الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


من الذاكرة ، الوصول إلى عدن ، الحلقة الرابعة

فائز الحيدر

2010 / 8 / 23
سيرة ذاتية


من الذاكـرة
الوصول الى عـدن
الحلقة الرابعة

فائز الحيدر

بعد أيام قليلة من ذلك التبليغ وبعد منتصف ليلة 9 / تشرين الأول / أكتوبر / 1979 غادرنا مدينة روسـا الجميلة متوجهين بالقطار الى العاصمة صوفيا ، قضينا الليل كله في الطريق وكل منا يحمل همومه الشخصية فمنهم من ترك زوجته لتلتحق به عند الأستقرار والمباشرة في العمل ، والبعض يفكر يفرص بإكمال دراسته التي تركها في العراق ، ومنهم من يفكر بالمستقبل عسى تتحسن الأوضاع السياسية ويعود الى الوطن .
على أي حال وصلنا صوفيا في الساعة السادسة صباح يوم 10/ تشرين الأول / أكتوبر / 1979 ومن هناك توجهنا مباشرة الى مطار صوفيا الدولي حيث ينتظرنا رفاق آخرين جائوا من مدن بلغارية أخرى ، طلبة ، مهندسين ، أطباء ، مدرسين وفنانين من مختلف الأعمار والأيان والقوميات ، وكانت بيننا فنانة الشعب المرحومة فخرية عبد الكريم ( زينب ) .

كان في توديعنا في المطار الرفيق حميد مجيد موسى سكرتير الحزب الشيوعي حاليا" حيث كان مسؤولا" لتنظيم الخارج في ذلك الوقت ، بعد إتمام إجراءات السفر توجهنا الى الطائرة البلغارية المغادرة الى عدن عاصمة جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية في الساعة التاسعة صباحا" ، وكم كانت المفاجئة عندما علمنا إن هـذه الطائرة مخصصة لوفـد يتألف من رئيس جمهورية اليمن الديمقراطية الشعبية الأخ عبـد الفتاح إبراهيـم ( 1 ) ( وهذا ما يطلقه الأخوة اليمنيون على قادتهم بدلا" من كلمة الرفيق ) ، وقياديين من الحزب الأشتراكي اليمني والذي وصل قبل أيام الى صوفيا لأجراء مباحثات مع الحكومة البلغارية . كان الوفد اليمني يظم إضافة إلى رئيس الجمهورية عبد الفتاح إبراهيم ، الأخ صالح مصلح قاسم وزير الدفاع والأخ علي شايع هادي وزير الداخلية وغيرهم من المسؤولين في الحكومة والحزب يرافقهم السفير البلغاري في عدن .

بعد أقلاع الطائرة بدقائق توجه ألينا الرفيق عبد الفتاح أسماعيل والوفد المرافق له لألقاء التحية على الجميع وهو يستفسرعن أحوالنا وظروفنا الصعبة التي مررنا بها متمنيا" للجميع طيب الأقامة والعمل في ربوع بلدهم الثاني جمهورية جمهورية اليمن الديمقراطية ، وطلب من الأخ وزير الداخلية بتوفير كافة الضمانات لنا عند الوصول سواء بتذليل إجراءات المطار أو بتوفير فرص عمل أو السكن المناسب . كان الرفيق عبد الفتاح إبراهيم ، إنسان يتحلى بالبساطة ، تعلوا الأبسامة على شفتيه يترك مقعده في الطائرة بين فترة وأخرى ويتوجه نحونا لغرض التحدث والدردشة معنا ويسأل عن ظروفنا الصعبة وأختصاصاتنا ويجيب على أستفسارات البعض منا . وبين تلك الجولات كان السفير البلغاري الذي يجيد اللغة العربية بطلاقة يتبادل الحديث معنا ويتحدث عن حبه لعدن والشعب اليمني الجنوبي والحر الشديد في عدن هذه الأيام ومهمته الدبلوماسية فيها .
رغم الظروف الأقتصادية الصعبة التي كانت تمر بها جمهورية اليمن الديمقراطية في تلك الفترة فقد مدت الحكومة اليمنية يدها لمساعدة أخوانها من العراقيين في محنتهم الجديدة نظرا" لما يكنه الشعب اليمني وحكومته من أحتراما" كبيرا" للحزب الشيوعي العراقي ولما قدمه من شهداء خلال نضاله الطويل ضد الحكومات المتعاقبة على حكم العراق . كما علمنا إن الرئيس اليمني عبد الفتاح إسماعيل قد إتفق مع قيادة الحزب حول مرافقتنا له وعلى نفس الطائرة الخاصة المتوجهة إلى عدن وهو مدرك للظروف الصعبة وشحة الأمكانيات المادية التي يواجهها الحزب الشيوعي والتي لا تمكنه من شراء التذاكر لجميع الرفاق لأيصالهم الى عدن .

عند منتصف الظهر هبطت الطائرة في مطار دمشق الدولي بدعوة من الرئيس السوري الراحل حافظ الأسد ، لإجراء مباحثات مع الوفد اليمني الجنوبي ، وكان بإستقبل الوفد في المطار الرئيس السوري وبقية أعضاء الحكومة السورية ، ولكون الزيارة غير رسمية فقد تم أجراء أستقبال مختصر لأعضاء الوفد كنا نلاحظه من نوافذ الطائرة ، وعلمنا أن الوفد قد أجرى مباحثات مستعجلة مع القيادة السورية حول الوضع في الساحة العربية ومستقبل جبهة الصمود والتصدي ، أعقبها تناول طعام الغداء ، دام اللقاء أكثر من أربع ساعات لم يسمح لنا خلالها بالنزول من الطائرة بالرغم من الحرارة الشديدة داخلها ، ولم يقدم لنا أي شئ نأكله بإعتبار إن الطائرة مخصصة للوفد اليمني الرفيع وليس للركاب .

اقلعت الطائرة من مطار دمشق بعد الساعة الخامسة عصرا" متوجهة الى عدن ، البرودة داخل الطائرة لا يمكن تحملها ، السفير البلغاري يترك مقعده بين فترة وأخرى ويتوجه لنا للحديث معنا بمختلف المواضيع في أحدى جولاته رجوناه التدخل لدى كابتن الطائرة لتخفيض البرودة الشديدة التي لم نستطع تحملها وكأننا في موسم الشتاء في بلغاريا ، ضحك كثيرا" وقال أتمنى ان توفروا هذه البرودة وتأخذوا أكبر قسط منها معكم إلى عدن لأنكم سوف تأسفون لفقدانها حال وصولكم هناك ، وفعلا" أثبت لنا صحة ما قاله ومنذ الدقائق الأولى لوصولنا عدن والأيام اللاحقة .
وبعد مرور أكثر من ثلاث ساعات ونصف وعند أقترابنا منها إعلن كابتن الطائرة بأن الحرارة في مطار عدن 37 درجة مئوية والرطوبة 100 % ، عند ذلك توجهت بعض الرفيقات الى مؤخرة الطائرة وإنشغلن بوضع المكياج وتسريح الشعر حسب ما تراه كل منهن مناسبا" لها وسط ضحك المرحومة ( الفنانة القديرة زينب ) وهي تعلق ( خايبات الحرارة والرطوبة ما راح تخلي شئ على الوجه لا تتعبن نفسجن ) .

يرجى ربط الأحزمة إننا على وشك الهبوط ... هذا ما أعلنه كابتن الطائرة وهو يقترب من مطار العاصمة اليمنية عدن ، تقع عدن على ساحل البحر العربي بالقرب من باب المندب ، وتعتبر العاصمة التجارية والاقتصادية لجمهورية اليمن الديمقراطية ، وتعتبر من أجمل المدن اليمنية الساحلية التي تمتاز بشواطئها البديعة المتنوعة ، ومبانيها العريقة وقلاعها وحصونها المنيعة وأسواقها الشعبية المتعددة ، أختلف الباحثون عن تسمية اليمن فمنهم من قال إن إسم اليمن يعني ( العربية السعيدة ) ، وقيل سمي اليمن بإسم ( أيمن بن يعرب بن قحطان ) . وفي التراث العربي يقال أن إسم اليمن إشتق من ( اليُمن ) أي الخير و البركة . وقال آخرون سمي اليمن يمناً لأنه على يمين الكعبة .

مرت دقائق عديدة قبل أن تهبط الطائرة في الساعة الثامنة والنصف ليلا" في مطار عدن الدولي الواقع على ساحل البحر في منطقة خور مكسر والذي يبعد 6 كم من وسط المدينة ، وها نحن الأن على أرض اليمن السعيد ، هذا البلد العريق الذي كان موطنا" لأقدم الحضارات في العالم ، ففيه نشأت حضارة سبأ ، حضارة حضرموت ، مملكة حمّير وغيرها من الحظارات المندثرة .
نزل الأخ الرئيس (عبد الفتاح إسماعيل) والوفد المرافق وتم إجراء مراسيم الأستقبال الرسمي المتواضع المعد له ولأعضاء الوفد ومن ثم صافح مستقبليه وتوجه الى صالة الأستراحة ، وتلا ذلك نزولنا وتوجهنا الى صالة الأستراحة حيث كان بإستقبالنا ممثل منظمة الحزب في عدن الرفيق المرحوم ( معن جواد ) ، وفي تلك الصالة البسيطة وقبل مغادرته المطار توجه نحونا الرئيس عبد الفتاح أسماعيل ليصافحنا مرة أخرى الواحدا" تلو الآخر متمنيا" للجميع طيب الأقامة في ربوع اليمن ، ولم ينسى أن يكلف وزير الداخلية (علي شايع هادي) ليتابع أكمال إجراءات المطار بشكل مباشر وبسرعة وتوفير سيارة خاصة لتنقلنا الى المناطق التي تحددها منظمة الحزب في عدن .

يعتبر عبد الفتاح إسماعيل مؤسس الحزب الأشتراكي اليمني ، فبعد حصلت اليمن على الإستقلال من الإحتلال البريطاني في 30 نوفمبر ( تشرين الثاني ) عام 1967 تسلمت الجبهة القومية الحكم وأعلنت قيام دولة اليمن الجديدة والتي حملت أسم جمهورية اليمن الديمقراطية وعاصمتها عدن ، وبعد التحول الماركسي في الجبهة القومية وتبنيها الأشتراكية العلمية كدليل نظري ومرشد فكري ، برزت للساحة السياسية أهمية وحدة القوى الثورية ، ودخلت هذه القوى في حوارات سياسية معقدة أستمرت عدة سنين تجسدت بعقد مؤتمر توحيدي في تشرين الأول/ أكتوير 1975 لتذوب جميعها في تنظيم واحد هو التنظيم السياسي الموحد للجبهة القومية ، وبعد ثلاث سنوات وفي / تشرين الأول / أكتوبر / 1978 تم الأعلان عن تشكيل الحزب الإشتراكي اليمني والذي تركزت مهامه على تعزيز التجربة الثورية ، فتم توحيد كافة السلطنات والمشايخ في كيان وطني واحد وتم إصدار قوانين عصرية وبدأ ببناء جيش وطني وجهاز وظيفي كفوء والقضاء على الأمية والنهوض بوضع المرأة وإيصال الصحة والتعليم المجاني لكل قرى وأطراف البلاد ووفر فرص العمل .

الحرارة في المطار لا تطاق في هذه الساعة من الليل ، الرطوبة تجاوزت 95 % ، ملابسنا إلتصقت على أجسامنا ونحن في الدقائق الأولى لوصولنا ، أحسست وللوهلة الأولى بضيق التنفس لأرتفاع نسبة الرطوبة ، مساحيق التجميل التي وضعتها بعض الرفيقات على وجوهن في الطائرة أخذت تسيل على الوجنتين والخدين بسبب الحرارة بشكل مضحك وسط قهقهات وغمزات المرحومة الفنانة زينب وهي تنظر الى الرفيقات بدون أن تعلق بشئ أحتراما" للمحيطين بها .

بعد إتمام إجراءات المطار توجهنا الى الباص الذي أعد لنا من قبل سلطات المطار وتم نقلنا إلى أحدى الساحات العامة في منطقة التواهي وهي إحدى ضواحي عدن القديمة التي يسكنها الكثير من العراقيين ، وسميت في عهد الاحتلال البريطاني ( steamer point ) وتعني النقطة التي ترسوا عندها البواخر ثم إتخذت إسم الميناء والخليج الذي تقع عليه .
في وضعنا المتعب هذا واجهت ممثل المنظمة الحزبية المرافق لنا مهمتين ، الأولى توفير ما يمكن توفيره من طعام لأحساس الجميع بالجوع الشديد لعدم تناولهم الطعام منذ الليلة الماضية ، والثانية توزيع الجميع على بيوت الرفاق والرفيقات الذين سبقونا بالوصول الى عدن بشكل مؤقت ولهذه الليلة على الأقل وبما يتناسب مع ظروف كل واحد منهم .
علم الكثير من الرفاق الذين يسكنون المنطقة بوصولنا وتوافدوا مسرعين لمكان تواجدنا وكل منهم يبحث عن قريب أو صديق قد يكون بين المجموعة ، العديد منهم يتبادل القبلات مع قريب أو رفيق له فارقه منذ سنوات طويل ، أسرع البعض منهم الى بيوتهم القريبة لجلب ما يمكن إعداده من طعام وشراب و بسرعة ، وبعد أقل من ساعة كانت أمامنا قدور الرز واللبن والخضروات والخبز بأنواعه يرافقها ترامس الشاي المهيل وكأننا في سفرة عائلية إلى إحدى الحدائق العامة .

الهوامش
ـــــ
الرفيق عبد الفتاح اسماعيل الجوفي ، رئيس الجمهورية اليمنية الديمقراطية الشعبية .
ولد في مدينة عدن عام 1939 لأبوين من فلاحي شمال اليمن ، أكمل دراسته الابتدائية والمهنية في مدارسها ، عمل في شركة النفط البريطانية .انضم إلى الجبهة القومية لتحرير جنوب اليمن من الإحتلال البريطاني وأصبح في فيما بعد المسؤول العسكري والسياسي عن نشاطات الجبهة في عدن، وبعد الإستقلالعين وزيراً للثقافة والارشاد القومي . في عام 1969 أنتخب أميناً عاماً للجبهة ثم عضوا" مجلس الرئاسة. ثم رئيساً مؤقتاً لمجلس الشعب الأعلى عام 1971 .وفي عام 1978 عين رئيساً لمجلس الرئاسة ثم عين في العام نفسه أميناً عاماً للحزب الاشتراكي اليمني الذي أسسه والذي حل محل الجبهة القومية . إستقال في أبريل / نيسان 1980 من جميع مهامه بسبب الخلافات في قيادة الحزب وعاش في المنفى في الاتحاد السوفيتي السابق وعاد الى عدن بعد خمس سنوات لتندلع الصراعات الحزبية والتي تجسدت بأحداث 13 يناير / كانون الثاني 1986 والتي أدت الى مقتله ووزير الدفاع ( علي عنتر ) وآخرين من قادة الحزب على يد حماية رئيس الجمهورية علي ناصر محمد.



يتبع في الحلقة القادمة
كندا / 2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ماذا بعد سيطرة إسرائيل على معبر رفح وما موقف القاهرة ؟| المس


.. أوكرانيا تعلن إحباط مخطط لاغتيال زيلينسكي أشرفت عليه روسيا




.. انتفاضة الطلبة ضد الحرب الإسرائيلية في غزة تتمدد في أوروبا


.. ضغوط أمريكية على إسرائيل لإعادة فتح المعابر لإدخال المساعدات




.. قطع الرباط الصليبي الأمامي وعلاجه | #برنامج_التشخيص