الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


إبداع الأمم يُقاس بعدد منتّجي المعرفة لديها!

كريم الشريفي

2010 / 8 / 19
مواضيع وابحاث سياسية



الأبداع الفكري الذي ينتجهُ الأنسان مهما كان شكله، أو نوعه، أو طبيعة موضوعه هو بالمحصّلة نتاج لمعرفة ،وإنعكاس لثقافة، وترجمة لذهنية قادرة على الأضافة للتأريخ البشري وتطوره..لكن هذا الأبداع لايتبلور إلا توفرت له حواضن معملية تعتمد على ثقافة معرفية واعية يجدها المبدع في مؤسسات تعليمية رصينة ،ومعاهد فكرية متطورة، وأكاديميات علمية مرموقة تسقل هذه المواهب لتُتوج نتاجها ابداعياً بمؤلف علمي يمكن أن يضيف، أو مُنتج ادبي مبدع قد يطور، أو دراسة علمية ذات جدوى أو بحث اكاديمي ذو فائدة. لذلك معيار أي تطور ثقافي أو ابداعي في اي مجتمع هو مشروط بعدد المدارس والجامعات والأكادميات التي تؤهل وتسقل المواهب كونها المختبر الذي يكتشف المبدعين والأنتاج الأبداعي.أن المشهد الأبداعي في الدول المتطورة مشهود ومحسوس من خلال عدد القراء (متلقي المنتج الأبداعي)، وكمية الأنتاج الأبداعي .لذلك بسهولة تستدل الى هذه النتيجة عند مرورك بمحطات الحافلات،أو محطات انتظار المترو والقطرات ،أومقاعد الأستراحة في الحدائق ، بل حتى الغابات التي تحيط بالتجمعات السكانية ترى عدد كبير من حملة الكتب وهي مطرزة ومزركشة وملونة بتجليد يشجع على اقتنائها رغم مضمونها الأبداعي وكانها ظاهرة. حقيقة تجد في المجتمعات الأوربية الأكثر برودة في المناخ الذي يصل أحياناً الى 20 درجة تحت الصفر.. وفي جمهورية فنلندا حصراً لايخلوا يوم أو اسبوع عن اعلان في مجلة أو تلفزيون أو صحيفة عن الترويج للجديد من الأصدارات لعناوين كتب تم طبعها، أو عن عرض فني في صالة ، أو استعراض لفن راقص، أو عروض لمسرحية أو لأوبرا أو باليه تجد على الجدران مايشير للكتب الجديدة ناهيك عن الساحات العامة .. مايهمنا هنا انك تشعر بالسعادة على وجوه القراء وهم يهمون بقلب الصفحة أو الأشارة بلقم أو بقطعة ورق عندما يصل محطته أو مقصده ،وهذا المشهد يثير البهجة إذا كنت من محبي الثقافة ومن المهتمين بالمعرفة والقراءة .دفعني الفضول وأنا أرى صف طويل أمام محل لبيع الكتب في مركز العاصمة هلسنكي ..سألت بائعة الكتب في زحمة عملها عن طول هذا الصف .قالت لشراء كتاب جديد تم تأليفه في الأشهر الماضية وطبع منه 15 ألاف نسخة .تماديت بفضولي أكثر..وسألت هل هناك كتب جديدة طبعت بهذا العدد؟ قالت آسفه انا مشغولة لكن خذْ هذا الدليل وفيه المعلومات عن الكتب التي صدرت ! بالأضافة الى ماقرأته وجدت ان جمهورية فلندا أصدرت عام 2009 وحدها 13104 كتب بعناوين جديدة بينما عدد نفوس البلد 5 ملايين نسمة بينما سلطنة عُمان تقريباً نفس عدد السكان اصدرت 7 كتب فقط. لم أتملك نفسي من الدهشة والأنبهار عندما عرفت أن الفهرست يتحدث عن الدول جميعها وعدد اصداراتها وهو صادر عن منظمة اليونسكو.. وإذا بصاعقة الأرقام الموذية حيث وجدت جميع الدول العربية اصدرت في نفس السنة من 2009 ...000 ,16 الف عنوان بينما عدد نفوسها 290 مليون نسمة .. بينما تركيا وحدها اصدرت ضعف مايصدره العرب 31,412 وعدد نفوسهم 65 مليون نسمة. أما ايران لها 15,000 من الأصدارت وحدها .. نحن لانتحث عن انكلترا التي اصدرت في نفس الوقت 233,104 الف كتاب بينما مصر التي يتساوى تقريبا عدد نفوسها مع انكلترا اصدرت 2,225 كتاب! بل الأغرب من الغرابة عندما نجد مبدعين عرب أمثال الروائي نجيب محفوظ والمفكر محمد عابد الجابري والشاعر ادونيس لاتطبع كتبهم إلا بعدة مئات للطبعة الواحدة .نستشف من هذه المقارنة التي تبرهن مع شديد الأسف على هزالة وبؤس الوعي العربي ، وبالتالي برهان واضح على أُميتّنا في قيم المعرفة والثقافة .صحيح ان منتجي المعرفة لدينا أقل بكثير من جيراننا لكن وظروف المبدع العربي صعبة بسبب محاصرته بقيود حرية الرأي والتعبير .. لكن يبقى البون شاسع جداً مقارنة مع الآخرين. ان هذه المقارانات والفروق الكبيرة للأصدارات يضع مؤسساتنا الثقافية التي تدعي انها تهتم برعاية الأبداع والمبدعين وتغدق الجوائز التشجيعية شكلياً امام الكاميرات وبهرجة الأحتفال لكن الأصدار لايتجاوز اكثر من مئات النسخ . مهما كانت نسب الأمية العالية في مجتمعاتنا فأنه على الأقل ان يُباع اي اصدار جديد ببضعة آلاف من النسخ واذا قارنة بمعادلة بسيطة نجد عندنا 4% يقرأون الكتاب بينما في انكلترا 98% وهذا بون شاسع يحتاج الى عقود من الزمن لردم هذه الهوة من الأمية ..وترى 3% من اصل 4% تلهث على اقتناء الكتب التي تفتقر الى الأبداع ،الفكري والأنساني ودائماً تبحثون عن كتب الميثولوجيا، والهلوسات ، والسحر ،والشعوذة، والمؤثرات الموروثة ، وأفعال الشياطين والخزعبلات .. ان مثل هذا النشاط من الكتب يلقى رواجاً كونه سهل ولايحتاج الى جهد فكري للتحليل لان مثل هذا النتاج يّقر بالمسلمات الغيبية العائدة الى عصور الظلام والى الوثنية وسحر القبائل ..ان اقبال الشباب على مثل هذه الكتب هي بمثابة غفلة تعفي عقولهم من اتأمل والأبداع.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - حقائق مذهلة
سراب علي ( 2010 / 8 / 19 - 10:59 )
سيدي الكاتب ... ان تناولك لموضوع بهذه الأهمية يدعو للفخر ويشجع على القراءة بكل تأكيد. ان ما اوردته من الأحصاءات والأرقام قد يكون عامل يساعد على الآلتفات من قبل الجهات المسؤولة لتعطي اهتماماُ مضاف الى اعمال المبدعين العرب .

اخر الافلام

.. الجيش الإسرائيلي يسيطر على الجانب الفلسطيني من معبر رفح بين


.. بوتين: كيف ستكون ولايته الخامسة؟ • فرانس 24 / FRANCE 24




.. وزير الدفاع الإسرائيلي يهدد -بتعميق- الهجوم على رفح


.. أمال الفلسطينيين بوقف إطلاق النار تبخرت بأقل من ساعة.. فما ه




.. بوتين يوجه باستخدام النووي قرب أوكرانيا .. والكرملين يوضح ال