الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


اين فرضية تاسيس دولة القانون والديمقراطية في العراق ؟

عبد المنعم عنوز

2010 / 8 / 19
دراسات وابحاث قانونية



د. عبد المنعم عنوز
دكتوراه في القانون – فرنسا

يراقب المواطن العراقي حائرا حجم التناقضات وطبيعتها التي تعصف بمسار فرضية بناء دولة القانون والديمقراطية التي تأملنا رؤية تحققها لان فيها وبها يضع الانسان العراقي حدا نهائيا لمعاناته التي زامنت حقبة الرعب الدائم الذي طغى على جميع جزئيات حياته قبل 2003. لقد اردنا لهذه الدولة من ناحية اخرى ان تبني وترعى خصائص وجودها الجوهرية وتنشأ اركانها الاساسية الصحيحة كي تتمكن من ان تتجانس و تتعانق مع واقع وتطورديمقراطيات اخرى في المجتمع الدولي، ولكي ترقى هذه الدولة المرتقبة في حضارتها ومن خلال مؤسساتها الى مكانتها الملائمة وتتفاعل بموضوعية مع تطورات العصر.

نتحدث دائما ، قانونيون ومحللون سياسيون ، ونراقب عن قرب ازمة تأخير تشكيل الحكومة الجديدة، وكأن الامر في هذه الازمة يقتصرفقط على تاخرتشكيل السلطة التنفيذية .ان في عملية بناء الدولة الديمقراطية الحديثة ينبغي علينا ايضا ان نفكر مليا بالخطورة جسيمة النتائج عند غياب السلطة الرقابية والتشريعية الفعلية.
اذن كيف تبنى الديمقراطيات مؤسساتها القانونية بغياب السلطتين التنفيذية والتشريعية معا في آن واحد ؟ وفي اي الظروف يتحتم عليهما ان يمضيان جنبا لجنب لتوفير شروط البناء القانوني والديمقراطي للدولة ؟
منذ تاريخ اجراء الانتخابات التي مضى عليها اكثر من خمسة اشهر، و يضاف عليها فترة الاعداد والدعاية الانتخابية لاكثر من شهر ايضا حيث توقف عندها فعليا عمل البرلمان ، نلاحظ ان الدولة العراقية تخضع لقاعدة الحكم مع وقف التنفيذ الذي شمل جميع مكونات ومعايير نشأتها، أو توفير آليات التقدم اللازمة في بناء مقوماتها الجوهرية وفي جميع الميادين السياسية والاقتصادية والاجتماعية وكذلك العلاقات الدولية.... وغيرها.
اذا نظرنا اولا الى السلطة التشريعية ، فهل يتوقف وجود البرلمان على مجرد اختيار أعضائه دون ان تمارس هذه النيابة دورها في الرقابة والتشريع لقواعد مستلزمات بناء الدولة ؟ الا نجد ان لفترة ستة اشهر مضت لم يترشح عن السلطة التشريعية اي تقنين او تعديل لتشريع سابق نجعله يتطابق مع حاجات الدولة الآنية ؟ وكيف تمارس هذه السلطة الرقابة على اعمال السلطة التنفيذية بغض النظر عن طبيعة وحدود صلاحيات هذه الاخيرة ، وان هذه السلطة النيابية مشلولة الصلاحيات التنظيمية وانعدام تشكيل اللجان الرقابية المتخصصة؟ وطبقا لهذا الواقع ، من يتحمل المسئولية امام المواطن والوطن ؟ فهل هم النواب الجدد الذين حرصوا فقط على توثيق اجراءات المباشرة الشكلية دون الحرص على اداء وممارسة واجباتهم الفعلية ؟ أو يمكن توجيه المسئولية التقصيرية لقضاء المحكمة الاتحادية الذي لم يتدخل عملا بمبدأ المنفعة الوطنية العليا ويتخذ القرار اللازم كي يضع حدا لتعطيل العمل باحكام الدستور ؟ ام هم السياسيون اللذين فرضوا هذا الواقع الغير منتهي لحد الآن من خلال صراع الارادات الذاتية ومنافع الكتل المتنافره ؟
وهنا لابد ان نسأل بهذه المناسبة عن الجدوى الفعلية في ان يتم انتخاب المرشح لمجلس النواب في قوائم مقفلة ومعدة مسبقا من الكتل السياسية ، أو عندما يحصل الاختيار على قاعدة الترشيح الانفرادي المستقل كما حصل في هذه الدورة الانتخابية . فعندما لن يكن لهؤلاء النواب الجدد الاستقلالية في اتخاذ الموقف الذاتي أو الاعتراض على ما يجري من تعطيل اداء رسالتهم النيابية التي منحها لهم المواطن ، فبأي اتجاه يسير بناء الدولة العراقية ؟
لربما هذه الاسباب وغيرها هي التي يتوقف عندها البعض ممن يهمه ان يرى ضرورة وضع نهاية لهذه الفوضى السياسية والقانونية وما سينتج عنها من آثار سلبية يصعب تقدير اضرارها . وهذا ما دفع الدكتورة مها الدوري عند دعوتها بان على النواب الجدد ان يأخذوا دورهم الحقيقي كما عهد لهم، و( ان يكون لهم دور فاعل وموقف قوي في إيقاف المتلاعبين بمصير العراق وشعبه عند حدهم ،وان لايسمحوا بان يكون البرلمان الحالي نسخة اخرى من البرلمان السابق ، اذا لم يكن نسخة اسوأ ، بسبب تسييره وفقا لما تشتهيه مصالح بعض الاحزاب المتنفذة) .


ان فرضية تاسيس دولة القانون والديمقراطية تستلزم ايضا ان تتمتع الدولة بمنهاج عمل حكومي واقعي وقابل للتطور والتكيف مع حاجات الناس والوطن. فهل يتحقق ذلك في الدورة الانتخابية الحالية التي لم تبدأ لحد الآن ؟
ان الدولة العراقية طوال هذه الفترة التي تشهد الازمة السياسية، نجدها لاتتمتع بآليات السلطة التنفيذية كاملة الاهلية. وان حالة الترقب والقلق الدائم في اداء الواجبات لدى قيادات السلطة التنفيذية على مدى هذه الفترة، بسبب غياب المنهج الجديد للحكومة الجديدة ، يجعل شروط بناء الدولة للمرحلة القادمة غير مؤكدة لانها غير معلومة المعايير والقواعد. ويعلم الجميع مدى اهمية وضع برنامج قادرعلى تحسين الحال العام لمكونات الدولة العراقية . يجب ان يكون منهجا ثريا بالقواعد والاحكام في التنفيذ الفعلي للمشاريع وخاصة تلك التي تتطلب نمطا متقدما من شروط عمل جديدة لمرافق الدولة بسبب وضعها المتخلف والمترهل . ويتقدم على كل ذلك برنامج عمل يعني بدراسة المجتمع العراقي وتوفير آليات النهوض بخصائصه المعاشية والثقافية وجعلها تتجه بمسار وطني موحد يؤمن للجميع قدرا كبيرا من التضامن والتجانس.
ان البحث عن هذه المعايير التي يوفرها البرنامج الحكومي القادم بعد انتهاء الازمة لم يولد بعد. وفي هذا الواقع الحقيقي يصعب على الدولة التفاؤل في النهوض بمكوناتها التي تريد لها ان ترقى بمصاف دول العصرفي التقدم التقني وفي النهوض بحقوق الفرد العراقي الاساسية على اقل تقدير.
من المباديء الاساسية في بناء الدول الديمقراطية هو ان تعلم الدولة مضمون البرنامج الذي يؤمن صيانة وتطورمكوناتها. وكما قلنا انه لحد الآن لم يتوفر ذلك بسبب عدم قدرة جهة واحدة يمكن ان تتبنى هذه الدولة برنامجها وتعتمده في بناء ذاتها وفلسفتها. فمن المعلوم ان الكتلة الاكبر عددا في البرلمان كما نص عليها الدستور الجديد لعام 2005 تتكون من مجاميع متعددة يمتلك كل منها برنامج خاص به، وهي التي يراد منها ان تكون حكومة المشاركة الوطنية. فما هي نوع وطبيعة القواعد والاحكام التي تشكل القاسم المشترك لعملها ؟ ومن هي الجهة التنفيذية التي ستتولى تنفيذها دون ان تحصل الاعتراضات هنا وهنالك من الاطراف المشاركة في هذه الكتلة الواسعة ؟ ونحن نؤكد دائما بان سلطات رئيس الحكومة ينبغي ان تتمتع بالاستقلالية في الاداء والرقابة على اعضاء حكومته حتى يمكن ان نحمله المسئولية عند الاخفاق في التنفيذ. فمن العرف الديمقراطي ان يتمتع رئيس الحكومة بآليات بشرية ومادية تمكنه من انجاز مشروعه الوزاري . ومن اهم معايير نجاح اداء الحكومة هي حرية رئيسها بانتقاء اعضاء حكومته وباستقلالية تامة لاجل صحة تنفيذ منهاجه الوزاري. ومن اجل ذلك فانه يعمل على تفعيل معيار الكفاءات المناسبة عند اختيار اعضاء حكومته لتفادي الضرر السياسي والاجتماعي والاقتصادي والامني لسلطة الدولة.
نحن نخشى في اداء الحكومة القادم تدخل الكتل المؤتلفة بعمل السلطة التنفيذية من خلال ممثليها. وبدون شك فان مثل هذا الافتراض الذي نتمنى الابتعاد عنه سيفقدها امكانية اداء واجباتها كما ذكرنا اعلاه.
ان غياب البرنامج الوزاري الموحد، ومع الصلاحيات المقيدة لرئيس الحكومة ، وكذلك تعدد مضامين الافكارالسياسية والاجتماعية للكتل المشاركة في قيادة السلطة التنفيذية، لابد ان تعطل اليات التنفيذ وتعرقل المسار في الاتجاه الصحيح لبناء دولة القانون والديمقراطية، كما هو الحال الذي رافق الدورة الانتخابية السابقة.
انتهى بعون الله . 19 آب 2010
د. عبد المنعم عنوز








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. الحكومة البريطانية تلاحق طالبي اللجوء لترحيلهم إلى رواندا


.. هل كانت المثلية موجودة في الثقافات العربية؟ | ببساطة مع 3




.. Saudi Arabia’s authorities must immediately and unconditiona


.. اعتقال 300 شخص في جامعة كولومبيا الأمريكية من المؤيدين للفلس




.. ماذا أضافت زيارة بلينكن السابعة لإسرائيل لصفقة التبادل وملف