الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


للكوردي وطن واحد أم أوطان؟

جان كورد

2010 / 8 / 23
مواضيع وابحاث سياسية


كتب الأستاذ الكريم غسان المفلح في يوم الخميس 19 أغسطس الجاري حلقة رابعة من موضوعه الشيّق "سورية مأزق يعاد إنتاجه"، تحت عنوان (المسألة الكردية)... ويبدو أنه يعمل حسب المقولة النبوية الشريفة "من لم يهتم بأمور المسلمين فليس منهم" أو كما قيل عن الرسول الأكرم (ص). لذا لايسعنا إلاّ التوجه إلى أستاذنا المفلح بالشكر الجزيل لاهتمامه بقضية هذه "الطائفة!" السورية، وأقول هذا لأنه يتحدث عن "تطييف" وتحويل الكورد إلى "طائفة" بصريح العبارة: ((حتى وصلنا الآن إلى نتيجة مفادها، مزيدا من تحلل شعور المواطن الكوردي بالانتماء لسورية، وأصبحت الإشكالية الكوردية تشبه إلى حد كبير الإشكالية الطائفية، أي حول الكورد إلى طائفة...)) ويصوّر الكورد السوريين من خلال مراقبته الدائبة لفعالياتهم السياسية المختلفة بأنهم واقفون بصورة مؤقتة في "محطة قطار" تدعى "سوريا"، وهم عازمون على الرحيل إلى وطنهم الدائم وهجر هذا "الوطن المؤقت!"...ويذكّرني هذا باقتراح للأخ الكريم فراس قصاص، الناطق الرسمي لحزب الحداثة والديموقراطية في سورية أثناء المحاولات والمساعي المشتركة لحزبه وبارتي ديموقراطي كوردستاني – سوريا وحزب الإصلاح السوري والحركة السريانية بهدف تأسيس "التحالف الديموقراطي السوري" في عام 2003 ، حيث كان يتحدث عن سوريا التي يجب أن يعتبرها الكورد ك"وطن نهائي!" لهم، بمعنى التخلّي كليّاً عن طموحاتهم القومية أو "أحلامهم" في دولة كوردية ....
يقول الأستاذ غسان المفلح في مقاله هذا: ((الأكراد السوريون بتعبيراتهم السياسية الآن، خلق لديهم شعورا جمعيا بأن" سورية عبارة عن وطن مؤقت، وهذا بالضبط ما جعلهم يشبهون في ذلك الأحزاب القومية العربية والإسلامية السورية، وتداخل ذلك مع تطييف المسألة الكوردية. هذا الشعور الجمعي، لم يكن موجودا في السابق وإن كانت الأحزاب الكوردية تطرح حلا قوميا لمسألتها، لكن سورية لم تكن وطنا مؤقتا كما هي عليه الآن، وإن كانت هنالك عوامل دولية وإقليمية ساعدت على ذلك...))
يبدو أن الصديقين العزيزين، مثل غيرهما من أصدقائنا القدامى والجدد في صفوف المعارضة السورية لايقرؤون بشكل جيد مناهج وبرامج الأحزاب السياسية الكوردية، ومقالات الكثيرين من المثقفين الكورد السوريين، الذين يعبّرون لحد ما عن "الشعور الجمعي الكوردي السوري"، أو أنهم لايستمعون باهتمام لما يقولوه الناشطون الكورد من على منابر المؤتمرات والندوات السياسية والثقافية، وعندما يتظاهرون، هنا وهناك،أمام السفارات السورية في العالم الحر الديموقراطي، وأمام ممثليات الهيئات الدولية والمنظمات غير الحكومية، او لا يفهمون تماماً ما يردده الفنانون الكورد من على منصات المسارح في احتفالات نوروز وغيرها من المناسبات التي يدعى إليها المثقفون السوريون من غير الكورد أيضاً...
الخطاب الكوردي المتفق عليه منذ ولادة أول تنظيم سياسي كوردي سوري، هو "وطن الكورد الأوّل والأخير هو كوردستان" و"هذا الوطن تم تمزيقه وتجزئته من قبل المستعمرين، ورغماً عن إرادة الأمة الكوردية" و"ليس هناك كوردي واحد في العالم لايحلم باعادة اللحمة بين أجزاء كوردستان، وجمع شمل بني قومه في ظل راية واحدة، يسمعون ويرددون معاً نشيداً قومياً واحداً، ويحكمون من قبل رئيس واحد، ويتبادلون في وطنهم السلطة ديموقراطياً حضارياً...".
هذا الخطاب ليس وليد تطورات جديدة في وعي الجماهير الكوردية السورية - يا أستاذنا القدير غسان المفلح - وليس ناجماً عن سياسات الاضطهاد البعثي – الأسدي لشعبنا، بل هو وعي قومي يعود إلى عصر الشيخ الشاعر أحمدى خانى، والاضطهاد الذي يعانيه الكورد، السوريون وغير السوريون، موغل عبر تاريخهم، إلى ما قبل نشوء وقيام الدولة السورية الحديثة بقرون، الكورد محرومون من التمتّع بحقوقهم القومية كأبناء وبنات أمة متميّزة عن جيرانها لغوياً وثقافياً وقومياً منذ أمدٍ بعيد، إلاّ أن البعث العنصري الذي يرفض الاعتراف حتى الآن بوجود شعب كوردي في البلاد السورية احتل مقاماً مرموقاً في كتاب الجينيسي العالمي حول التنكّر لحقه القومي، وهو عامل على صهر الأقليات وتعريبها... فمدينة عفرين الكوردية الشهيرة تحولّت في ظل عظمة الحضارة البعثية إلى مدينة "العروبة"، وجبل الأكراد إلى جبال حلب، وجبل الدروز الصامد إلى جبل العرب، وهكذا...بل أصبح السلطان الكوردي الشامخ في التاريخ، صلاح الدين الأيوبي، فاتحاً عربياً، على الرغم من أن اللوحة التي على جدران مرقده تقول صراحة بأنه ولد من أبوين كورديين. وتبريراً لذلك فإنهم يقولون "كل من تكلّم العربية فهو عربي" وعليه فإن كل أساتذة العلوم العربية من اليهود "هم عرب!"...
ربما لايدري الأستاذ غسان المفلح وكثيرون غيره من المهتمين بالشؤون السورية أن تغيير منهاج بارتي ديموقراطي كوردستاني سوريا في ستينات القرن الماضي من النضال في سبيل ((تحرير وتوحيد كوردستان)) إلى المطالبة بحقوق قومية مشروعة دولياً في إطار الدولة السورية القائمة، لم يكن إيماناً بانتساب قادته وكوادره انتساباً طوعياً ونهائياً لوطنهم النهائي سوريا، وانما بحكم الظروف الذاتية والموضوعية التي فرضت عليهم "التأقلم" مع الأوضاع السياسية الطارئة على المنطقة، بعد نجاح القوى القومية العربية في السيطرة على مقاليد الأمور في كل من العراق وسوريا. ولكن أتحدى أن يأتي لي الأستاذ غسان المفلح باسم سياسي كوردي سوري واحد ينكر أن "الوطن النهائي للشعب الكوردي كوردستان وليس أي وطن آخر على وجه الأرض"...
والمعلوم جيداً أن النظام السوري البعثي بنفسه اعترف في وثائق حزبية قديمة بأن هناك "حركة تحرر وطني كوردية" وأن الاستعمار جزّأ هذا الشعب. ولذلك لايعقل أن تكون هناك حركة تحرر وطني في أي مكان من العالم، دون شعب وأرض وأهداف عليا لهذه الحركة... ومعلوم أيضاً أن هذا النظام البعثي في العراق وسوريا قد دعم وآوى وساهم في تقوية أحزاب سياسية كوردستانية تدعو إلى تحرير الأمة الكوردية. وأعتقد أن الأستاذ غسان المفلح قد تطرّق إلى هذا بنفسه...
وأقول بجرأة: لو جرى استفتاء ديموقراطي حر ونزيه، تحت إشراف دولي، عما إذا كان الكورد في سوريا يحبذون الاتحاد مع إخوتهم في كوردستان الجنوبي (الجزء العراقي من كوردستان) أم لا، فإن النتيجة ستأتي بالتأكيد كما نتوقع نحن المدافعون عن قضية هذا الشعب بشكل صريح، وليس كما يزعم بعض الذين يسترضون البعثيين من خلال شرفات المنازل العالية التي تنشر يافطات وطنية سورية موغلة في التملّق والمراء. فهل يتجرأ النظام السوري على قبول مبدأ (الاستفتاء) تحت إشراف دولي لمعرفة الحقائق على الأرض؟ أو هل المثقفون المعارضون موافقون خلقياً ومبدئيا على ذلك، في حين وصولهم إلى السلطة؟
نقطتان هامتان يجدر بنا التطرّق إليهما بصدد ما كتبه الأستاذ المفلح:
- مسألة الطائفة الكوردية.
- مسألة كيفية التعامل مع القضية الكوردية السورية.
أقول باختصار: على أساتذنا المهتمين بالقضية الكوردية قول الحقيقية بجرأة، مثلما يقولها العالم الاجتماعي التركي اسماعيل بشكجي والقانوني العراقي منذر الفضل، اللذين احتلا قلوب الملايين من أبناء وبنات أمتنا المظلومة بصداقتهما لها، إن كانوا مصرين على طرح هذه "الاشكالية!" طرحاً علمياً جيداً. ولقد قال الله تعالى في كتابه العزيز ((ولاتلبسوا الحق بالباطل وتكتموا الحق وأنتم تعلمون)). الطائفة مصطلح ديني عريق، فيقال: الطائفة العلوية أو الدرزية أو الاسماعيلية و...و... ولكن لايقال الطائفة الكوردية، فالكورد ليسوا ديناً، بل لهم أديان مختلفة، هي الإسلام بشقيه السني والشيعي، ومنهم طائفة علوية، بل طائفة تدعى ب"علي إلهي"، كما أن منهم نصارى ويهوداً، وديانة اليزيديين شهيرة بين الكورد، وعليه نرفض – من وجهة نظر علمية- مصطلح "الطائفة"... وإن بقي توصيفهم مشكلة في أذهان من يتهربون من الحقيقة، في حين أن توصيفهم بالنسبة للواقعيين والموضوعيين من سياسيين وغير سياسيين سهلٌُ للغاية، فالكورد في نظرهم شعب من أمة كبيرة في الشرق الأوسط شأنها كالأمة العربية والفارسية والتركية... ولا أدري بالضبط ما الدوافع التي دفعت بأستاذ قدير في السياسة أن يجعل الكورد "طائفة!"، حيث يختلف التفكير الطائفي بشكل واضح عن التفكير القومي...أما إذا كان التماسك من جهة الشعور القومي سبباً في إطلاق هذا الوصف، فالترك معروفون في غالبيتهم بتماسكهم الشعوري القومي بشكل أقوى بكثير من الكورد، فهل يقول السيد المفلح عن الترك بأنهم أيضاً صاروا "طائفة!"؟... وهل كل بعثي متشدد في الولاء للعروبة صار طائفياً؟
أما عن التعامل مع القضية الكوردية التي في اعتقاد بعض أساتذتنا المعارضين صارت "إشكالي لم تكن من قبل موجودة (!)"، فأعتقد أن منطق الحقيقة والواقعية يفرض عليهم البحث عن جذور هذه القضية "الاشكالية!"... لماذا يوجد كورد في سوريا والعراق وايران وتركيا وآذربايجان وأرمينيا، في مناطق غير منقطعة عن بعضها إلاّ في أطراف هذا المحيط الكوردي الواسع؟ هل يمكن الفصل نهائياً بين الكورد، في وقت تنهار فيه الحدود الدولية بين مجموعات كانت متحاربة من قبل؟ وماهي النتائج المحتملة لتصفية المشاكل الحدودية وازالة العقبات الادارية بين تركيا وسوريا وبين سوريا والعراق بالنسبة للثقافة الكوردية مثلاً؟ هناك في العراق وتركيا مطابع كبيرة تنشر يومياً كتباً ومجلات بالكوردية، فما تأثير الانفتاح بين هذه الدول على كورد سوريا؟ ومع تنامي القوى القومية الكوردية في كل هذه البلدان، هل ستبقى القضية الكوردية في سوريا مجرّد قضية "مواطنة سورية"؟ ويجدر بالذكر أن النظام السوري قد ساهم بفعالية في نمو بعض تلك القوى تاريخياً...
أما التعتيم المقصود على الإطار الواسع والحقيقي لهذه القضية الشرق – أوسطية الساخنة والتي تشمل حياة ما لايقل عن أربعين مليون من البشر فإنه لن يحوّل وطن الكورد إلى أوطان، مهما اشتدت سياسات الاضطهاد القومي وانكار الحقوق.
وأملي هو أن يجلس المثقفون العرب إلى بعضهم أولاً، ويطرحوا هذا السؤال ويجيبوا عنه: ((ما القضية الكوردية حقاً؟))








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فخر المطعم اليوناني.. هذه أسرار لفة الجيرو ! | يوروماكس


.. السليمانية.. قتلى ومصابين في الهجوم على حقل كورمور الغازي




.. طالب يؤدي الصلاة مكبل اليدين في كاليفورنيا


.. غارات إسرائيلية شمال وشرق مخيم النصيرات




.. نائب بالكونغرس ينضم للحراك الطلابي المؤيد لغزة