الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


البوكمال... سيرةٌ فراتيةٌ جداً

ثائر زكي الزعزوع

2010 / 8 / 23
الادب والفن


"إلى قيس، رياض، إسلام، صهيب،كمال... وآخرين"
العجاجُ بوصفه أبجديةً من القهرِ والظلمِ.. يستطيعُ اختراقَ التقاليدِ والأعرافِ، ويستطيعُ أيضاً صنعَ أغنيةٍ تناسبُ سطوتَه التي تشبهُ الموتَ، والعجاجُ بوصفِه حلاًّ وتاريخاً من المتناقضاتِ.. يشبِهُ وجوهنَا وملامحَنا.
كلَّ يومٍ تعلو التفاصيلُ نفسُها لتكسو الفراتَ بألفِ زغرودةٍ أطلقتها النساءُ، وضاعت منهنّ على الدروبِ المُقفرةِ...
نِعْمَ الفراتُ أنت...
نِعْمَ التركيبةُ الاستثنائيةُ من الحبِّ والشهوةِ والغيابِ بلا حدودٍ...
تتوهجُ الأرضُ... تأخذُ شكلَ الشمسِ
إنّها لا تكفُّ عن العويلِ، والنواحِ...
كأنّ قدرَ المخلوقاتِ التي تمضي الوقتَ تراقب تآكُلَ الطينِ أن تغفو بينما يفرُّ من بين أيديها النهرُ والعمرُ والشعرُ.
هنا يتعلمُ الصغارُ ألاّ يكونوا صغاراً إلا عندما يفارقونَ الحياةَ، وهنا يتعلّمُ العاشقون الكُسالى أنّ الطريقَ الذي يقودُهم إلى الحبّ يقودُهم إلى ضفةِ النهرِ، حيثُ النخلة تصبحُ وطناً، وحيثُ العيونُ تحدِّقُ دون توقفٍ:
أيها العاشقونَ فروا ببقاياكم إن حروفَ اللغةِ لا تستوعبُ نزقَ قلوبِكم، وإن الوقتَ يمرّ سريعاً. وسريعاً ستمرّ فتاة تلفُّها عباءةٌ تتماوجُ تحتَ القيظِ... والقيظُ لغةٌ لا آخرةَ لها، لغةٌ لا آخرةَ لها.
هنا ينبتُ الشعراءُ كما ينبتُ الأنبياءُ، فُرادى لا تحتضنُ نزقَهم إلا أوراقٌ تمزِّقها ذراتُ الغبارِ التي تخترقُ الدفءَ.
أحدُهم أمضى العمرَ يطاردُ طيفَ السيّابِ، والآخرُ يتمايلُ طربَاً تُسكِرهُ كلُّ مراهقةٍ، والثالثُ ما زالَ يحاولُ ترتيبَ المتصوّفةِ كما يرتّبُ كتبَ الأشعارِ في مكتبتِه الصغيرةِ، والآخرُ، والآخرُ، والآخرُ.
ينسفحُ العمرُ بعيداً، هكذا همستْ لنا أمهاتُنا... فتركنا على باب القلوبِ بقايا صورٍ لا تشبهُ صوراً أخرى، وتركنا في الزوايا المظلمةِ حكاياتِنا.
نعم يستطيعُ الفراتُ أن يصيرَ أغنيةً ونغنيهِ، ويستطيعُ أن يصيرَ صوتَ نايٍ، ويستطيعُ أنْ يكونَ ما يشاءُ.
لا تثملُ المدينةُ لأنّ محبّيها كتبوا لها قصائدَ حبٍّ، ولا ترقصُ طرباً حين يشدو لها عاشقٌ دنفٌ، ولا تحلّقُ المدينةُ بأجنحةِ الفراشاتِ لأنّ أجسادَ موتاها تعودُ إلى رحمِها، تعودُ كي تلتصقَ بترابِها، وتعيدَ تلك العلاقةَ الأبديةَ بينها وبينَ الطينِ.
ولكنّ المدينةَ تغفُو حالمِةً حينَ تُحلِّقُ طيورُ القطا في سمائِها مُناديةً في الصباحِ وقبلَ الغروبِ: أيتُها القلوبُ المتُعبةُ
اِخلَعي أرديةَ الرملِ
وطِيري
صِيرِي ما شِئْتِ
بفعلِ الحُبِّ...
وبفعلِ الحبِّ يمُضي المُحبُّونَ ليالي القيظِ يعيدونَ كتابةَ قصصِ العشقِ، وقصصِ الحربِ وقصصِ الموتِ، وقصصِ النظرةِ الأولى والقبلةِ الأولى والخيبةِ الأولى.
كم قصةٍ تمنحُ الحجارةَ الطينيةَ المهدّمةَ قربَ "الجامع الكبير" ذاكرةً ضاقَ بها المكانُ فتهاوتْ، كما يتهاوَى الرجالُ الجميلونَ فُرادى، مثلَ أوراقٍ ألقى بها الخريفُ على جانبِ الطريقِ فوطأتها أقدامُ المارةِ.
هي الحكايةُ نفسُها ترويها المدنُ للمدنِ، وتحكيها الطرقاتُ للعابرينَ.
هي الحكايةُ نفسُها.
نفسُها.
الأبوابُ الخشبيةُ رديئةُ الصنعِ، تُصدرُ صريراً لا يتوقفُ، والعيونُ تراقبُ ضمورَ الجبالِ، وشحوبَ النخيلِ، والقمرَ الذي ملَّ التنقلَ من اليمينِ إلى اليسار.
ليس عليكِ أن تكبري أكثرَ كي نناديكِ يا أمَّنا.
ليسَ عليكِ أن تتّشحي بالسوادِ كي نرى حزنَكِ.
وليس عليكِ أن تكوني جميلةً كي نحبك ونكتبَ القصائدَ في مديحك و نغني لكِ..
كوني تلك المدينةَ التي أثقلتها السنواتُ، وغادرها أبناؤها القلقونَ كأنّ رياحَ الأرضِ تحتَ أقدامِهم...
كوني تلك المدينةَ التي يعانقُها الفراتُ قبل أنْ ينام.
البوكمال-دمشق
صيف 2010








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. مليون و600 ألف جنيه يحققها فيلم السرب فى اول يوم عرض


.. أفقد السقا السمع 3 أيام.. أخطر مشهد فى فيلم السرب




.. في ذكرى رحيله.. أهم أعمال الفنان الراحل وائل نور رحمة الله ع


.. كل الزوايا - الفنان يحيى الفخراني يقترح تدريس القانون كمادة




.. فلاشلايت... ما الفرق بين المسرح والسينما والستاند أب؟