الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


مذكرات عاملة في سوبر ماركت- الجزء الأول

حوا بطواش
كاتبة

(Hawa Batwash)

2010 / 8 / 22
الادب والفن


-1-

معظم العاملات في السوبر ماركت الذي تعمل فيه سلمى هن من البنات الصغيرات اللاتي أتممن مؤخّرا دراستهن الثانوية وانطلقن في رحلة الحياة الحقيقية. يعملن بهذا الأجر الزهيد, الذي لا يتعدى الألفين شيكل, وهو أقل بكثير من الحد الأدنى للأجر الذي يصل الى حوالي ثلاثة آلاف وثماني مئة شيكل حسب قوانين دولة اسرائيل التي يعشن فيها. ولكن هذا الأجر سيكفيهن كبنات في مثل عمرهن لشراء ما يحببن من حاجاتهن الصغيرة في كنف عائلاتهن, وربما استطعن توفير بعض الشواكل لإتمام تعليمهن في كلية او جامعة كما تخطط البعض منهن, وسيتركن العمل قريبا لإكمال تعليمهن او للزواج.

كلهن صغيرات ومقبلات على الحياة... ما عدا تلك المحتاجة التي اضطرت الى العمل تحت هذه الشروط لكسب بعض ما تحتاجه عائلتها من أكل وشرب, الى أن تجد عملا آخر يناسبها ويحترمها ويحترم عائلتها ويحترم القانون.

سلمى ليست صغيرة مثلهن, فقد قاربت على الثلاثين من العمر, متزوجة وأم لأربعة أولاد, زوجها يكاد لا يعمل منذ سنوات لأسباب لا حاجة لذكرها هنا, والألفين شيكل التي ستتقاضاها في آخر الشهر هي ذلك المبلغ تقريبا الذي تحتاجه عائلتها لحاجاتها الأساسية من أكل وشرب خلال شهر. تنقص من ذلك طبعا تكاليف السفر التي قد تصل الى خمس مئة شيكل او اكثر, رغم أن السوبر ماركت موجود في قرية لا تبعد عن قريتها بأكثر من سبع دقائق سفر بالسيارة.

في يومها الأول, قالت لها بنت بلدها, سامية, التي تعمل هناك كمديرة حسابات, مشجّعة: "هؤلاء (قصدت أصحاب العمل والعاملون في المحل الذين كانوا من العرب) مسلمون مثلنا (وكانوا هم مسلمين من غير العرب) والعمل معهم مريح." والمعنى من وراء كلامها أن ذلك أفضل من العمل مع اليهود.
وبالفعل. أحبّت سلمى عملها في السوبر ماركت وارتاحت في التعامل مع زميلاتها الصغيرات ومع مديريها الذين كانوا جميعا يعاملونها بكل احترام وأدب ولطافة, وتمنّت لو أنه كان بإمكانها البقاء في عملها لفترة طويلة, لو أن شروط عملها كانت أفضل.

كل البنات في السوبر ماركت يعلمن جيدا ان شروط عملهن تظلمهن قانونيا, وأن السوبر ماركت اليهودي الذي لا يبعد كثيرا عن السوبر ماركت العربي الذي يعملن فيه يعطي أجرا أعلى بكثير لعاملاته وشروطا ممتازة كما يتطلب القانون الإسرائيلي من تأمين صحي واجتماعي, ولكن, ولاعتباراتهن الخاصة, يعملن في السوبر ماركت الذي في قريتهن, ويستغربن من سلمى, كما يستغرب كل أقربائها, لماذا هي تعمل فيه؟!

"ماذا تستفيدين؟" يسألونها بتعجّب بالغ, "ماذا ينفعك هذا الأجر المضحك؟"

فتقول لهم: "إنه عمل مؤقّت الى أن أجد عملا مناسبا."

ولا أحد منهم يفهم كم هي محتاجة الى هذه الألفين شيكل, حتى ولو نقصت خمس مئة او أكثر! لا أحد منهم جرّب العيش كأم لأربعة أولاد دون أن ترى شيكلا واحدا يدخل بيتها خلال أشهر!

ولكن سلمى تستطيع أن تفهمهم.

انها ليست ظاهرة مألوفة لديهم في القرية, ويكاد الجميع يصدق أن لا أحد منهم فعلا محتاج, على الأقل ليس الى هذه الدرجة.

انها منهم, تسكن معهم في نفس القرية, تسكن مثلهم في بيت يكاد يشبه بيوتهم, تلبس مثلهم ملابس تشبه ملابسهم, تأكل وتشرب مثلهم وتسوق سيارة مثل سياراتهم... ولكنها ليست مثلهم. ليس لأنهم هم أغنياء, بل لأن لكل عائلة من عائلاتهم هناك من يعمل ويعيل العائلة او له دخل من مصدر ما.

كيف تكون مثلهم وزوجها يكاد لا يعمل منذ سنوات؟ ولا هي تعمل؟ وليس لهما دخل من أي مصدر؟


-2-

الشيخ ماجد شيخ ليس مثل باقي الشيوخ الذين نعرفهم. بل هو شاب في اواخر العشرينيات من عمره او اوائل الثلاثينيات على اكثر تقدير, طويل, رفيع, ذو لحية خفيفة, أسمر بعض السمار وشعره خفيف, ويتميّز بالتواضع والظرافة وروح الفكاهة. وباختصار, يمكن القول بأنه شيخ من طراز خاص! شيخ شاب, لطيف, ظريف وجذّاب. والبنات في السوبر ماركت يحببنه جدا, رغم أنه يكبّ عليهن أوامره الكثيرة والمرهقة بلطافته وظرافته وبروحه الفكاهية التي تخفّف من وطأة الأوامر.

أول مرة رأته فيها سلمى لم تدرك من هو. كانت جالسة لدى الصندوق, فقال لها المدير مشيرا اليه: "روحي ساوي اللي بيقولك عليه".
قامت من مكانها دون أن تعرف ماذا ستفعل. ظنّت أنه زبون من الزبائن او ما شابه. ذهبت وراءه.

التفت اليها بعد حين وقال: "آهه, انت اللي بعتك لعندي؟"

ثم أخذ يأمرها ما تفعل وانضمت اليها بنتان أخريان. وبعد مدة بعثها للعمل مع احدى البنات في زاوية أخرى.

ثم جاء اليهما بعد حين ليتفقّد أمرهما وسأل: "فيه تقدّم؟"

فقالت له البنت التي معها: "طبعا فيه تقدّم..."

فقال الشيخ: "طيب, بس لازم يكون فيه تقدم أسرع من هيك." وأنهى أقواله بأن قال بظرافته: "ياللا اشتغلو."

وبعد ان ذهب قالت البنت التي معها بصوت خفيض بشيء من السخرية: "ما احنا منشتغل, شو منساوي يعني؟"
فقالت سلمى: "هادا جاي يعمل مدير علينا."
"آه, ما هو صاحب المحل, هو وأخوه."
"عن جد؟؟"

وهكذا فهمت من هو.

لاحظت سلمى خلال العمل كيف يمازح البنات اللاتي يعملن معه وكان الجميع ينادونه "شيخ". والبنات قلن لها بأنه فعلا شيخ, ولكنه شيخ لطيف!

في اليوم التالي جاء الشيخ ماجد مرة أخرى ومعه أخوه الأصغر الذي يشغل منصب المدير العام لشركتهم الكبيرة, وأخذا يعملان ترتيبات لا نهائية في المحل. ولكن سلمى لم تعمل كثيرا مع أي منهما. عملت لوقت قصير فقط مع الشيخ ماجد سألها خلاله عن اسمها, فقالت له كذا, فسأل :"أُم ايش؟"
فقالت سلمى انها لا تحب أن يناديها أحد بأم أحد... ودار حديث قصير عن الموضوع, ولكنه بعد ذلك أمرها أن تعمل عملا ما أبعدها عنه.

لم تحب سلمى العمل مع الشيخ ماجد. صحيح أنه شيخ لطيف وظريف ويكثر من الفكاهة والمزح كما تحبّ البنات, ولكنها كانت تستحي منه وتشعر بعدم الإرتياح والتوتر أمامه, ورغم تواضعه الشديد والنادر, الا أنها كانت تشعر بأنه كبير وممنوع أن ترتكب غلطة أمامه!

ولكن الشيخ ماجد لم يدعها تعمل معه كثيرا خلال أكثر من أسبوع الذي جاء فيه الى المحل. حتى بدأت سلمى تحسّ بأنه يتقصّد عدم تشغيلها معه, وشعرت بشيء غريب.
بدأت تتساءل بينها وبين نفسها: لماذا؟؟ ألأنها سيئة؟ بطيئة؟ مملة؟ جديدة؟ متزوجة؟؟

ما هو السبب من وراء ذلك؟؟؟

فافترضت بعد طول تفكير أنه يفعل ذلك لكونها متزوجة وام لأولاد, وهو لا يحب صبّ أوامره على التي مثلها.

اليوم, قبل نهاية الدوام في العمل بنصف ساعة جاء الى المحل يتفقّد الأوضاع.
وبعد حين, عندما كانت سلمى تعمل مع احدى البنات, جاء وقال لهما: "وحدة منكن تيجي لهون."
فطلبت سلمى من البنت التي معها أن تذهب اليه, ففعلت.

أكملت سلمى عملها وهي تسمع صوته العالي الجميل وهو يثني على البنات بأوامره بطريقته المألوفة المحبوبة وهي تعمل في زاوية من المحل.

بعد حين أطلّ عليها الشيخ بصحبة بنت من البنات وعربة أغراض. وحين رآها قال: "آهه انت هون؟ طيب منيح. كتير منيح. اسمعي يا ستي شو بدي قلّك, واحفظي منيح. اول إشي, هدول بتنزليهن لهون. تاني إشي, هدول بتحطيهن هون...." وهلم جر...

لم يتبقّى على نهاية الدوام أكثر من خمس دقائق. فعلت بعض ما قال لها... الى أن انتهى الدوام.

وفي طريقها لترك المحل صادفته, فقالت له مودّعة: "ياللا باي شيخ."
فرد: "مع السلامة."
وعادت الى البيت.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - شكرا للكاتبة
عبد العظيم محمد العماري ( 2010 / 8 / 22 - 20:17 )
قصة واقعية ممتعة ..فيها نفس نسائي جلي ولكن فيها اخطاء املائية قليلة


2 - سلمى فهمت بذكائها أنها غير مرغوب بها
Jenny Hayek ( 2010 / 8 / 22 - 21:54 )
فقالت للشيخ ماجد المراهق
باي......فأجابها
مع السلامة


3 - تحيات وتمنيات
عبد الرضا حمد جاسم ( 2010 / 8 / 25 - 13:56 )
أيها الباسله الكريمه
أحسنت ...فيها تشويق ...وتدفع الخيال الى تعقب الحديث والحوار..أبرزي معانات البطله مع الأطفال والأثقال ومصاعب الحياة لمثلها
تقبلي الأحترام


4 - شكرا لملاحظاتكم
حوا بطواش ( 2010 / 8 / 26 - 08:24 )
أخذتها في عين الاعتبار ويسعدني ان القصة اعجبتكم

اخر الافلام

.. استشهاد الطفل عزام الشاعر بسبب سوء التغذية جراء سياسة التجوي


.. الفنان السعودي -حقروص- في صباح العربية




.. محمد عبيدات.. تعيين مغني الراب -ميستر آب- متحدثا لمطار الجزا


.. كيف تحول من لاعب كرة قدم إلى فنان؟.. الفنان سلطان خليفة يوضح




.. الفنان السعودي -حقروص- يتحدث عن كواليس أحدث أغانيه في صباح ا