الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


في وداع الشاعر الوزير غازي القصيبي

أسرار الجراح

2010 / 8 / 20
الادب والفن




قل لها .. إنه تأمَّل في دنياه حـيـناً فـعاد يحضنُ دمعه
راعه أنَّ عمره يتلاشى مثل ما تُخمد الأعاصير شمعةْ
وصباه يضيع منه كما ضاع نداء تطوي المتاهات رجعه
قل لها إنّه يفيق على جرح وتغفو سنينه فـوق لوعهْ

قلائل هم الشعراء الذين حملوا لقب الوزير، لعل أقدمهم الشاعر الأندلسي الشهير ابن زيدون عاشق ولادة وصاحب القصائد التي تفيض رقة، وفي عصر النهضة حمل هذا اللقب رب السيف والقلم محمود سامي البارودي رائد النهضة التي استعادت روح الشعر بعد فترة الموات التي مر بها في العصرين المملوكي والعثماني والذي لم يكتف بحمل لقب الوزير بل تعداه ليصبح رئيسا للوزراء، وكان الشاعر المصري الدكتور أحمد هيكل ممن حملوا هذا اللقب أيضا بعد توليه وزارة الثقافة المصرية .
لكن غازي القصيبي كان الأكثر شهرة في العصر الحديث بين الشعراء الوزراء لما تتمتع به شخصيته من صفات التواضع والكرم والترحات وخفة الدم، مما أضفى عليه غلالة شفافة من المحبة تجاه كل من التقاه .
ولد القصيبي في الثاني من مارس عام 1940، وارتحل إلى القاهرة لينتظم في صفوف الدراسة الجامعية حيث حصل على ليسانس الحقوق من جامعة القاهرة، وفي جامعة جنوب كاليفورنيا نال درجة الماجستير في العلاقات الدولية، بعدها انتقل إلى لندن ليحصل على إجازة الدكتوراة عرسالته عن " اليمن "، ليحقق حلمه التعليمي في الحصول على أعلى الدرجات العلمية، ويحقق حلمه الحياتي في التجوال في بلدان العالم المختلفة فمن البحرين إلى مصر إلى الدول الغربية، يرى ويختزن ويعيش تجارب جديدة ويصادق أناسا مختلفين مما سيكون له أكبر الأثر على رواياته وشعره ونثره فيما بعد .
بعد عودته للمملكة العربية السعودية ابتدأ حياته الوظيفية عام 1965 أستاذا مساعدا بكلية التجارة جامعة الملك سعود حتى وصل لمنصب عميد كلية العلوم الإدارية عام 1971 وهو في الثلاثين من عمره، بعدها ابتدأ صفحة أخرى في حياته السياسية حيث عين وهو في السادسة والثلاثين من عمره وزيرا للصناعة والكهرباء عام 1976، ثم وزيرا للصحة عام 1982، إلى أن صدر قرار بعمله سفير للمملكة في البحرين عام 1984، ثم سفيرا في بريطانيا عام 1992، ليعود بعد ذلك لوطنه متقلدا منصب وزير للمياه والكهرباء عام 2002 وفي عام 2005 يعين وزيرا للعمل وهو آخر ما تقلده من مناصب .
أما حياته الإبداعية فقد كانت ثرية ومتعددة فقد كتب القصيبي المقالة والرواية والشعر ومن أبرز رواياته " شقة الحرية " التي كتبها عن تجربته بالقاهرة عندما يدرس الحقوق وله غيرها " العصفورية " و " أبو شلاخ البرمائي " و دنسكو " و " سعادة السفير "، أما دواوينه الشعرية فهي " أشعار من جزائر اللؤلؤ " و " حديقة الغروب " و " معركة بلا راية " و " للشهداء "، أما أكثر كتبه شهرة فهو كتابه الهام " حياة في الإدارة " الذي يعد بحق مرجعا أساسيا لعلم الإدارة والذي يشير إليه كمرجع هام كثير من الدارسين والباحثين في علم الإدارة .
ونظرا لدوره الريادي في الخليج العربي على الصعيدين الدبلوماسي والأدبي فقد منحته دولة الكويت " وسام الكويت ذو الوشاح من الطبقة الممتازة " عام 1992، كما منح وسام الملك عبد العزيز وغيرها من الأوسمة والجوائز والشهادات التكريمية والتقديرية .
وقد أصابته العلة في أخريات حياته، حيث أصيب بسرطان في القولون مما تسبب في نحول جسده بشكل جلي حيث فقد قرابة الخمسين كيلو جراما من جسمه وكانت معاناته مع المرض شديدة الوقع على شاعر مرهف مثله، مما دعاه لأن يقوم برثاء نفسه بقصيدة تفيض ألما كما تفيض إيمانا ويقينا، يقول فيها :
خمسٌ وستُونَ.. في أجفان إعصارِ
أما سئمتَ ارتحالاً أيّها الساري؟
أما مللتَ من الأسفارِ.. ما هدأت
إلا وألقتك في وعثاءِ أسفار؟
أما تَعِبتَ من الأعداءِ.. مَا برحوا
يحاورونكَ بالكبريتِ والنارِ
والصحبُ؟ أين رفاقُ العمرِ؟ هل بَقِيَتْ
سوى ثُمالةِ أيامٍ.. وتذكارِ
بلى! اكتفيتُ.. وأضناني السرى! وشكا
قلبي العناءَ!... ولكن تلك أقداري
أيا رفيقةَ دربي!.. لو لديّ سوى
عمري.. لقلتُ: فدى عينيكِ أعماري
أحببتني.. وشبابي في فتوّتهِ
وما تغيّرتِ.. والأوجاعُ سُمّاري
ماذا أقولُ؟ وددتُ البحرَ قافيتي
والغيم محبرتي.. والأفقَ أشعاري
إنْ ساءلوكِ فقولي: كان يعشقني
بكلِّ ما فيهِ من عُنفٍ.. وإصرار
وكان يأوي إلى قلبي.. ويسكنه
وكان يحمل في أضلاعهِ داري
يا عالم الغيبِ! ذنبي أنتَ تعرفُه
وأنت تعلمُ إعلاني.. وإسراري
وأنتَ أدرى بإيمانٍ مننتَ به
علي.. ما خدشته كل أوزاري
أحببتُ لقياكَ.. حسن الظن يشفع لي
أيرتُجَى العفو إلاّ عند غفَّارِ؟

لقد فقدنا برحيله واحدا من أكثر شعراء عصره رقة وصفاء وعذوبة ورومانسية، رحمه الله رحمة واسعة .




أسرار الجراح








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ماأروع الوفاء والإخلاص
حسنين قيراط ( 2010 / 8 / 21 - 22:32 )
الرائعة أسرار الجراح
بعد التحية والسلام
قرأت مقالك أكثر من مرة، وزلزلتني (كان يأوي إلى قلبي.. ويسكنه
وكان يحمل في أضلاعهِ داري
رحم الله الإنسان غازي القصيبي ورزقه رضاه والجنة

اخر الافلام

.. ملتقى دولي في الجزاي?ر حول الموسيقى الكلاسيكية بعد تراجع مكا


.. فنانون مهاجرون يشيّدون جسورا للتواصل مع ثقافاتهم الا?صلية




.. ظافر العابدين يحتفل بعرض فيلمه ا?نف وثلاث عيون في مهرجان مال


.. بيبه عمي حماده بيبه بيبه?? فرقة فلكلوريتا مع منى الشاذلي




.. ميتا أشوفك أشوفك ياقلبي مبسوط?? انبسطوا مع فرقة فلكلوريتا