الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


صعود القوى الإقليمية وحروب منطقة الشرق الأوسط

محمد سيد رصاص

2010 / 8 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


أصبح الغرب الأوروبي (ثم الغرب الأميركي بعد عام1945)منذ حملة نابليون بونابرت على مصر عام1798عاملاً فاعلاً(إذا لم يكن الأكثر فاعلية)في تقرير مسارات منطقة الشرق الأوسط.لم يقتصر ذلك على ادخال المنطقة في مسارات مفروضة من خارجها(مثل اتفاقية سايكس -بيكو،ووعد بلفور)وإنما امتد هذا إلى منع الغرب لمسارات ذاتية قادت إليها العوامل الداخلية في هذا البلد أوذاك أوفي عموم المنطقة ،متجسدة في نمو القوة الإقليمية لبلد معين لأبعد من حدوده الجغرافية ليصل للتأثير والتقرير لمسارات عموم المنطقة ، والتي سمَاها الجنرال ديغول يوماً بأنها"قلب العالم".
أدت محاولات الغرب لمنع هذه المسارات إلى حروب،أوأخذت شكل الحرب،فيماكان استخدام الغرب لوسائل أخرى،مثل تنظيم الإنقلاب العسكري لمنع مسارات داخلية غير مرغوبة كان يمكن أن تؤدي لنمو قوة البلد الإقليمية (أوللتأثير على الإقليم) كماحصل من واشنطن ضد رئيس الوزراء الايراني محمد مصدِق في آب1953 بعد تأميمه لشركة النفط الإنكليزية- الفارسية للنفط في أيار1951،مؤدياً إلى تفادي الحرب.
في حالات أخرى ، كانت الحرب هي الوسيلة الوحيدة عند الغرب: نجد هذا أولاً في الحالة المصرية التي جسدَها محمد علي باشا(1805-1849).في البداية،كان نمو قوة الباشا المصري،الألباني الأصل والذي عُيِن حاكماً على مصر بموافقة السلطان العثماني ورضا ضمني من باريس ولندن،تحت المظلة العثمانية وتحت ظلال الإنشغال الأوروبي بالحروب النابليونية(1805-1815)وآثارها هناك،وهوماجعله يقوم بمهام لصالح العثمانيين ضد الوهابيين(1811-1818)،وفي السودان(1821)اسمياً لصالح استانبول وفعلياً للقاهرة،وضد الثورة اليونانية على العثمانيين(1821-1829).كانت سيطرة محمد علي باشا على بلاد الشام ووصوله إلى مدينة كوتاهية على بعد250كم من استانبول بعد هزيمته للجيوش العثمانية بين حزيران1832وشباط1833مؤدية إلى انقلاب المعادلات جميعاً اقليمياً ودولياً.كان أخذ لندن لموقف"الإنتظار والترقب"من1832إلى1839يعاكسه ويقلقله عند البريطانيين التأييد الفرنسي للباشا المصري ثم إلى درجة أبعد من هذا ارتماء السلطان في أحضان الروس في أوائل عام1833لدرجة قبوله بمرابطة الأسطول الروسي في البوسفور أثناء اقتراب المصريين من هناك ثم توقيعه معاهدة8تموز1833التي تعهد فيها السلطان بإغلاق الدردنيل أمام كل الأساطيل ماعدا الروسي. كان توقيع السلطان العثماني مع لندن لمعاهدة "انهاء الإحتكارات والإلتزامات في عموم الدولة العثمانية"بعام1838مؤدياً إلى انهاء "الإنتظار والترقب"البريطاني وحسم لندن للأمور ضد الباشا المصري وخاصة بعد هزيمته ثانية للقوات العثمانية بالعام التالي في(معركة نزب).كانت هذه السحب هي المؤدية إلى تشكيل مناخات حرب1840البادئة بإنزال القوات البريطانية-العثمانية-النمساوية عند سواحل بيروت وجونية وجبيل في يوم29آب.تجمعت هذه السحب في معاهدة15تموز1840بين انكلترا وروسيا والنمسا وبروسيا مع العثمانيين المؤكدة على توطيد"الإمبراطورية العثمانية"وماعناه هذا من انقلاب الموازين الدولية لغير صالح المصريين.بعد أربعة أشهر من الحرب ضد الباشا المصري في عموم بلاد الشام أتت معاهدة لندن في 13تموز1841لكي لاتكتفي فقط في حصر محمد علي باشا وسلالته بمصر وتحجيم عدد وأسلحة الجيش المصري وإنما أيضاً بسريان معاهدة1838على مصر(بكل مايعنيه من فتح مصر أمام البضائع الأجنبية وانهاء احتكار محمد علي باشا للصناعة) و في المستوى الدولي أخذت لندن مكسباً بإلغاء معاهدة8تموز1833 كماهو منصوص عليه في معاهدة1841.
تكررت حالة محمد علي باشا مع جمال عبد الناصر:لم يكن مشروع ثورة23يوليو1952يتجاوز ذلك الصباح الحدود المصرية،وقد قدم القادة العسكريون الجدد تنازلاً مهماً، لم يفعله أي حاكم مصري سابق منذ محمد علي باشا ،بالتنازل عن السودان في اتفاقية12مارس1953للوصول إلى اتفاقية19أوكتوبر1954المنظمة لجلاء القوات البريطانية عن منطقة السويس.استغل ضباط23يوليو أيضاً الشقوق في علاقة لندن وواشنطن للوصول إلى هذه الإتفاقية،والتي قوَت وضعهم الداخلي وهو مادفعهم بعد أسبوع منها لضرب وتصفية منافسهم الداخلي المتبقي الوحيد ممثلاً في(جماعة الإخوان المسلمين). شعرت لندن منذ ذلك اليوم الذي وقعت فيه(اتفاقية الجلاء)بالعداء للحكام المصريين الجدد،لذلك اتجهت إلى أسلوب احتوائهم عبرالمحيط الإقليمي لتحجيمهم ومحاصرتهم،متبعة طريق انشاء(حلف بغداد)في يوم25شباط1955،وهو أمر لايمكن فصله عن هجوم يوم28شباط الإسرائيلي على القوات المصرية في قطاع غزة. أخذت واشنطن طريقاً آخر لإحتواء حكام القاهرة:عرض وزير الخارجية الأميركي فوستر دالاس على عبد الناصر أثناء لقائهما بالقاهرة يوم11أيار1955"دوراً مصرياً محورياً في خطط دفاع العالم الحر عن الشرق الأوسط ضد الإختراق الشيوعي"مقابل تسليح الجيش المصري والمشاركة في مشروع بناء السد العالي مع خطة ل"سلام اسرائيلي- مصري". كان تفكير عبد الناصر في مسار معاكس لماطرحه دالاس منذ ذهابه قبل أسابيع من ذلك اللقاء إلى مؤتمر باندونغ،وماأتاحه أمامه للعب بأوراق دولية غير شقوق واشنطن ولندن،كماأن قيام (حلف بغداد ) قد جعله يبذل الكثير من أجل استمالة دمشق إلى الصف المصري ضد هاشميي العراق.لذلك كان اعلانه في يوم27أيلول 55عن صفقة الأسلحة التشيكية لمصر قلباً للطاولة على رؤوس واشنطن ،وهوماترافق بعد ثلاثة أسابيع مع"حلف عسكري مصري-سوري"انضم له الأردن في أيار56بعد شهرين من إقالة غلوب باشا من قيادة الجيش الأردني ماكان عملياً يعني افراغاً ل(حلف بغداد)من محتواه وضربة للندن وبغداد وفي الوقت نفسه أشعر إسرائيل بالخطر وأزعج باريس التي كانت تستشعر حجم الدعم المصري لثورة الجزائر.من هنا كان العرض الأميركي –البريطاني في يوم141255لبناء السد العالي عرضاً أتى في الوقت الضائع وفي خارج السياق بين (الدولي)و(الإقليمي)المتجهان إلى الصدام،وإن كان عجَل في هذا الصدام لماكان سحب فوستر دالاس للعرض في 19تموز1956مؤدياً إلى تجمع سحب وغيوم حرب29تشرين أول 1956الثلاثية على مصر من خلال قرارعبدالناصر في 26تموز1956بتأميم شركة قناة السويس.
أدت حرب 1956إلى انتصار سياسي كبير لعبدالناصر وإلى نمو قوته الإقليمية. كان صدامه مع الشيوعيين السوريين- المصريين عام1958ومعهم عبد الكريم قاسم المدعوم من الشيوعيين العراقيين مؤدياً إلى توتر مع موسكو واقتراب واشنطن منه حتى نهاية عهد جون كينيدي(22تشرين الثاني63).خلال شهر أيار1964عادت العلاقات المصرية السوفياتية إلى مجرى1955-1957وفي شباط 1964تم انشاء الحلف الإستراتيجي الإسرائيلي- الأميركي أثناء زيارة ليفي أشكول لواشنطن. حدث هذا في ظل توتر دولي كبير بين واشنطن وموسكو عشية نشوب الحرب الفيتنامية مع حادثة خليج تونكين بآب1964،وفي ظل توتر اقليمي قاد "إلى حرب باردة عربية" أثناء حرب اليمن. أدى هذا الجو إلى بداية الصدام بين واشنطن والقاهرة منذ أيار1965.تصاعد هذا التوتر مع اتفاقية41166العسكرية بين القاهرة ودمشق.في النصف الأول من عام1967كان هناك سحب وغيوم لحرب كان من الواضح أنها موجهة أساساً ضد قوة اقليمية أصبحت ذات نفوذ لايمكن احتواءه بدون حرب.هكذا كانت حرب5حزيران حرباً اسرائيلية على مصر عبدالناصر بالوكالة (مع دوافع اسرائيلية ذاتية)ولكنها أميركية بالأصالة.
أليس وضع مابعد حرب1956-1966(وشباط1833- تموز1840) شبيهاً بوضع مابعد حرب2006-2010؟.........








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - متى واين ستكون الضربة
سعد السعيدي ( 2010 / 8 / 20 - 13:24 )
موضوع شيق جدآ حيث يبدو وكأنه مستل من محاضرة لاجتماع للامن القومي لاية دولة من منطقتنا.
حول الموضوع نفسه من المؤكد ان ثمة ما يهيأ له للاكتمال قبل الانسحاب الامريكي الكامل من العراق. واحتمال ان تتراوح فترة التوقيت ما بين نهاية شهر آب اغسطس الحالي موعد اكتمال انسحاب القوات الامريكية الجزئي من العراق ونهاية العام القادم حيث الانسحاب الكامل. في هذه الفترة الزمنية يتوجب اعادة ترتيب الشرق الاوسط امريكيآ بضربة في لبنان او ضربة في ايران ـ او في كليهما معآ.

شكرآ للكاتب على هذا المقال


2 - دراسة استراتيجية قيمة
سامي المصري ( 2010 / 8 / 21 - 07:48 )
موضوع سياسي غاية في العمق والدراسة الجادة المحترمة بعيدا عن الجهل العروبي الذي يحمل عبد الناصر مسئولية 67 دون أي اعتبار لنوايا الاستعمار وقواه المتعددة وأطماعه في المنطقة. إن تصور عبد الناصر قوة لا تقهر وتحميله المسئولية كاملة شكل من السذاجة مع الجهل الشديد بطبيعة الأمور؛
أشكر الكاتب المحترم وأحييه على هذه الدراسة القيمة؛

اخر الافلام

.. لحظة سقوط صاروخ أطلق من جنوب لبنان في محيط مستوطنة بنيامين ق


.. إعلام سوري: هجوم عنيف بطائرات مسيرة انتحارية على قاعدة للقوا




.. أبرز قادة حزب الله اللبناني الذين اغتالتهم إسرائيل


.. ما موقف محور المقاومة الذي تقوده إيران من المشهد التصعيدي في




.. فيما لم ترد طهران على اغتيال هنية.. هل سترد إيران على مقتل ن