الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


عن موضوع الاحتلال في حوارية كاظم حبيب

سمير طاهر

2010 / 8 / 22
مواضيع وابحاث سياسية


في فعالية نادرة (ولعلها الأولى من نوعها) نظم موقع الحوار المتمدن حواراً متمدناً بحق بين السياسي والاقتصادي كاظم حبيب وبين الجمهور، نوقشت فيه قضايا مهمة عديدة، وأثارت من الأسئلة أكثر مما أجابت عنها، الأمر الذي يسجل لصالح الحوار لا عليه. وسأقتصر هنا على موقع قضية الاحتلال الأمريكي للعراق في هذا الحوار.
كنا نود لو ان قيادة الحزب الشيوعي العراقي أبدت مع منتقديها ومحاوريها صراحة كالتي أبداها الأستاذ كاظم حبيب بدلاً من التنميق والدوران اللفظي. لاحظ ان انتقاد اليساريين، بل إدانتهم، للتعامل مع المحتل الأميركي ينصب فقط على قيادة الحزب الشيوعي مع ان معظم التنظيمات السياسية الموجودة في الساحة الآن تقوم بهذا التعامل. ولا يخفى السبب، فهؤلاء المعارضون يحسون بأن هذا الحزب جزء من ماضيهم، وأن انخفاض الأداء الوطني لقيادته، وانهيار شعبيته بالكامل في آخر الأمر، موجهان ضدهم شخصياً، فكثير منهم أعطى لهذا الحزب قليلا أو كثيرا من نفسه ذات يوم، وتمنى له الانتصار، وتصبّر على البلوى بوجود الحزب ورأى فيه الأمل، ولهذا فهم يرون في ميوعة سلوكه الوطني إهانة لأجمل سني حياتهم.
أجدني الآن أستعيد حواراً من مسرحية عراقية، لعلها "الخان وأحوال ذلك الزمان" ليوسف العاني، حيث يطلب الرجل الشعبي من الرجل المثقف أن "يعلمه كيف يصير الواحد وطنياً" بما انه مثقف ويقرأ الكتب. ويجيبه المثقف (أدى الدور قاسم محمد إن لم أكن مخطئاً) قائلاً: ومن قال لك ان الوطنية تُتَعلّم بالكتب؟ يحضرني هذا المقطع وأنا أشهد الهجوم والدفاع بين دعاة رفض الاحتلال الأمريكي للعراق ودعاة التعاطي معه، وأتساءل: هل الموضوع يحتمل حقاً كل هذا السجال الفكري؟ هل يمكن أن تكون الوطنية بهذا التعقيد أو أن لها عدة مفاهيم تناقض بعضها البعض؟ ولماذا يحصل هذا التناقض الآن ولم نشهده في مراحل سابقة من تاريخنا الحديث؟ لقد اعتدنا على ان تكون الوطنية هي القاسم المشترك الذي يوحد التناقضات الطبقية والدينية والقومية (الاثنية) في الوطن. فكنا نقول: "البرجوازية الوطنية"، "رأس المال الوطني" ... الخ عندما نتلمس مصالح مشتركة بين كل العراقيين أو عندما يجري االحديث عن توحيد قوى المجتمع بوجه التحدي الخارجي. وكنا نقول: "القوى الوطنية" عند الاشارة الى حركات تختلف معنا في العقيدة أو في الموقع الطبقي ولكنها لا تقل حبا للعراق عنا. لماذا إذن يلقى اليوم على تعريف الوطنية ضباباً كثيفاً؟ هل نصدق أنه من الصعب تعريف كلمة احتلال، وكلمة سيادة، أو تحديد معنى "التعامل" مع قوات الاحتلال؟ هل نحن بحاجة الى نظريات أو سجالات فكرية لكي تحدد لنا مَن نحن وأين نعيش وتعلمنا " كيف يصير الواحد وطنياً " ؟
في مداخلتي في الحوار ذكرت بأن من أسباب انفضاض الناس عن الحزب والتفافهم حول الحركات الدينية، المدنية منها والمسلحة، هو تخلي الحزب عن رايته الأولى، راية التحرر الوطني، فسرقتها تلكم الحركات ورفعتها لتخفي تحتها ارتباطاتها الاقليمية ومصالحها السياسية ولتكسب بها المزيد من الجماهيرية لأنها تعرف جيداً الغضب الذي يغلي في صدور الناس على جرائم قوات الاحتلال في الوقت الذي يتعامل فيه الحزب بكل مهنيةٍ مع "قوات التحالف" كما يدعوها. والحق إني كنت أجتزئ بذلك مقطعاً قصيراً من قصة اليسار العربي برمته، فالوصف أعلاه ينطبق بحذافيره على الحركات الفلسطينية على سبيل المثال.
يفصل الأستاذ كاظم حبيب حجج قيادة الحزب الشيوعي العراقي لقبول التعامل مع الاحتلال، وسأذكرها نصاً وأعلق على كل واحدة بين قوسين:
1. المقاومة بالسلاح غير مجدية لأنها لا تجسد ميزان قوى مناسب قادر على الخلاص من الاحتلال بقوة السلاح (شخصياً لا أعرف أية حركة مسلحة ضد الاحتلال، في أي بلد أو زمان، كان ميزان القوى لصالحها وليس لصالح المحتلين ـ س.)، إضافة على نشوء تشابك مع القوى الإرهابية وقوى البعث التي رفعت السلاح. (لكن هل معنى هذه العبارة ان الحزب يعتقد ان الاحتلال خير من الارهاب؟ كان، وما يزال، بالامكان التعامل مع هذا المفترق بروح عراقية خالصة، لا أمريكية ولا إرهابية، أليس كذلك؟ ـ س.).
2. المقاومة بالسلاح اختارتها القوى الإجرامية التي حكمت العراق 35 عاماً ومرغت كرامة الشعب بالتراب. والمقاومة المسلحة مارستها قوى القاعدة الإرهابية والتي قتلت من الناس أكثر مما قُتل منهم في حرب الخليج الثالثة لإسقاط النظام. (معلومة سليمة ولكن مجتزأة. الوقائع تقول انه ليس هؤلاء فقط من قاوموا الاحتلال ـ س.)
3. كان بإمكان الحزب أن يرفض التعاون بحجة واردة هي التقسيم الطائفي للسلطة الذي ألحق أضراراً بالمجتمع العراقي والذي ستبقى آثاره طويلاً. (ولا أدري لماذا غُيّبَتْ هنا الحجة الأكبر: الاحتلال. نعم كان بامكان الحزب أن يرفض، وكانت ستكفي المعارضة السلمية والجماهيرية. كان هذا هو الموقف المنتظر من اي حزب شيوعي في العالم ـ س.)
4. اختار الحزب الشيوعي العراقي موقف التعاون مع القوى السياسية الأخرى لتغيير الوضع والخلاص من الاحتلال. وهو ليس بالضرورة تعاون مع قوى الاحتلال. (يخيل إلي أن السيد حبيب قد ندم على تسرعه الذي تسبب في أن يكتب عبارة متناقضة مع نفسها، بل غرائبية: وهذا ـ بالمناسبة ـ هو الوصف الدقيق لموقف الحزب من الاحتلال الأمريكي. حسناً، لن نضحك على أنفسنا وسنضع النقاط على الحروف: الحزب اختار التعاون مع الاحتلال: ابتداء من اللقاء ببول بريمر وحسن الظن المتبادل (راجع مذكرات بريمر المنشورة)؛ والجلوس معه كجزء من "سلطة الاحتلال" ليغدو بذلك، على حد تعبير أحد المشاركين في الحوار، " الحزب الشيوعي الوحيد عالميا الذي يشارك في سلطة احتلال بلده " ؛ والتعاون المباشر يومياً مع هذه السلطة؛ ومشاركة عناصر الحزب ـ وما زالوا يشاركون الى اليوم ـ في الدورات التدريبية على يد الأمريكان؛ ناهيك عن عناصر الحزب العاملين في صحف ومؤسسات ووظائف ممولة أمريكيا. ـ س.)
لم نطالب الحزب بكفاح مسلح ضد الأمريكان حتى يسارع مؤيدو القيادة الى وصمنا بالاصطفاف مع البعثيين والارهابيين؛ كل ما تمنيناه هو استنكاف الحزب من تلويث يده بدماء العراقيين ودموعهم؛ كل ما أردناه هو رفض التعامل مع المحتل بأي شكل من الأشكال، والعمل الجماهيري لحشد الرفض للوجود للأجنبي. كنا نريد حزبا نفاخر به ونروج له. تصور لو ان الحزب، بدلاً من المشاركة في وليمة الحكم، نظم المظاهرات والاعتصامات المدنية المطالبة برحيل الاحتلال وصار هو الحزب الوحيد في هذا الموقف، وخاض الانتخابات تحت شعار إنهاء الاحتلال ورفض التدخل الخارجي عموماً فهل كانت شعبيته ستنحدر الى الحضيض كما حصل الآن؟ يضع السيد كاظم حبيب على رأس أسباب رفض الحزب خيار المقاومة أن هذا الخيار كان سيؤدي الى اصطدام مع القوى السياسية الأخرى التي اختارت التعامل مع الامريكان. وبذلك يقر هو وقيادة الحزب معاً بالانحراف الكارثي الذي قامت به هذه القيادة: وهو قلب الأولويات المبدئية: فبدلاً من أن تكون المبادئ هي الأساس وهي التي تحدد العلاقات مع القوى الموجودة (المحلية والأجنبية)، غدت العلاقات مع هذه القوى هي الأساس وهي التي تحدد مبادئ الحزب. أعتقد ان هذه الفلسفة الجديدة هي التي أنتجت كل ما تلى من ميوعة مبدئية. لو كان الحزب قد حافظ على أولوياته، ورفض مسايرة الأحزاب الأخرى في تواطؤها مع الاحتلال لمَنَحَه هذا تميزاً وسمعة ناصعة، وفضح هشاشة الأحزاب الأخرى وزيف ادعاءاتها. فتصور ان يضيع الحزب فرصة تاريخية كهذه ويختار أن يكون "حاله من حال الآخرين". ان ما تتهرب القيادة من الاعتراف به هو انها فضلت مكاناً لها في الحكم على مكانها في الشارع، فاذا لفضها الشارع بعد ذلك في الانتخابات فليس لها أن تلومه. أكرر القول أن هذا السيناريو قد تكرر في أكثر من بلد عربي: أن يجد التشدد الاسلامي رايات ملقاة على الأرض تركها اليساريون وراءهم واستراحوا فيحملها ويتبناها ويكسب بواسطتها آلاف المناصرين.
أنا أكتب هذه السطور بأسف كبير. كنت أتمنى أن أكتب في هذا الحزب فخراً لا تعريضاً. لكن اذا كان الحزب الذي قدم الضحايا أجيالاً في سبيل وطن حر وشعب سعيد يتواطأ، أو على الأقل يصمت، على احتلال الوطن وقتل الشعب فبأي حزب سيعلق المرء آماله بعد؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - الثقة بالشعب
سعاد خيري ( 2010 / 8 / 23 - 11:12 )
الثقة بالشعب القادر على تنشئة وتربية القادة واعادة تربيتهم وتطوير من له استعداد للتطور و فقا لمنطلبات العصر والثقة بالنفس للنهوض بما يمكنها من مساهمة في كفاح شعبنا وسائر البشرية للتحرر

اخر الافلام

.. جيل الشباب في ألمانيا -محبط وينزلق سياسيا نحو اليمين-| الأخب


.. الجيش الإسرائيلي يدعو سكان رفح إلى إخلائها وسط تهديد بهجوم ب




.. هل يمكن نشرُ قوات عربية أو دولية في الضفة الغربية وقطاع غزة


.. -ماكرون السبب-.. روسيا تعلق على التدريبات النووية قرب أوكران




.. خلافات الصين وأوروبا.. ابتسامات ماكرون و جين بينغ لن تحجبها