الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الشاعر الذي ألهب العراق و وضع كفه فوق أكفهم لتخليده

رعد خالد تغوج

2010 / 8 / 26
الادب والفن


الجواهري وديوان العرب
تحيلنا جملة "الشعر ديوان العرب" الى جملة من المعطيات التي تجعلنا نتسائل عن مدى صدقها اليوم,او الى مدى يمكن ان تتأخى النظرية مع التطبيق في واقعنا العربي المعاصر.
وعند الرجوع الى ديوان الشاعر الاكبر محمد مهدي الجواهري والذي هو في الاخر سجل تاريخي سيحفظ للأجيال التالية المخاض الفكري والثقافي الشعبوي الذي كانه الجواهري في تلك الفترة,لأن المتطلع على هذا السجل سيجد ان الشاعر كان منغرسا في تدوين اهم الاحداث الثقافية والسياسية التي ألت اليها الحركة العربية في القرن العشرين ,هذا فضلا عن انشغاله بلواعج نفسه وواقعه المعيش,وهذا بعد ان أمتطى جياد المطالعة وركض في ميدان المراجعة منذ صغره,فجمع لوابد الشعراء وأوابد الادباء,, وكأني بلسان حاله يقول عن اللغة العربية:ذل لي مركبها وصفى لي مشربها,وحسب المنغصات التي جعلته يتذوق الأسى فيخرجه شعرا من ارهف ما قاله لسان وعبر عنه بيان, ان نقول ان كل شاعر بحسب طريقته في العشق يصلي,
والطريق الذي سلكه شاعرنا وعر,وبقدر ما فيه من رههيف الجنان ,يبقى الكوى الجواني هي الريشة الوحيدة الي رسم فيها الشاعر قصائده,والتي خرجت لنا مرصعة بالمرمر,ومزركشة بلألئ الذهب المزهر ,وتكتسب حياة كل شاعر خصوصية معينة تتلائم ورهيف شعره وحفيف نثره,ومن الخصوصيات الجواهرية هي كونه (الشاعر) صاحب باع طويل ونفس اصيل,فطوال اقامته في هذه الدنيا وهو يلجأ الى المطولات الفريدة في شعره,وهذا ربما نتيجة مصاحبته الطويلة للشعر القديم بشقيه الجاهلي والعباسي,وهذا ما حذى به فيما بعد بأن يلجأ الى حشو الكلام وتكثيف الصوت مما يؤدي الى تشحيح المعنى ,الا أن شعريته تعلو على هكذا فيموصوتيات,ومن القصائد التي ارتفعت بالصوت الى اعلى مستوياته دون ان يخل ذلك بالمعنى ,بل بالعكس حافظ على دقته,هي قصيدة اخي جعفرا,والتي قالها اول ما قالها نتيجة وفاة اخيه جعفر الذي رمي بالرصاص,بسبب معارضته لأتفاقية ورتسموث عام 1949 ,والتي بدأت بمخاطبة اخيه جعفر:
أتَعْلَمُ أمْ أنتَ لا تَعْلَمُ بأنَّ جِراحَ الضحايا فمُ
فَمٌّ ليس كالمَدعي قولةً وليس كآخَرَ يَسترحِم
يصيحُ على المُدْقِعينَ الجياع أريقوا دماءكُمُ تُطعَموا
ويهْتِفُ بالنَّفَر المُهطِعين أهينِوا لِئامكمُ تُكْرمَوا
أتعلَمُ أنَّ رِقابَ الطُغاة أثقَلَها الغُنْمُ والمأثَم
وأنّ بطونَ العُتاةِ التي مِن السُحتِ تَهضِمُ ما تهضم
وأنَ البغيَّ الذي يدعي من المجد ما لم تَحُزْ " مريم "
ستَنْهَدُّ إن فارَ هذا الدمُ وصوَّتَ هذا الفمُ الأعجم


وكما يقول بول ريكو فأن اهم شيء هو افتتاحية الخطاب,فأن البداية كانت هنا بالتأكيد على ان الشهيد وان استشهد تبقى دماءه تطالب بالثأر ,فهي تمتلك فم لتتكلم وتطالب به,
وربما هذه القطرات التي عبر عنها الشاعر ولملمها من انهار البيان,عبر مقتطفات من جنان الشعر الحكيم,هي التي لملمتها انامل العراق العظيم ونمنمتها حواظر بغداد العريقة من ازقتها بالنجف الى اروقتها بالكوفة,فهو كعادته يحن ما ان اخذثته الرحال الى غير ما هواه الى ارضه العراق
--------
أتراه طيب العناق على الهوى ’ ام تراه رغبة المشتاق في وجد الجوى,
الذي يهفو اليه كل راق ويشوق كل فؤاد شيق ذواق
----
وكما انه يملك من الحساسية الشفافة والرقة الرفرافة الا أن الوطن هو المعبر عن حال شاعر الفرات,فهذا التيار الشعري اللذيذ الممتع :يذر ذرارته ,ويهيج موجانه وهيجانه,ويزبد ويوحي ويزبر,بل يستشعر ثم يستعر ويستنفر ,اذا ما نائبة نأبت بالوطن او كئابة عصفت بالوسن,فيقول بفلسطين :
لو استطعتُ نشرتُ الحزنَ والألما على فِلسْطينَ مسودّاً لها علما
ساءت نهاريَّ يقظاناً فجائعُها وسئن ليليَ إذ صُوِّرْنَ لي حلما
رمتُ السكوتَ حداداً يوم مَصْرَعِها فلو تُرِكتُ وشاني ما فتحت فما
أكلما عصفت بالشعب عاصفةٌ هوجاءُ نستصرخُ القرطاسَ والقلما ؟
هل أنقَذ الشام كُتابٌ بما كتبوا أو شاعرٌ صانَ بغداداً بما نظما


هو التواصل الدائم والتواجد القائم ,والتناغم والتناغي والتواؤم والتشاجي التاجي مع شركائه بكربته واحباه بعوزته,


ولفقد ما عانى شاعرنا ,لا تزال السماء تمطره بأحزانها ,فشريكة حياته وأمله ونومه ومماته فارقت الأدمية برحيلها وعودتها الى الباري جل جلاله (كل نفس ذائقة الموت)
فأقسمت ربة الشعر من يومها ان تحرمه من نايها لحول معلوم ,فأشتاقت الأنام كلها لينابيعه,فجاء بقصيدته الغانيية المغنية,المسرية الموسرية والراعية الواعدة الراوية الهادية ,..فكانت صارعة مرصعة ناغية لاغية:
أُعيذُ القوافي زاهياتِ المطالعِ مزاميرَ عزّافٍ ، أغاريدَ ساجعِ
لِطافاً بأفواه الرُّاة ، نوافذاً إلى القلب، يجري سحرهُا في المسامع
تكادُ تُحِسّ القلبَ بين سُطورها وتمسَحُ بالأردانِ مَجرى المدامع
بَرِمْتُ بلوم الَّلائمين ، وقولِهم ْ : أأنتَ إلى تغريدةٍ غيرُ راجع
أأنتَ تركتَ الشعر غيرَ مُحاولٍ أمِ الشعرُ إذ حاولتَ غيرُ مطاوع
وهْل نضَبتْ تلك العواطفُ ثَرَّةً لِطافاً مجاريها ، غِرارَ المنابع
أجبْ أيّها القلبُ الذي لستُ ناطقاً إذا لم أُشاورْهُ ، ولستُ بسامع
وَحدِّثْ فانَّ القومَ يَدْرُونَ ظاهراً وتخفى عليهمْ خافياتُ الدوافِع
يظُنّونَ أنّ الشِّعْرَ قبسةُ قابسٍ متى ما أرادُوه وسِلعةُ بائع
أجب أيُّها القلبُ الذي سُرَّ معشرٌ بما ساءهُ مِنْ فادحاتِ القوارِع
بما رِيع منكَ اللبُّ نفَّسْتَ كُربةً وداويتَ أوجاعاً بتلكَ الروائع
قُساةٌ مُحبّوك الكثيرونَ إنَّهمْ يرونكَ – إنْ لم تَلْتَهِبْ – غيرَ نافع
وما فارَقَتْني المُلْهِباتُ وإنَّما تطامَنْتُ حتّى جمرُها غيرُ لاذعي

وعندما يتطاول المأخوذ على الفالح ولا يميز بين الصالح والفالح والغث والسمين والقشر واللب,يصير الشعر مداه الكون الرحيب في سرارته وضرارته وسرائره وسراريه,ويصبح الكلم كلام فينان اغين اغيد ..لا غنيان عنه ولا مهرب
فحدث عن الغضب ولا حرج:
كيف أستحالَ المجدُ عاراً يتَّقَى والمكرُماتُ من الرّجالِ مَعايبا
ولم استباحَ " الوغدُ " حُرمةَ من سَقى هذي الديارَ دماً زكِيّاً سارِبا
إيهٍ " عميدَ الدار " كلُّ لئيمةٍ لابُدَّ – واجدةٌ لئيماً صاحبا
أعَرَفتَ مملكةً يُباحُ " شهيدُها " للخائنينَ الخادمينَ أجانبا
وتقولُ كيفَ يَظَلُّ " نجم " ساطعٌ ملءُ العيونِ ، عن المحافل غائبا
الآنَ أُنبيكَ اليقينَ كما جلا وضَحُ " الصَّباح " عن العيون غياهبا
فلقد سَكَتُّ مخاطِباً إذ لم أجِدْ مَن يستحقُ صدى الشكاةِ مُخاطَباً

وعندما تتناغى القلوب ,فيحس من كان له ذرة حنون بأنه معصارة اهل الفقر والعوز المجون ,فتتنازل يومها اهلها الى الدرك الادنى من القوم والرعية فترتاح نفس شاعرنا راضية مرضية وهو مع احباه وخلانه بالوفاء:

وصابرين على البلوى يراودهم في ان تضمـــهم اوطانـــهم حلـــــم

تذكروا وعهد بلفورا فقلت لهم ماتستجدونه عـــــــــهدي به الــــقدم

من قبل ستين من خزيان مولده اقمت ماتم ارضـــا قدسها حـــــــرم

لا يغضبن سادتا تخشى معرتهم بل المـــــعرة في ان يغضب الـــــــــخدم

فلست اخلط مايجنيه من تهما شعــــــب برء وما ياتيه من تـــــــهم

وانما انا من اوجاع مجتمع غرا ومن جزوات عنـــــــده ضـــرم

كم تنقدون باعذار مثرثرت ما تبرمون ولا يعنيـــــــــكم البــــــرم

شأن الدليل وقد ديست كرامته وقل ماعــــنده ان يكــــــــثر الكلـــــم


والستون هم ستون التاريخ ,----
التاريخ الذي ساءه من فاذحات القوارع ما الهمه درر الشعر والنثر والسجع,وكل بتاريخه يتغنى فيتجلى على هاتك الاشعاعات اللوامع التي سارته وسرته وبالأخر سيرته ,ليرمي بشواسع خيلاته الى ما ماداه طويل وأنستها بها من مغبط يهوي ويهوى من غبطته ,ولاعج يلعج بسوررته,وكم في الستون من حكم يتأخاها المرء من هنا وهنا فلا ضير ان وقع بمس من مساسي المجون ولله قلب لا ينضب خفقانه حتى بالستين :
إذا ذكـرتــك ســـال الــدمــع مـنـهــمــرا
وإن أحـــاول أنــســى جــادنـــى ســــأم
كــأن فــى ذكــرك الأغـــلال تـربـطــنــى
وطـالـمـا كــان فــى اسـتـقـبـالـهــا نَـعَــم
كــأنــك الـشــعــر والأوزان تـلـهـمــنــى
ومــا أقــاوم شــعــرى حــيــن يـحــتــدم
مــنــذا يــقــاوم إلـهــامــا وتــزكــيــة
قـد حـفـهــا الـحــرف والألـحــان والـنـغــم
حـتــى غــدوت ومــا دنـيــا لـتـنـكـرنــى
وخـلــت أنــى لـمــا قــد فــات أنـتــقــم
كـأنـك الـمـاء ,غـيــر الـمــاء يـخـنـقـنــى
وقـد بـلـغـت مــن الـسـتـيــن مــا يَـضِــم
كـأنـك الـقـلـب خـفـقــاً فــى جـوانـحـنــا
فـفـى الـسـلامـة كـل الـنـاس قــد سـلـمــوا
هـل مـثـل حـبـك فــى الـدنـيــا لــه مـثــل
وهــل ألاقــى بـديــلا عــنــك يـنـســجــم
لــلـــه درك فــــى حــــبٍ يــؤرقــنــا
ومــن يـعـاديــك فــى أحـشــائــه الـــورم








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. فيلم السرب يتخطى 8 ملايين جنيه في شباك التذاكر خلال 4 أيام ع


.. الفنان محمد عبده يكشف عبر برنامج -تفاعلكم- أنه يتلقى الكيماو




.. حوار من المسافة صفر | الفنان نداء ابو مراد | 2024-05-05


.. الشاعر كامل فرحان: الدين هو نفسه الشعر




.. جريمة صادمة في مصر.. أب وأم يدفنان ابنهما بعد تعذيبه بالضرب