأجواء ولو لحين ...هكذا يسدل الستار على الماضي فيكون الشر خيرا .فيصبح المخبر فنانا والمرتد اديبا .تلك هي أضلاع المثلث وزواياه ...طفيليات تداعب كل الاوتار هروبا نحو الامام , نحو مقدمة الركب وقافلة الثقافة التي لم تتوقف عن المسير ان من لا يعرف تلك الكائنات لا يشك في نواياها ولا يتوجس من افعالها . لكن الواقع شيئ أخر لا تدركه الابصار , بل تلمسه العقول فليس هناك مقياس أخر أفضل من مقاييس الحياة التي ربما سترحم يوما المثقف الحقيقي بعد استلابه من قبضة الطفيليات المهاجرة التي لم تكف عن الحنين الى طعم الماء الأخضر الذي كانت تسبح فيه
د. مجيد القيسي برلين 18-8-2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - مزيج جميل ومعبر
الدكتور بارق محمد رضا شٌــبَّر ( 2010 / 8 / 18 - 11:51 )
شكراً للزميل مجيد القيسي على هذا المزيج الجميل من الرمزية والجمالية المعبّرة عن الواقع العراقي المرير


2 - ان المثقف العراقي سوف ينتصر
طارق عيسى طه ( 2010 / 8 / 18 - 22:48 )
اطمئن د مجيد بان هؤلاء اقلية ولو انها موجودة لكنها معروفة وعليها علامات استفهام العراقي لا يعبر عليه قرش قلب وسوف يتم تحجيم هذه الفئة الضالة وقريبا ان شاء الله


3 - رمضان كريم
علي القيسي ( 2010 / 8 / 19 - 12:02 )
نعم انه مقال في محله وفي وقته ولكم التقدير والاحترام
انه زمان الرويبضة وسقط المتاع
وجحيم المثقف العراقي المسكين وفارس القول الحق في الزمن الحراشي

اخر الافلام

.. بعد فوز فيلمها بمهرجان مالمو المخرجة شيرين مجدي دياب صعوبة ع


.. كلمة أخيرة - لقاء خاص مع الفنانة دينا الشربيني وحوار عن مشو




.. كلمة أخيرة - كواليس مشهد رقص دينا الشربيني في مسلسل كامل الع


.. دينا الشربيني: السينما دلوقتي مش بتكتب للنساء.. بيكون عندنا




.. كلمة أخيرة - سلمى أبو ضيف ومنى زكي.. شوف دينا الشربيني بتحب