الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


وداعا محي الدين زنكنه

زهدي الداوودي

2010 / 8 / 25
مواضيع وابحاث سياسية


إن أسوأ ما يعانيه الإنسان في حياته، هو أن يقف الموت حاجزا بينه وبين صديقه الذي تجمعهما ذكريات الصبا والمراهقة.
الموت هو الشيء الوحيد الذي يدق إسفين الفراق الحقيقي، حيث لا لقاء بعد سوى على أعتاب شاهد القبر الذي تتزاحم الذكريات والدموع على رصيفه.

كان محي الدين حميد زنكنه أحد المؤسسين البارزين من جماعة كركوك، بيد أنه كان يحب العزلة ويبتعد عن مماحكاتهم التي يعتبرها صبيانية. كان يختفي برهة كي يظهر من جديد كما لو أنه جاء يقدم عربونا للوفاء والاخلاص.

كنا من مشاة شوارع كركوك حيث نقطعها طولا وعرضا، بدءا من باب منزلهم المطل على شارع ألماس ووصولا إلى بوابة القلعة المشرفة على نهر خاصه صو. كان يتحدث قليلا ويستمع، بل ويقرأ كثيرا. كان يضع مسافة قصيرة بينه وبين أصدقائه. كنت أفهم هذا الجانب عنده وأعتبره عقدة الخجل. بيد أنني، أحسست فيما بعد، بأنني كنت خاطئا في اعتقادي. كان يفكر في أن يمنح الثقافة العراقية والكردية المكتوبة باللغة العربية شيئا جديدا وفعل، حيث تم له ما أراد بنجاح باهر. وهكذا تربع على عرش المسرح العراقي وقدم روايات وقصص جميلة يحركها أبطال يمتلكون إرادة قوية وصمود فريد في معترك الحياة. ويؤسفني أن جماعته أهملوه، ذلك أنهم انشغلوا بالشعر كما لو أن الشعر هو الشيء الوحيد الذي أنتجته جماعة كركوك.

لم يتمكن جبروت البعث من فرض الانحناء عليه وشراء قلمه وخلق القطيعة بينه وبين أصدقائه. كنا نعثر على بعضنا بعضا رغم الجو السياسي المكفهر والبعد والرقابة. عرفت أنه تألم كثيرا حين علم بقراري بترك الوطن في ربيع العام 1967 . وحين التقينا في بغداد تعانقنا على أمل اللقاء القريب في وطن حر وديمقراطي. وإن أنسى لن أنسى موقفه وهو يمد لي يد المعونة التي كنت أحتاجها فعلا، حيث وضع في يدي مبلغ خمسة دنانير. وحين زارني في الموصل في العام 1977 حيث سهرنا ليلة كاملة، قال كمن يواصل الحديث الذي بدأناه قبل عشرة أعوام:
"يبدو إننا لن نلتقي في وطن حر وديمقراطي"
وقلت:"المهم أن نلتقي نحن وتحت أي ظل كان"
وتباعدت أزمان ومحطات لقاءاتنا العفوية المتناثرة بين كركوك والموصل وبغداد والسليمانية وبرلين.

كان محي الدين صديقا حميما يركض وراء الصديق الحقيقي ولا يعرف النفاق. زرته آخر مرة في بداية نيسان من هذا العام في منزله بالسليمانية التي لجأ إليها بسبب تدهور الأوضاع في مدينة بعقوبة ثم ذهبنا إلى زيارة صديق عمرنا محمد الملا كريم الراقد في فراش المرض بمنزله. كان يتألم لحاله ويزوره يوميا رغم مرضه هو، دون أن يدري بأن الموت يتربص به. بعد ذلك اصطحبنا علي زنكنه إلى منزله حيث سهرنا إلى وقت متأخر من الليل ونحن نستمتع بالصوت الشجي للفنان محمد كركوكي. واتفقنا أن تكون السهرة القادمة في منزل محي الدين ولكن بعد إشعار آخر.
أجل، لقد وقف الموت بيننا وبين تحقيق أمنية محي الدين. وظلت تلك الأمسية هي الأخيرة التي قضيناها معا.
لن ننساك يا محي. سنظل نذكرك. وستظل قائما بيننا.
لك المجد ولأهلك وأصدقائك الصبر والسلوان.








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - جميل منك ابو اميره تذدرك لابي ازاد
د صادق الكحلاوي ( 2010 / 8 / 26 - 13:28 )
تعرفت على الاخ الاديب الراحل محيي الدين زنكنه قبل عشرين سنه في 1990
لاادري كيف وباية مناسبه - خصوصا ولانه من نوع الناس اما تشير له حاسته السادسه ان يتقدم او ان لايلتفت لشئ ورغم هذا فقد كان كثير المعارف والاصدقاء
على الاغلب اننا تعارفنا في امسية اربعائية باتحاد الادباء على الميز الذي يلتقي فيه بعض اصحابنا او اصحابنا السابقون ومنهم محيي وحسب الشيخ جعفر وهكذا صار علينا ان نتسامر ثم انقل حسب قرب بيته في مدخل الثوره
وان احير بمحيي فالى اين يذهب مرة تقرر ان ينام بشقة ابنتي الفارغه
وكان عندي مفتاح واحد فحينما شرحت الامر ضحك من الاعماق وهو بالكاد ينطق - يعني تريد تحبسني مو يلله وجلسنا صباحا حيث جلبت له فطورا رائقا
وجلسنا ناءكل بكسل فقال يلله يلله بساع اعرفك على فد خوش ولد واليوم كان جمعه وكان بودي ان اذهب كالعاده لمقهى حسن عجمي فساءلته منو هذا الخوش ولد فقال محمد الملا عبدالكريم الغي لم اكن راءيته منذ نهاية الستينات
حيث ارسل لي اعمى لجامعة البصره لاقرضه من الجامعه مالا ليشتري جهازا يسجل له المحاضرات وهكذا حدث والغريب بغد عشرسنوات لاحطت اعمى يتعارك ولايسكت فتقدمتمنه راجيا ال


2 - تكمله رجاء
الدكتور علي الشيخ حسين الساعدي ( 2010 / 8 / 26 - 13:52 )
فماسمع مني طلب السكوت الاوهمس نعم انت تطلب وانا اطيع الست د على الساعدي فتصافحنا = كم اهلنا اوفياء
اذن ذهبنا للجهة الشرقيه من الرصافة فاستقبلتنا زوجة استاذ محمد عبد الكريم وكاءن كل اهلها جاؤا لزيارتنا ثم ظهر محمد فتبادلنا القبل والتسؤلات وفرح ايما فرحه حينما عرف اننا اضدقاء منذ الستينات ومحمد صديق عائلتنا وجليس نسيبي عبد علوان في السجون وهنا تدخلت زوجة محمد طالبة الاستعداد للاكل فرفضنا وحينها قالة بايمان عميق لعد كاكا راح اسويلكم جاي كردي ماشاربين مثله
ولقد استفزت حينما قلت انه جاي عراقي رائع مثل اللي انسويه باليبت
واستفدنا من الاستاذ محمد ايما فائده فقد اكتشفت ان عندنا مئات من نسخ كتاب عن كامل الجادرجي هو اطروحه فقمت بتوزيعه على الناس الطيبين في طروف الخمود السياسي فبعثت بحوالي خمس نسخ بيد الاستاذ محمد عبدالكريم ليوزعها على مسعود برزاني واصحابه ومثلها لطالباني واصحابه كان ذالك حوالي1994
ثم في يوم قلت لمحيي تعال نسوي حفله ببيتنا الكبير انت تكون وحولكخليل شوقي وكاظم الحجاج ومحمودعبدالوهاب والراحل محمد مبارك واخرين لااتذكرهم وكنا منتشين واذا ابوازاد يخابر يوسف العاني ويدعوه دون


3 - دكتور زهدي
عدنان الداوودي ( 2010 / 8 / 27 - 17:24 )
زمن غابر منذ ايام النضال في عهد الدكتاتوريات وما ابعدها , وما اصغر العالم قي زمن الديمقراطية على الرغم التحفظات , كنت بعيدا عن الاصدقاء والاحباب و مقطوعا ولن تصلك لا رسالة و لاخبر او حتى كلمة عابرة او خبر من الزمن العتيق زمن جماعة كركوك زمن محى الدين زنكنة و سركون بولص و غيرهم كنت تحن و تتعذب نفسيا مشاقا للجلوس و لو لمرة واحدة او اخيرة قبل الرمق الاخير و لكن هيهات لقد فعل الدكتاتوريات فعلتهم والزمن كذلك واليوم بقضل التغير بامكانك ان تسمع عن وفات محى الدين زنكنة منذ لحظة خروج النفس الاخير
دمت مخلصا خالصا للوفاء و العهد
عدنان الداوودي ......................

اخر الافلام

.. إيران تبدأ تخصيب اليورانيوم بنسبة نقاء 20% في منشأة فوردو جن


.. الجيش الأمريكي يعد خطة مشهد الجحيم لمحاصرة الصين




.. قادة دول مجموعة السبع يعتمدون 50 مليار دولار لصالح أوكرانيا


.. السلطات تنفذ عملية مداهمة -تاريخية- لسجن في أوروغواي




.. إنقاذ 85 شخصاً من عبارة كادت أن تغرق قبالة السواحل الإيطالية