الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الانفتاح المغربي في مقابل العدوانية الإسبانية - في الحاجة إلى تغيير الخطة

إدريس جنداري
كاتب و باحث أكاديمي

(Driss Jandari)

2010 / 8 / 21
مواضيع وابحاث سياسية


تقوم العلاقات المغربية-الإسبانية؛ منذ قرون على أساس من العقد التاريخية المركبة؛ التي ليس من الأمر السهل حلها. بحيث يبقى كل طرف مطالب ببذل مجهودات مضاعفة؛ للخروج من هذا المأزق التاريخي .
لقد تعامل المغاربة طوال ثمانية قرون مع الضفة الشمالية للبحر الأبيض المتوسط؛ باعتبارها دار كفر و دار حرب؛ في مقابل المغرب؛ الذي كان يشكل دار السلام و دار الإسلام. و بعد سقوط آخر المعاقل العربية-الإسلامية في الأندلس سنة 1492؛ كان رد الفعل الإسباني عنيفا و همجيا إلى أبعد الحدود؛ إلى درجة اقتراف جرائم حرب ضد الإنسانية -بالمفهوم الحقوقي الحديث- فالوثائق التاريخية تنقل لنا فظاعات تقشعر لها الأبدان؛ حيث أقدم الإسبان على التنكيل بالمسلمين؛ بجميع أعراقهم – و منهم المغاربة- فمارسوا عليهم إبادات جماعية؛ و قتلوا الأطفال و اغتصبوا النساء؛ و خيروا الباقين بين اعتناق المسيحية أو القتل .
إنه ماض أليم حقيقة؛ ليس من السهل تجاوزه بجرة قلم؛ لكن علاقة الجوار –على الأقل جغرافيا- تفرض على الطرفين معا بذل مجهودات مضاعفة؛ بهدف تغليب الحاضر على الماضي؛ و تغليب كفة المصالح المشتركة؛ على نزوعات العداء و الحرب .
إن هذه النبرة الدبلوماسية هي التي تحكمت في سلوك المغرب؛ دولة و نخبا فكرية و فئات شعبية؛ طوال المرحلة المعاصرة. لكن للأسف الشديد يبدو أن الجار الإسباني؛ غير مستعد للذهاب في هذا الاتجاه؛ لأنه ببساطة ينتمي إلى الجانب الشمالي للمتوسط؛ في مقابل المغرب الذي ينتمي إلى جانبه الجنوبي. و لذلك فإن الإسبان يرون غياب التكافؤ بين الطرفين؛ الشيء الذي يجعل شروط إمكان الحوار البيني بين الطرفين غائبة –في نظر الإسبان - !
تقوم السياسة الخارجية للمغرب؛ بعد الاستقلال و إلى الآن؛ على أساس الحلول السلمية للمشاكل العالقة بين الأطراف الدولية؛ و خصوصا دول الجوار. و من هذا المنظور فقد تعامل المغرب مع الجار الشمالي بروح دبلوماسية منفتحة؛ أساسها الحوار و التواصل لحل المشاكل العالقة بين الطرفين. و هذا يبدو واضحا بخصوص مجموعة من الملفات؛ التي ما زالت عالقة من زمن الاستعمار؛ سواء تعلق الأمر بمدينتي سبتة و مليلية المحتلتين؛ أو تعلق الأمر بمجموعة من الجزر المغربية؛ التي ما زالت خاضعة للاستعمار الإسباني.
لكن في مقابل هذه السياسة المنفتحة للمغرب؛ القائمة على أساس الحوار البناء؛ فإن الإسبان يلتزمون سياسة خارجية تجاه المغرب؛ قائمة على العدوانية و الحرب؛ و ذلك لأنهم يتعاملون مع الانفتاح المغربي؛ باعتباره ضعفا و خذلانا؛ يستغله السياسيون كأوراق انتخابية رابحة؛ عند كل مواجهة انتخابية؛ بين اليمين و اليسار .
فالحزب الشعبي اليميني؛ لا يتوانى في توجيه تهديدات مباشرة للمغرب؛ كلما نشب خلاف بين الطرفين. فعند انتهاء اتفاقية الصيد البحري سنة 1999؛ و مطالبة المغرب بحقوقه المشروعة في مياهه؛ وجه رئيس الوزراء اليميني (خوسي ماريا أثنار) تهديدا مباشرا للمغرب؛ إذا لم يوقع الاتفاق – و بالشروط الإسبانية طبعا- و عندما سعى المغرب إلى ممارسة سيادته على جزيرة ليلى؛ لم يتوان نفس اليميني في تطبيق تهديداته و الإقدام على إنزال عسكري على تراب الجزيرة؛ و اعتقال دركيين مغاربة . و هذا فقط غيض من فيض التجاوزات الإسبانية في حق المغرب .
إن ما يجب على إسبانيا أن تدركه جيدا –و خصوصا يمينها المتطرف- هو أن المغرب دولة ذات سيادة كاملة؛ ناضل من أجلها الأجداد؛ و بذلوا الغالي و النفيس من أجل تكريسها؛ و إذا كانت السياسة الخارجية للمغرب ترجح خيار السلم على خيار الحرب؛ فهذا لا يعني أن جيل المغاربة الجديد مختلف عن الجيل القديم؛ الذي لقن الإسبان دروسا لن تنسى من ذاكرتهم؛ و ليتذكروا فقط معركة أنوال العظيمة؛ و ما جسده المغاربة من بطولات؛ أجهضت المشروع الاستعماري في المهد . إن روح البطل الكبير ( محمد بن عبد الكريم الخطابي) تسري في عروق كل مغربي؛ من شمال المغرب إلى جنوبه. و هذه الروح مستعدة لأن تنتفض في أي حين ضد الإهانة الاستعمارية لبلدنا.
و المغرب حتى مع خيار الحرب؛ يمتلك أوراق رابحة كثيرة؛ لا تقل أهمية عما تمتلكه إسبانيا؛ فنحن ننتمي لأمة تنتفض بمغربها و مشرقها ضد الاحتلال الأجنبي؛ و هي الآن تجهض أعتى المشاريع الاستعمارية في منطقة الشرق الأوسط؛ و التي يقودها تحالف عالمي؛ يتشكل من أوربا و أمريكا و إسرائيل. فمخطط الشرق الأوسط الكبير يعلن كل يوم عن إفلاسه؛ و القوى الاستعمارية؛ التي خططت له و قادته؛ تعلن بالتتالي عن فشلها؛ و آخرها الولايات المتحدة؛ التي تنسحب من العراق صاغرة؛ على وقع ضربات المقاومة؛ و إسرائيل التي تعاني تهديدا وجوديا حقيقيا؛ في ظل تنامي الخيار المقاوم .
إننا هنا لا ندعو إلى استبدال خيار السلم بخيار الحرب في علاقتنا بمحيطنا الدولي؛ لأن الحرب هي آخر ما يلجا إليه؛ بعد إفلاس جميع الخيارات الأخرى. لكن هذا لا يعني أننا يجب أن نستمر في سياسة الاستسلام؛ في علاقتنا بدولة عدوانية؛ لا تتوانى في إهانتنا في كل حين؛ و بجميع الأشكال.
يجب أن نلقن شعبنا دروسا في الكرامة و الإباء؛ و يجب أن نهيئه لمواجهة جميع الخيارات؛ في سبيل كرامة و استقلال الوطن؛ و هذه وظيفة الإعلام كما هي وظيفة التربية؛ كما هي وظيفة الفن و الفكر ... يجب أن نقول لشعبنا بجميع هذه الأصوات؛ بأنه ما يزال لحد الآن لم يكمل استقلاله؛ و لحد الآن ما يزال المستعمر الإسباني يستولي على قسم مهم من تراب وطنه . من العار حقا أن أجيالنا الصاعدة لا تعرف شيئا عن أجزاء وطنها المستعمرة؛ إلا بشكل مناسباتي عابر؛ لا يمكنه أن يعمق الوعي لديها بالحالة الحقيقية لوطنها.
فنحن جميعا نشعر بالخجل؛ كلما رفعت الأجيال الصاعدة أصواتها؛ هاتفة بفريق (البارصا) أو (الريال)؛ من شمال المغرب إلى جنوبه؛ كما أحسسنا بالخجل؛ عندما رأينا الأعلام الإسبانية ترفرف في ساحاتنا و شوارعنا؛ عند فوز المنتخب الإسباني بكاس العالم ؛ لكن البوليس الإسباني لم يتقبل حمل شبان مغاربة لعلمنا الوطني في سيارتهم حتى ! فمارس في حقهم تجاوزات حقوقية خطيرة ؛ عبر الضرب و الإهانة؛ في استفزاز بئيس للشعب المغربي . لكننا أحسسنا بالعار أكثر؛ عندما أقدم ذلك الشاب بتغيير شعار المملكة و إدخال كلمة (البارصا) قسرا؛ مع حذف ركن أساسي من خصوصيتنا المغربية. و اللوم في الحقيقة لا يجب أن يتوجه إلى هذا الشاب أو غيره من الذين يعبرون بعفوية عما نشأوا عليه؛ و لكن كل هذا اللوم يجب أن يتوجه إلى السياسة المتبعة؛ و التي تسعى –و لو بحسن نية- إلى تعويض حب الوطن و الوفاء لقيمه و مبادئه؛ بحب مزيف للمستعمر؛ الذي ما زال يجثم على رقابنا؛ و لو مر ذلك عبر لعبة شعبية محبوبة لدى الجميع؛ لكن لنكن حذرين مما تحمله هذه اللعبة من أخطار تهدد الإحساس بالانتماء لدى ناشئتنا .
نحن هنا لسنا ضد قيم التسامح و الانفتاح بين الدول و الشعوب؛ لأن العولمة حولت العالم إلى قرية صغيرة؛ عبر تحطيم الحدود الجغرافية الفاصلة بيننا؛ و لكن لنكن حذرين من تحويل هذه القيم الجديدة؛ إلى إيديولوجية بديلة لواجب الانتماء للوطن و التشبع بأبعاد الهوية الوطنية. و هذا يخدم التوجه الاستعماري القائم على أرض الواقع؛ و الذي يمر عبر ادعاءات واهية؛ منها أن الاستعمار الإسباني لمدينتينا و جزرنا؛ يفتح أمامنا الباب للانتماء لأوربا؛ و منها أن الاستعمار الإسباني لمدينتينا المحتلتين (سبتة و مليلية)؛ يغدق على السكان المغاربة الامتيازات التي لن يوفرها لهم وطنهم الأم ... !!!
و كلها ادعاءات يصوغها الاستعمار الإسباني و خدامه من المغاربة؛ و تسوق إعلاميا بهدف تعويض الشرعية التاريخية التي يمتلكها المغرب؛ بشرعية مزورة؛ تقوم على أساس أمر الواقع؛ الذي يرجح كفة المستعمر الإسباني؛ باعتباره دولة شمالية؛ تنتمي إلى الاتحاد الأوربي . و لذلك يجب علينا كمغاربة أن نكون حذرين من هذا التزوير الممارس؛ و المدعوم بقوة اقتصادية و إعلامية كبيرة؛ و هو يستهدف ناشئتنا؛ عبر الإغراء بنموذج الحياة الأوربي؛ الذي يقدم إعلاميا كبديل لنموذج الحياة المغربي؛ الذي يتحكم فيه دخل فردي ضعيف أو متوسط؛ يتلاءم مع طبيعة الموارد الذي تمتلكها الدولة .

و لعل نظرة فاحصة لواقع شبابنا؛ لتؤكد هذا الواقع المرير؛ فنسبة كبيرة منهم تنظر إلى الضفة الشمالية؛ باعتبارها الجنة الموعودة؛ و لذلك تقدم على مغامرات خطيرة في سبيل الوصول إلى هذا النعيم الوهمي؛ فيصل القليل؛ و يغرق الباقي بين أمواج البحر الأبيض المتوسط .
إن مجموع هذه المعطيات الداخلية؛ تشكل في الحقيقة دعما غير مباشر للاستعمار الإسباني لمدينتينا المحتلتين. و لذلك لا يتوانى المسؤولون الإسبان؛ في التعبير عن هذا الواقع بلهجة انتهازية بئيسة؛ و ذلك حينما يقارنون بين مستوى العيش في المدينتين المحتلتين؛ و مستوى العيش في باقي المدن المغربية؛ و يخلصون إلى أن مغاربة المدينتين؛ غير مستعدين للارتباط بالمغرب؛ لأن هذا سيحرمهم من الامتيازات؛ التي تمتعهم بها دولة الاحتلال . و هم في ذلك يمارسون تضليلا سياسيا و إعلاميا منحطا؛ يسعون من خلاله إلى التأثير على الصوت النخبوي المغربي سياسيا و فكريا؛ و ذلك عبر تذكيره دائما بأن من يدافع عن استقلالهم؛ يفضلون الارتباط بالمستعمر الإسباني؛ الذي يوفر لهم امتيازات اقتصادية و سياسية؛ لن يوفرها لهم المغرب !!!
و لعل هذا هو ما تخرج علينا به بعض (استطلاعات الرأي) المضللة؛ و التي لا تستجيب لأبسط معايير البحث العلمي الرصين؛ و التي تذهب في اتجاه تأكيد ارتباط مغاربة المدينتين المغربيتين المحتلتين (سبتة و مليلية) بالاستعمار الإسباني؛ و تزيد على ذلك –مفسرة- أن هذا الوضع لا يعدو أن يكون تحصيل حاصل؛ لأن سكان المدينتين من المغاربة؛ لم و لن يضحوا أبدا بالامتيازات التي يوفرها لهم الاستعمار الإسباني .
إن مجموع هؤلاء الذين يسعون إلى تأبيد استعمار المدينتين المغربيتين؛ ينسون أو يتناسون عادة؛ أن أي شعب في العالم لا يمكنه أن يستبدل انتماءه الوطني بامتيازات بخسة؛ لا تساوي –بملاييرها- حبة رمل من ثرى الوطن . و هذا طبعا ينطبق على المغاربة؛ الذين استماتوا عبر التاريخ في الدفاع عن استقلال وطنهم؛ و ليست سبتة و مليلية و الجزر المحتلة؛ سوى جزء صغير من قضية استعمار شامل؛ تم تسليطه على المغرب منذ عقد الحماية سنة 1912 .
و لعل الذين استطاعوا طرد الاستعمار الإسباني من شمال المغرب و جنوبه صاغرا؛ كما طردوا الاستعمار الفرنسي من بقية الوطن خانعا؛ و واجهوا الاستعمار الدولي لمدينة طنجة ... لعل هؤلاء قادرون اليوم على طرد ما تبقى من شتات الاستعمار صاغرا؛ من مدينتينا و من جزرنا المحتلة؛ و بمجهود أقل بكثير من المجهود النضالي/الجهادي السابق.
إن ما يجب علينا أن نعيه كشعب بجميع فئاتنا؛ هو أننا لم نكمل استقلال وطننا لحدود الآن؛ و أن سبتة و مليلية و الجزر المغربية المستعمرة؛ ليست ملفا مناسباتيا؛ يطرح على الطاولة لمناقشة قضايا أخرى؛ بين المسؤولين المغاربة و الإسبان؛ لينسى بعد ذلك على وقع عبارات المجاملة؛ التي لا تعبر عن حقيقة ما يجري على الأرض. إنها قضيتنا الوطنية الأولى؛ التي يجب أن نستميت في الدفاع عنها بجميع الوسائل؛ و نحن جميعا نشترك في هذه المسؤولية التاريخية؛ سواء تعلق الأمر بالأحزاب أو بهيئات المجتمع المدني أو بالنخب الفكرية... و أي تراجع عن هذا الاتجاه؛ يعتبر خيانة عظمى منا جميعا لقضيتنا الوطنية الأولى .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - لا تثريب على الاجيال الصاعدة!
ادريس ازيرار ( 2010 / 8 / 22 - 22:34 )
يقول الكاتب : من العار حقا أن أجيالنا الصاعدة لا تعرف شيئا عن أجزاء وطنها المستعمرة؛ إلا بشكل مناسباتي عابر...
نعم ، اجيالنا لا تعرف شيئا عن اجزاء وطنها المستعمرة ، ولكنها تعرف كل صغيرة وكبيرة عن العراق وفلسطين ولبنان وكل ما يخص امراض المشرق العربي .. والفضل كل الفضل في هذا يعود لجهابدة القومجية العروبية في المغرب ، الذين استلبوا ارواح المغاربة ، جعلوها حساسة لأي نزلة برد تلم بالمشارقة فتتداعى لها اجسادهم بالسهر والحمى والتقيء والاغماء...
كيف يهتم المغاربة لمعرفة خريطة وطنهم والدفاع عن ارضهم وقد شحنوا بهموم الشرق الاوسط بحيث لم يعد في وجدانهم اي متسع لغير تلك الهموم...
لا تثريب عليهم

اخر الافلام

.. صلاة العيد بين الأنقاض في قطاع غزة • فرانس 24 / FRANCE 24


.. البيان الختامي لقمة سويسرا: تحقيق السلام يستدعي إشراك جميع ا




.. هدنة تكتيكية تثير الانقسامات في الحكومة الإسرائيلية | #رادار


.. محادثات التهدئة بين شروط هنية وضبابية نتنياهو | #رادار




.. جدل واسع بإسرائيل إثر إعلان الجيش توقفا تكتيكيًّا للعمليات ج