الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


«وطار».. الشهداء يعودون

فريدة النقاش

2010 / 8 / 24
الادب والفن


الروائي الجزائري الراحل قال عن «اللاز» إنها «طفرة كبيرة في الرواية العربية، تتحدث عن الثورة لأول مرة بالملموس»

ظل إبداع وطار الأدبي الوجه الآخر لنضاله العملي فاستحق وصف المثقف العضوي الذي ترتبط أفكاره ورؤاه بالممارسة وبالجماهير
اللغة هي وعاء الروح ومرتكز هوية الجزائر الوطنية ومعركة تحريرها تمتد من جبهة الهجوم الثقافي الفرنسي والرجعية السلفية باسم الإسلام

رحل قبل أيام الروائي والمناضل الجزائري «الطاهر وطار» أحد مؤسسي الرواية الجديدة في الأدب العربي وأحد المدافعين عن اللغة والثقافة العربية في مواجهة الاتجاه الفرانكفوني الذي حذر «وطار» من إمكانية استيلائه ثقافيا علي الجزائر بعد أن قدمت البلاد الشهداء بمئات الآلاف من أجل الاستقلال السياسي في مواجهة استعمار استيطاني دام مائة وثلاثين عاما.
أدرك «وطار» - وهو الذي تلقى تعليمه مبكرا في مدارس جمعية العلماء - أن اللغة العربية رغم أصوله البربرية هي وعاء الروح ومرتكز هوية الجزائر الوطنية، وأن معركة تحريرها تمتد على جبهتين، الأولى ضد الهجوم الثقافي الفرنسي الذي يصارع في قلب الجزائر المستقلة لإعادة إلحاقها بالاستعمار من باب خلفي، والثانية ضد التوجهات الرجعية السلفية باسم الإسلام التي نبتت لأسباب موضوعية في جزائر ما بعد الاستقلال، واستفادت من الفساد الذي استشرى في دوائر جبهة التحرير الوطني الجزائري.. الحزب الحاكم الوحيد آنذاك وكانت قصته «الشهداء يعودون هذا الأسبوع» التي تحولت لمسرحية واحدة من العلامات المميزة التي كشفت عن جذور التحلل حين صنعت عالما فاجعا يشعر فيه الشهداء العائدون وكأن تضحياتهم ضاعت هباءً بعد أن دب الفساد في عالم ما بعد الاستقلال، ودفاعا عن اللغة والرؤية المنفتحة للثقافة العربية الإسلامية، والتوجهات العقلانية فيها أنشأ قبل عشرين عاما جمعية «الجاحظين» نسبة إلى أديب العرب الفذ «الجاحظ» وشعارها «لا إكراه في الرأي» ونظم منتدى ثقافيا شهريا في منزله بعد أن أحالته للمعاش قبل سن الخمسين السلطات الغاضبة من موقفه حين رفض فكرة التعامل الأمني مع شباب الجماعات الدينية وإرسالهم إلى مراكز عسكرية في الصحراء وعزلهم.
ظل إبداعه الأدبي الغني هو دائما الوجه الآخر لنضاله العملي فاستحق وصف المثقف العضوي بامتياز ذلك المثقف الذي ترتبط أفكاره ورؤاه بالممارسة وبالجماهير التي تتوجه رسالته لها هو الذي أمسك بمبادئه كالقابض على الجمر، ودافع عنها في كل أشكال إبداعه الثقافي.
وفي هذا السياق أهدى الثقافة العربية شخصية «اللاز» في روايته الأم التي تحمل هذا الاسم ذلك المناضل الشيوعي الذي انخرط في الكفاح المسلح ضد الاستعمار، وهو يواجه في خضم النضال خيارين كلاهما أمر من الآخر إما الذبح وإما التنكر لمبادئه.. هذا البطل غاب تدريجيا عن أحداث الرواية ليعود فيما بعد وقد فقد وعيه بتأثير الصدمة التي سببها له ذبح والده الشيوعي «زيدان» أمام ناظريه بعد أن رفض التنكر لمبادئه ليجسّد لنا من الواقع الفعلي للثورة صورة المناضل الذي يتمسك بمبادئه ويموت راضيا في سبيلها.
وليست محنة «اللاز» - على خصوصيتها الجزائرية - إلا تعبيرا عن الصراع الدموي المرير الذي عرفته كل تجارب التحرر الوطني وأحزابها هذا الصراع الذي جرت في ظله التصفية البدنية للشيوعيين.. ويقول «وطار» عن «اللاز» إنها «طفرة كبيرة في الرواية العربية، تتحدث عن الثورة لأول مرة بالملموس».
وعالج «وطار» قضية الثورة الزراعية في الجزائر في روايته «العشق والموت في الزمن الحراش» ورواها من وجهة نظر طلاب متطوعين للعمل مع الفلاحين وهم يواجهون القوى المضادة للثورة التي حطمت الثورة الزراعية وأفرغتها من مضمونها في سياق إجهاض الثورة الشاملة حيث جرت بسرعة إعادة بناء المجتمع الطبقي الاستبدادي.
وفي «الشمعة والدهاليز» عالج «وطار» قضية توجه شباب الجامعات الإسلامية لاستخدام العنف والصراع بين الرؤى المستنيرة والرؤى الظلامية في جزائر ما بعد الاستقلال، وفي هذا السياق كان «الطاهر وطار» قد عارض إلغاء الجيش لنتائج انتخابات عام 1992 التي بدا أن الإسلاميين قد فازوا فيها ورأى أن إعطاءهم الفرصة للحكم سوف يمكن الشعب الجزائري من اكتشافهم علي حقيقتهم ليتعلم الشعب من خبرته الذاتية.
لم يقدم لنا «الطاهر وطار» أدبا جميلا فحسب إنما قدم أيضا نموذجا يحتذى ويدعو شباب وشابات الأدباء إلى تأمل تجربته كمثقف عضوي اغتنى إبداعه الثقافي باتساع خبرته النضالية وعمقها والتي منحته معرفة استثنائية بواقع الحياة والمجتمع، معرفة لم يستمدها من الكتب وحدها وإنما استمدها أيضا من خصوبة الممارسة.
وبقي أن علينا احتفاءً بـ «الطاهر وطار» أن نقرأ جيدا أديبا ومفكرا ومناضلا، فلا نقول وداعا.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - ¨سلمت يداك يا رفيقة النضال
-جريس الهامس - سورية هولندا ( 2010 / 8 / 24 - 23:06 )
ما أحوجنا في هذه الأيام القاحلة وهذه الردة العامة للأدب الثوري وعودة نفحات أدب وشعر وفن خمسينات وستينات القرن الماضي التي كانت تمثل طموح وانتصارات الثورة الإشتراكية وحركات التحرر الوطني في العالم .. الرحمة والخلود لأديبنا الكبير الطاهر وطار والعزاء لعائلته ورفاقه والشكر لمناضلة ودي النيل فريدة النقاش .. مع كل الحب


2 - الجزائر الأمازيغية
رمضان ياسر - الجزائر ( 2010 / 8 / 25 - 01:02 )
رجمة الله على الاديب طاهر وطار
- ألم يكن من المفترض ان يكون طاهر وطار أحد رموز اللغة الأمازيغية بدل محاربته لها ووصفها بالرجعية ، و لمادا أراد طاهر أن يحارب الفرنسية و إعتبارها لغة غير جزائرية ، ألم يكتب بها الجزائريون أمثال مولود فرعون و محمد ديب و كاتب ياسين ، اعتقد أن الجزائريين أبدعو بالفرنسية أكثر من العربية و إن شاء الله يأتي اليوم يبدعون فيه بالأمازيغية


3 - الطاهر وطار كما يعرفه كل جزائري
الناصر الجزائري ( 2010 / 8 / 25 - 01:09 )
سيدتي ليس هذا هو الطاهر وطار الذي جاء في وصفكم له. لايمكنك معرفة شخصيته من خلال رواياته .إسمحي لي سيدتي ان أصحح للقارءالعربي بعض المعلومات التاريخية .الحركة الطنية الجزائرية منذ قائدها الأول مصالي حاج إلى قادة الثورة خرجوا من المدارس الفرنسية والقليل منهم كان يتقن العربية .فالوطنية نشأة وترعرعت وسط هؤلاء الذين يسميهم الطاهر وطار بحزب فرنسا .أتعرفين سيدتي موقف الطاهر وطار من الحركة االإسلامية .منذ أن أشعلت فتنة الإرهاب لقد عبر عن جبن المثقف حفاظا على حياته والشهادات موجودة .عندما قتل الأديب الجزائري صاحب المقولة المشهور - تتكلم تموت تسكت تموت إذا تكلم ومت- على يد الإرهاب الإسلامي ، قال الطاهر وطار كلمته فيه إنها خسارة لفرنسا وليس للجزائر أهكذا ينطق الوطنيون والأحرار .موقفه من النظام في الجزائر لم يكن يوما في موقف معارض فهو مناضال وفي لحزب جبهة التحرير الوطني الحزب الحاكم منذ الإستقلال .دون أن ننسى عشرات الملايين من الدينارت التي قدمت له من طرف السلطة لتأسيس جمعية الجاحظية وبناء مطبعته.وشكرا


4 - الانشطار
الشهيد كسيلة ( 2010 / 8 / 25 - 09:19 )
وجد المرحوم الطاهر وطار نفسه منشطرا بين النزعة العروبية التي يجد لها النصرة في التيار الاسلامجي ونزعته الحداثية التي تجد بيئتها في النخبة ذات التكوين الفرانكوفوني ولكن حاجز اللغة بينه وبين تلك النخبة الفرانكوفونية المستعليةجعله ينفر بل ويعادي الفرانكوفونية وكما ان الاسلامجيين هم اعداء الحداثة فهم انصار تعريب الجزائر وهكذا كان الحال اذا انجذب الى الحداثيين وجد ثقافتهم الفرانكوفونية واذا انجذب الى المعربين وجد فكرهم السلفي الظلامي
فاختار الطريق الثالث واسس الجاحظية عسى ان ينشا فيها فضاء يجمع بين الحداثة والتعريب

لم ينف الطاهر وطار ابدا هويته البربرية بل واعتبر الجزائر امازيغية دون ان يعادي اللغة والثقافة العربية وعبر عن ذلك بوضوح وكل شخوصه في رواياته هي شخوص بربرية من بيئة بربرية خالصة لكن عداوته الشرسة للفرنسية لغة وثقافة هي التي قادته الى بعض المواقف المتشنجة

على اي حال كان روائيا عميقا ذا شخصية غنية متعددة الجوانب


5 - Ya Farida n.sommes Amazighs et non Berberes.
YAN AMAZIGH ( 2010 / 8 / 25 - 10:00 )

merci


6 - بين العربية و الفرنسية
رامز محب ( 2010 / 8 / 25 - 16:20 )
و هل تخسر اللغة الفرنسية شيئا إن امتنع الجزائريون عن التحدث والكتابة بها؟؟
هم أول الخاسرين لأنهم سيزدادوا انحطاطا بالتحاقهم بباقي الأمم المتخلفة المصابة بالعمى الظلامي !

أول ما كان على هذا المتعصب فعله هو دعوة بني قومه المتسكعين في فرنسا وإيطاليا للعودة إلى جزائر العروبة والاسلام...لكنني أشك لو كان أحد منهم يستجيب لأنهم يعرفون أن إطلاق الشعارات القومجية تجارة بعض مدعي الثقافة لكنها تجلب الخراب لمن يتبعها


7 - أنا يساري ولست منهم
عبد القادر أنيس ( 2010 / 8 / 25 - 19:22 )
الطاهر وطار كروائي مبدع انتهى مع نهاية المشروع -الاشتراكي- الجزائري في الثمانينات بعد موت بومدين بروايته (التتمة): اللاز في الزمن الحراشي .
كمناضل يساري داخل صفوف حزب جبهة التحرير الوطني كان يقول دائما -أنا يساري ولست منهم (لأن البعض كان يحسبه مناضلا في حزب الطليعة الاشتراكية الشيوعي) وأنا جبهوي ولست منهم لأنه كان دائما مناضلا في صفوف جبهة التحرير رغم أنه لم يكن مرتاحا فيه ووصف وجوده كالسجين فيه . أغلب جمهور وطار وأنصاره كانوا في صفوف التقدميين الذين كان أغلبهم مثقفين بالفرنسية ولقد ضحى بهم لإنقاذ جلده.
الرجل فيه قدر كبير من الانتهازية. أما بعد ظهور التهديد الإسلامي الإرهابي فقد ظهر وطار بوجه انتهازي جبان حين راح يشير بإصبعه إلى المثقفين باللغة الفرنسية بوصفهم أعداء الوطن والعروبة والإسلام ويتشهى في اغتيالهم على أساس أنهم ينتحرون لأنهم لم يسايروا الغوغاء ولم يكتبوا باللغة العربية ووقفوا ضد توجه الشعب مع الإسلاميين.
لعل مسيرة وطار النضالية تلخص بصدق جانبا كبيرا من اليسار العربي الجبان الذي تحول إلى ذيل للإسلاميين.
تحياتي بروايته


8 - لم يكن ممكنا غير ماوقع فعلا هوالتاريخ
اكاديمي مخضرم ( 2010 / 8 / 27 - 21:32 )
شكرا استاذه فريده في تاءبينك للفلته الثقافيه والنضاليه طاهر وطار
ماركس يقول جوابا على استفسار احدى بناته -انا انسان وكل ماهو انساني ليس غريب عني
الجواهري كان قامة هائله وحتى مغادرته ايانا واحيانا حينما كنا نحرجه في بعض لحظات الضعف الانساني كان يصيح هذا انا لااستطيع تبديل جلدي وان اضع دمي براحة يدي مثل ناظم حكمت الى ان تشاء المصادفات واكون في وارشو عام 1956 للدراسه وقيل لي ان ناطم حكمت في فندق بريستول وسط البلد وقريبا جدا من جامعة وارشو فذهبت حالا وبدون سابق موعد استقبلني كاءنه يستقبل ولده وتكلم معي هكذا كما نتكلم نحن البسطاء في حياتنا اليوميه
انني فقط لم اساءله ان كانت عنده لحظات ضعف انساني ان البشر -الارباب انتهوا لاجود لهم وطاهر وطار الاديب الحلو والمناضل المضحي لايمكن ان يحاسب بالفلس والمليمتر ومكاييل الالهة هذه نقطة مهمه حسب اعتقادي في تقييم عباقرتنا وهو منهم
تبقى استاذه فريده ان ثورة 1919 عندكم وثورة العشرين في العراق وثورة الجزائر الاسطوريه كل منها لوحدها وكجزء من الحراك الانساني انتهت
الايخق لنا ان نفكر بمواقف وطرق اخرى لتوحدنا مع البشريه التقدميه
بلاسيوف واحقادوابت

اخر الافلام

.. الفنان السعودي سعد خضر يرد على شائعة وفاته: مزعجة ونسأل الله


.. مهرجان كان السينمائي : فيلم -البحر البعيد- للمخرج المغربي سع




.. صباح العربية | الفنان السعودي سعد خضر يرد على شائعات وفاته


.. من المسرح لعش الزوجية.. مسرحيات جمعت سمير غانم ودلال عبد الع




.. أسرة الفنان عباس أبو الحسن تستقبله بالأحضان بعد إخلاء سبيله