الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


حكومة »الإظلام التام«.. والموت الزؤام!

سعد هجرس

2010 / 8 / 20
مواضيع وابحاث سياسية


لا أري سببا واحدا يبرر بقاء هذه الحكومة التي تقدم كل يوم دليلا علي فشلها في القيام بأبسط واجبات الحكم.
والأدهي والأمر.. أنها رغم هذا العجز المخزي في الاضطلاع بمسئولياتها الأساسية لا تكف عن التفاخر بـ »إنجازاتها« والتدليل علي هذه النجاحات باستطلاعات رأي محلية وشهادات مؤسسات أجنبية.
بينما الواقع يحكي لنا قصة أخري تماما.
صحيح أن هناك مؤشرات إحصائية علي تحسن الاقتصاد الكلي، وصحيح أن هناك مشروعات مختلفة تم إنجازها، وصحيح أن الأوضاع في مصر أفضل من الأوضاع في الصومال (مثلا).. لكن كل هذا لا يبرر عجز الحكومة عن مواجهة مشكلة مثل انقطاع التيار الكهربائي عن عدد من المحافظات دفعة واحدة، وبما في ذلك العاصمة ذاتها في وقت تقول فيه تقارير الحكومة ذاتها أنها تقوم بتصدير الكهرباء إلي دول أخري، الأمر الذي يوحي بأننا ننعم بـ »فائض« من الطاقة الكهربائية بينما يقول لنا الإظلام المتكرر لكبريات المدن المصرية، ناهيك عن مئات وآلاف القري، شيئا آخر تماما.
وليست الكهرباء هي مظهر العجز الوحيد لحكومة أحمد نظيف.. فهناك أيضا الانقطاع المتكرر لمياه الشرب عن ملايين الصائمين، وغير الصائمين..
الأمر الذي يطرح سؤالا حائرا عن مليارات الجنيهات التي دفعها الشعب المصري من اللحم الحي ثمنا لمشروعات البنية التحتية التي تباهت الحكومة بإنجازها في السنوات الماضية.. وقبل انتهاء ربع العمر الافتراضي لهذه الشبكات التي تم شق باطن الأرض من أجل دفنها داخلها انفجرت المواسير واختلطت مياه الشرب بمياه الصرف الصحي!
ناهيك عن العجز المزمن في تلبية الاحتياجات الأساسية للمواطن المصري من التعليم بالحد الأدني من الجودة والكفاءة، حتي أصبح التعليم لدينا فضرب الأمثال في التخلف عن روح العصر والبعد عن احتياجات المجتمع والتنمية.
فضلا عن وصمة الأمية الأبجدية التي مازال نحو أربعين في المائة من المصريين يرسفون في أغلالها، في عصر أصبح يعتبر من يجهل المهارات الأساسية للكمبيوتر أميا بكل في الكلمة من معني.
ورغم أن حكومة الدكتور نظيف تتفاخر بأنها حكومة »ذكية« و»ديجيتال« وأن رئيسها وعددا ليس قليلا من وزرائه جاءوا من العصر الرقمي والثورة المعلوماتية وثورة الاتصال.. فإنها لا تجد تناقضا بين هذه الخلفية الرقمية وبين استمرار ـ بل وتزايد ـ معدلات الأمية الأبجدية بهذا النحو المخجل، رغم أن القاصي والداني يعلم أن معظم التشوهات والاختلالات التي نعاني منها في مجالات السياسة والاقتصاد والثقافة والقضايا الاجتماعية تعود جذورها إلي الأمية وفساد نظام التعليم.
فإذا أضفنا إلي ذلك معاناة ملايين المصريين من أجل الحصول علي الحد الأدني من الرعاية الصحية، بعد معاناتهم من الدروس الخصوصية ومعاناتهم اليومية في الانتقال ووسائل المواصلات العامة المتهالكة والمزدحمة وغير الآدمية، ومعاناتهم في الجري جري الوحوش من أجل الحصول علي لقمة العيش في ظل جنون الأسعار الذي لا يتوقف وتدني الأجور، وفي ظل غياب رقابة الحكومة علي الأسواق وعجزها عن كبح جماح الممارسات الاحتكارية التي أصبحت سيدة الموقف.. بعد ذلك كله، يصبح من حق الرأي العام أن يتساءل عن مبرر واحد لاستمرار هذه الحكومة.
وليس المطلوب الآن مجرد تغيير أشخاص بحيث يذهب عمرو ويأتي زيد أو يذهب نظيف ويأتي فلان أو علان ليسير في نفس طريق سلفه ويواصل نفس السياسات التي أوصلتنا إلي هذا الوضع.
المطلوب ـ بالأحري ـ تغيير حقيقي في السياسات.
وتغيير السياسات ـ بعد أن وصلت الأمور إلي ما وصلت إليه خاصة مع استفحال شوكة مؤسسة الفساد التي أصبحت أقوي مؤسسة في مصر ـ يعني إعادة نظر شاملة في أسس العقد الاجتماعي القائم، واستبداله بعقد اجتماعي جديد برؤية مستقبلية لهذا الوطن في ظل عالم يتغير بشدة بتأثير ثالث ثورة عرفتها البشرية بعد ثورة الزراعة وثورة الصناعة، وهي ثورة المعلومات وفي ظل إقليم تتغير ملامحه وخرائطه بصورة غير مسبوقة ـ علي النحو الذي نري مقدماته في السودان والعراق وفلسطين ـ وكذلك في ظل تغيرات كونية تؤثر علي المناخ في العالم بأسره، وسيكون لمصر ـ هي ودول »الدلتات« الخصيب الأكبر من الآثار السلبية المدمرة التي يمكن أن تصل إلي إغراق ربع الدلتا بكل ما يترتب علي ذلك من نتائج وتداعيات تراجيدية.
كل هذه المعطيات المخيفة تدفعنا دفعا إلي التعامل مع تحديات الحاضر والمستقبل بعقلية أخري، تختلف اختلافا جذريا عن عقلية الحكومة الحالية.
نحتاج في مواجهة هذه التحديات غير المسبوقة حكومة جديدة تنتهج سياسات جديدة يكون من شأنها إنهاء الخصومة والخصام مع الحكوميين الذين قدمت الأغلبية الساحقة منهم استقالتها من المشاركة والاهتمام بالشأن العام، ولم يعد ممكنا التفكير مجرد التفكير ـ في تنمية حقيقية، ناهيك عن مواجهة ناجحة لجبال التحديات المحلية والإقليمية والدولية المشار إليها دون وضع حد لهذا العزوف التاريخي للمصريين عن المشاركة في صنع مصيرهم وحاضرهم ومستقبلهم.
وهذا لن يتأتي بإطلاق الشعارات أو ترديد أغاني الانتماء وأهازيج الوطنية وإنما يتأتي بتطهير مسيرة الديمقراطية من الأعشاب السامة والأشواك التي تعترض سبيلها والتي تفرض الوصاية علي الناس وعلي المجتمع المدني وتكبل مبادراتهم وتغلق الأبواب والنوافذ بالضبة والمفتاح أمام مشاركتهم الإيجابية.
وهذه الأعشاب السامة كثيرة أكثر من الهم علي القلب، وهي ليست خافية علي الأعين بل إنها واضحة وضوح الشمس في الساحة السياسية وفي مجال العمل النقابي، وفي ميدان العمل التطوعي والأهلي، وفي مجال الإعلام.. وفي ساحة القضاء.
علما بأن هذه الأعشاب السامة هي ذاتها التي تغلق الطريق أمام تداول السلطة في كل المجالات وعلي كل المستويات الذي لا يوجد معني للعملية الديمقراطية بدونه أصلا.
ولن يتأتي الانحسار الفعلي في هذا العزوف التاريخي الواسع النطاق عن المشاركة السياسية والمجتمعية دون وضع حجر الأساس لنظام تعليم متقدم ومستنير يعيد الاعتبار للعقل والعقلانية والعلم والبحث العلمي ويتصدي بشجاعة وصراحة لمؤسسة الخرافة وتغييب العقل.. الذي يبدو غريبا ولا محل له من الإعراب في مصر حاليا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - بابا سعد:هيا نرجع إلى الوراء
رجـــــــــــــاء أبوالسعود ( 2010 / 8 / 20 - 20:25 )
لم تكن مصر فى القرن العشرين أسوء مما نحن فيه ألآن قابعون،رغمآ أن الآلة الإعلامية الجهنمية لثورة العسكر-المباركة- قد حولت ألأبيض إلى أسود وتشدقت يومآ بأنها سوف تحيل ألأسود الذى توهمت أن مصر ترسف فى ظلاله إلى بياضآ ناصعآ،فالرخاء سوف يعم،والفقر سوف يحمل عصاه على كتفه ويرحل،وكيلووات الكهرباء سوف يكون بمليم(عفوآ لمن لايعرف المليم فهو عملة برونزية منقرضة)ورغيف العيش (والعهدة على من يقوم بالتعليق) جاء على لسان اللواء محمد نجيب بأنه سعره سوف ينخفض عن خمسة مليمات؟؟هل تصدق ياسيدى ؟؟حدث بالفعل مع حزمة من الوعود كان هدفها أن تمسح من الوجود سلسلة من العهود كانت قبل ثورة العسكر المباركة!ولم يتحقق من شئ كان عنوانآ لأسباب قيام تلك الثورة،ودارت ألأيام،واحتلت ألأرض،وتناقص دخل الفرد سنة بعد أخرى،وتزايد الفقر،واتسعت الهوة بين الحاكم والمحكوم،وعادت ريمة كعادتها القديمة،فتولى أمر تلك ألأمة شرذمة من أباطرة رأس المال الذى كعادته دائمآ ما يكون مستغلآ،وماصآ للدماء!!
سبب ذلك التدهور أن الثورة المباركة ومالحقها من عهود قد شطبت من قاموس حياتنا شئ اسمه الديموقراطية،وما نحن فيه ليس سوى أحد نتائج غياب الديموقراطية


2 - لماذا تناسيت ؟؟
مارك حربى ( 2010 / 8 / 23 - 13:10 )
الأستاذ/ سعد هجرس
لماذا تناسيت ذِكر سلبيه الحكومه فى معالجة أزمات الفتنة الطائفية المتتابعة والمتلاحقة ؟
لماذا تناسيت أكتفاء الحكومة بالحلول الأمنية وجلسات الصلح المخزية ؟

يبدو أن الأعتداءات المتتالية على الأقباط أصبحت أمراً معتاداً لدى المُثقفين المصريين .

اخر الافلام

.. نتنياهو يرفض ضغوط عضو مجلس الحرب بيني غانتس لتقديم خطة واضحة


.. ولي العهد السعودي يستقبل مستشار الأمن القومي الأميركي جيك سو




.. جامعة أمريكية تفرض رسائل اعتذار على الطلاب الحراك المؤيد لفل


.. سعيد زياد: الخلافات الداخلية في إسرائيل تعمقها ضربات المقاوم




.. مخيم تضامني مع غزة في حرم جامعة بون الألمانية