الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الفن التشكيلي المعاصر في العراق .تعدد المصادر وأختلاف الأساليب.

حكمت مهدي جبار

2010 / 8 / 24
الادب والفن


حكمت مهدي جبار
تضم المكتبة العراقية العديد من الكتب المتخصصة في تأريخ الفن التشكيلي في العراق .فضلا عن المقالات المنشورة في الصحف والمجلات المحلية.واذا ما أردنا ان نتصفح تأريخ الحركة التشكيلية المعاصرة في العراق والكتابة عنها سواء كان تأريخا او نقدا فأنه سرعان ما يقفز الى اذهننا اسماء من الكتاب والنقاد التشكيليين وكذلك الفنانين .أمثال جبرا ابراهيم جبرا , عادل كامل, شوكت الربيعي ,شاكر حسن آل سعيد.ضياء العزاوي .وآخرين..
ليس بخاف على احد ان الفن التشكيلي في العراق هو رافد من روافد الفن العربي التشكيلي المعاصر,فضلا عن مكانته المتميزة على الصعيد العالمي نظرا لما يرتبط تأريخه بجذوره الضاربة في القدم في ارض الرافدين.وعبر تلك المسيرة المشرفة للحركة التشكيلية العراقية فقد واجه الفنان العراقي مشكلات وحواجز كثيرة , غير انه لم يستسلم للظروف التي واجهته سواء كانت منها الفكرية او العملية على حد سواء .
ومن الملفت للنظر ان هناك حقيقة يعرفها المتتبع للحركة التشكيلية وهي(تعدد المصادر) للفن التشكيلي العراقي , الا أن ذلك التعدد في المصادر لم يؤدي الى (تشتت)(1) في النتائج وأنما الى مرحلة متقدمة يمكن ان تكون بداية اخرى للشوط الذي بلغه الفنان والى الوضوح الفكري (الألتزام الفلسفي والوعي التقني) بالذات .لذلك بأمكاننا القول أن الفنان العراقي سعى لتأصيل فلسفة جمال عربية ذات جذور ة بالقدم وذات افق مستقبلي. لقد كنا من المتابعين لحركة التشكيل في العراق منذ مراحلنا الدراسية الأولى , وقد يقف وراء ذلك حبنا لفن الرسم الى جانب الموهبة التي منحها الله لنا حتى حصولنا على الشهادة الأكاديمية في دراسة الفن نقول ذلك كي لا نبتعد عن الموضوعية في الطرح . ولكي نكون أكثر تفاعلا معه كوننا من ذوي الأختصاص..غير أننا لايمكن ان نصف انفسنا بأننا نقاد فن نتوسع في الموضوع ونقيم نتائجه من وجهة نظر نقدية وأيضا نحن لسنا مؤرخي فن . انما كفنانين عايشوا تجربة الفن التشكيلي العراقي في حقبة ما.
أن تعدد مصادر الفن التشكيلي في العراق شكلت مسارا متكاملا لتلك المصادر كواقع حال وأسست تجربة للفنان العراقي فلسفة وتكنيكا , شكلا ومضمونا , فكرة وأطارا . ومع تعدد المصادر التي قلنا عنها انها لم تكن سببا في تشتت النتائج الا ان الهدف لم يكن بذلك الوضوح فأستمرت تجارب البحث من قبل الفنان العراقي في محاولة لربط تلك التجارب بالهدف الذي يسعى لتوحيد تعدد المصادر بمعنى آخر محاولة جعل كل تلك المصادر والمؤثرات ان تصب في غاية واحدة لكي يتحدد اسلوب تشكيلي واضح الرؤية ومحدد الهوية والتي لازالت العديد من الدراسات تفتقر الى مثل تلك المحصلة .
لقد واجه الفنان التشكيلي العراقي (2)مشكلات غاية في الصعوبة وهي مشكلات فرضها الواقع بشكل عام ولكنه استطاع ان يتحداها للتعبير عن موقفه , وتحديد هذا الموقف قبل كل شيء. فبات من الواضح ان الفن اتشكيلي في العراق لا يمكن ان يكون الا ان يرتبط بموقف , والذي تمثل بالموقف الوطني لاسيما في مراحل الخمسينات والستينات من القرن العشرين. انطلاقا من حقيقة ارتباط الفنان العراقي كمواطن بأرضه ارتباطا وثيقا وأنتماءه لوطنه والتصاقه بمعاناته الناجمة عن الأحتلالات والأستعمارات المتتابعة فضلا عن وجوده كأنسان وكفنان تحت وطأة التخلف الأجتماعي ودكتاتورية الحكومات وقمع السلطات للثقافة والفن كعناصر تنحاز الى الشعب اكثر منه الى السلطة. وهكذا عرف الفن العراقي بأنه لايمكن الا ان يكون ملتصقا بقضايا وطنه ومشاكل شعبه كما هو الحال مع الفنون الأدبية كالرواية والقصة والمسرح والسينما الخ....فمثلا تمكن الرائد (جواد سليم) من ان يعبر عن فنه بمنجزه الأبداعي ملخصا مسيرة شعبه وكفاحه البطولي من خلال منحواتته التي علقها على (نصب الحرية) الخالد. و(فائق حسن) استطاع ان يجسد فكرته عن الفن الواقعي مستلهما قضايا الوطن وهموم الشعب. أذن الفن التشكيلي العراقي ارتبط بالبدء بالأفكار الوطنية ارتباطا عفويا نتيجة الشعور الوطني الصادق غير المتحزب وغير المؤدلج وغير المجير لصالح فئة معينة ,فكان فنا وطنيا خالصا. فضلا عن التزامه بالتعبير عن افكار جديدة معبرة عن روح الشعب .(3)ان أولى التجارب التشكيلية في العراق كانت قد بدأت في اوائل القرن العشرين كما يقول الفنان نزار سليم على يد عدد من الرسامين الهواة ومنهم عبد القادر الرسام الذي كان ضابطا في الجيش العثماني والحاج محمد سليم ومحمد صالح زكي وعاصم حافظ .وأخذت الحركة الفنية بعد ذلك تتبين عند افتتاح فرع الرسم في معهد الفنون الجميلة عام 1939 . وعندما جاءت الأربعينات كانت فترة الدهشة والأكتشاف للفنان العراقي عندما اختلط الفنانون العراقيون مع بعض الفنانين البولونيين المهجرين الى بغداد في تلك الفترة.


(4)وبعد الحرب العالمية الثانية أستمرت تلك التجارب حتى تبلورت في خمسينات القرن الماضي لتكون تلك الحقبة كأساس لبداية النهضة الفنيةالجديدة في العراق لتمتد الى ستينيات القرن نفسه مستلهمة افكارها من الواقع العراقي رغم اضطراب الأحوال السياسية آنذاك. حيث ما لخصوصية (الستينات )من أثر كبير على الحركة الثقافية في العراق بشكل عام .حيث الواقع الأجتماعي المتأثر بالقلق السياسي, وتداخل التيارات الوطنية , فضلا عن انبهار الفنان العراقي بالفن الغربي لاسيما الأفكار الوجودية الجديدة التي سادت اوربا لتمتد الى الشرق العربي.وتلك شكلت عوامل ساهمت في بلورة الأساليب المدرسية وغير المدرسية.. لقد ظهرت هنا اتجاهات في الفن على يد محمود صبري وشاكر حسن ال سعيد وحافظ الدروبي.الى جانب جواد سليم وفائق حسن.وتلك الاتجاهات رغم وجود بعض النزعات المختلفة فيها بالنسبة للفنان , فأنها ارتبطت بوعي اولئك الفنانون كأفراد لطبقة اجتماعية معينة . الا ان ذلك التحديد الطبقي للفنان لم يمنعه من كونه شخصية وطنية بكل عناصرها المحلية وحتى القومية في تلك الفترة. برز في هذه الفترة الزمنية المهمة فنانون كبار مثل محمد مهر الدين اسماعيل فتاح الترك في الحقيقة ان الفنان في العراق ومن خلال معرفتنا للحركة التشكيلية العراقية سواء بقراءة تأريخها او معايشتها كفنانين عراقيين لم تنفصل عن فكرة ترسخت في الأذهان وهي فكرة (النضال ) ضد الأستعمار او الأنظمة التي روجت لها الأحزاب الحاكمة او المعارضة التي كانت تنتظر تسلم السلطة . اذن تجربتنا كفنانين عراقيين ارتبطت بالتحولات السياسية (5) وأن المصدر الاساسي لنهوض الفن لايكاد ينفصل عن الوعي السياسي بالاستقلال وببناء النموذج الوطني للفنان او للفن . ويمكن ان نستنتج من هذا ان قيمة الجوانب الوطنية او السياسية قد فاقت القيمة الفنية الخالصة . وخلال عقد السبعينا ت وما تلاه والذي سيطرت فيه ألأفكار المتمثلة بآيديولوجية (البعث) القومي الشمولي , والذي كنا فيه في زهو انطلاقتنا الفنية كنا نرى الفن ذو توجهات قومية . فتبنى بعض فنانونا الكبار وأساتذتنا الأفكار القومية في اعمالهم الفنية انصياعا لمنهج (الحزب) وأن كان اغلبهم غير منتمين له.فكانت قضية الجزائر وقضية فلسطين وموضوعة الشهيد العربي والترالث القومي والوحدة والحرية والأشتراكية والنضال والعروبة وغيرها مواضيعا غزت اغلب الأعمال الفنية التشكيلية آنذاك. وفي ثمانينات القرن الماضي جاءت لوحة الحرب كأفراز طبيعي لمعطيات الواقع . الى جانب تخصيص معرضا سنويا خاصا سمي (بمعرض الحزب ) وهو اكبر فعالية فنية للتشكيليين العراقيين وفيه أكبر جائزة مادية ومعنوية. اما في التسعينات حيث الحصار البغيض الذي فرض على العراق فقد اصيب الفنان بالأحباط وتبعثرت افكاره وهمش دوره فأضمحلت حركة الفن التشكيلي الى حد كبير على مستوى المؤسسات الرسمية في الجامعات والكليات وعلى المستوى الفردي للفنان لتمتد في مأساتها حتى بداية الألفية الثالثة.وبعد التغيير صارت احوال الفن التشكيلي بشكل آخر جديد مع بقاء الفنان متشبثا بجذوره ومرجعياته التأريخية .وبذلك يحق القول على الفنان التشكيلي العراقي بانه بقي محافظا على توازنه بين الأساليب الكثيرة والعناصر الفنية .لاسيما وهو يعيش عصر ا صار فيه فن الرسم متمردا على الأساليب الجمعية لصالح الفردية متخلصا من هيمنة الأدلجة الفكرية .فضلا عن انفتاحه الواسع على العالم بسبب الهجرات الكبيرة للكثير من الفنانين الى الخارج بعد 2003 الى جانب الغزو المذهل لأجهزة الأتصالات الحديثة مما اثرى تجربة الفنان العراقي بشكل كبير جدا. ومهما يكن من امر فأن الفنان العراقي رغم ملاحظة ميله نحو التجريد بصورة ملفتة للنظر فأنه ما يزال تجريبيا وما تزال مصادره غير واضحة ولم يتمثلها لتكون معبرة عن فنه او رؤيته الشخصية او الجماعية . فهل لا زالت التأثيرات الأوربية في اللوحة التشكيلية ؟ وما مقدار التأثيرات الأسلامية فيها ؟ وكم هم الفنانون الذين لا زالوا يتعاملون مع تراثنا القديم ؟وهل أن التجريد هو الفن المعاصر الذي لابديل له؟ وكيف يعالج الرسام لوحته المعاصرة ؟كل هذه الأسئلة نراها مهمة اذا ما اردنا اصدار حكم يتوخى الدقة والأمانة ونحن نرى من خلال المنجز التشكيلي ما بعد التغيير انه لازالت هناك اعمالا للذوق الأرستقراطي وأخرى اعلانية مباشرة تقليدية مدرسية ركيكة التنفيذ تجارية بالمعنى الصريح . الا ان الساحة الفنية التشكيلية لاتخلو من اعمال تسعى ان تكون فنا. مع ملاحظة استغراق اغلب الفنانين بأسلوب التجريد الذي يثير شكوكا وتساؤلات عن مدى اصالة العمل الأبداعي عن عدمه وقدرة الفنان الأكاديمية على التعامل مع اسس اللوحة وعناصرها الفنية .فقد اتهم المشتغلين بالتجريد بأنهم قفزوا من فوق الشروط الأكاديمية والمدرسية بأتجاه التجريد . أي انهم ذهبوا لتشييد السقف بدون وضع الركائز والأسس البنائية..
المصادر
1 - المصادرالاساسية للفنان التشكيلي المعاصر في العراق ـــ عادل كامل ــ الموسوعة الصغيرة ــ 1979
2 – نفس المصدر
3 – نفس المصدر
4 – الفن التشكيلي المعاصر في العراق ..عادل كامل ..1986
5 – ملف خاص في مجلة آفاق عربية ..








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. محمد محمود: فيلم «بنقدر ظروفك» له رسالة للمجتمع.. وأحمد الفي


.. الممثلة كايت بلانشيت تظهر بفستان يحمل ألوان العلم الفلسطيني




.. فريق الرئيس الأميركي السابق الانتخابي يعلن مقاضاة صناع فيلم


.. الممثلة الأسترالية كايت بلانشيت تظهر بفستان يتزين بألوان الع




.. هام لأولياء الأمور .. لأول مرة تدريس اللغة الثانية بالإعدادي