الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


درس كاليغولا

بشير زعبيه

2010 / 8 / 26
مواضيع وابحاث سياسية


في أحد فصول رائعة الكاتب الفرنسي الجزائري المولد البير كامو المسرحية (كاليغولا) يشكو الامبراطور كاليغولا من ألم في معدته يجعله يتقيأ دما فيجتمع النبلاء (رجال القصر) من حوله , ويتسابقوا في التعبير عن تعاطفهم معه ,ويجري الحوار التالي بين الامبراطور والنبيل (لبيدوس) :
- لبيدوس (بحماس عال) : يا الهي جوبيتر أفديه بحياتي ..
- كاليغولا : لا أستطيع أن أصف مدى تأثري بذلك , أتحبني الى هذا الحد ؟!
- لبيدوس : أجل أيها القيصر , فمهما قدمت في سبيلك يبقى قليلا ..
كاليغولا (يعانق لبيدوس) : هذا كثير جدّا فأنا لست أهلا لمثل هذا القدر من الحب ..
يستدعي كاليغولا خفيرين ويأمرهما باخراج النبيل .. فيصيح هذا :
- ولكن الى أين هم ذاهبون بي ؟
- كاليغولا : كيف الى أين ؟! الى الموت طبعا , ألم تهبني حياتك فداء , انني الآن أشعر بالانتعاش , لقد شفيتني , ولا شك أنك تشعر بالسعادة لتقديم حياتك فداء لي..
يسحب الخفيران لبيدوس وهو يصرخ ويولول : ولكنني لا أريد !!
يلتفت اليه كاليغولا ويقول : لو أحببت الحياة كما يجب يا ليبيدوس , لما كنت تلعب بها باستخفاف ..
في هذا المشهد الحواري يبدو كاليغولا الطاغية العابث حكيما , ويقدم لنا كامو على لسانه درسا في شأن السياسة والاجتماع , فحواه اجابة بسيطة لا تخلو من عبقرية لسؤال مفترض في هكذا مقام : كيف يمكن أن نعري النفاق؟ كيف يجب التعامل مع المنافقين ؟ خاصة أولئك الذين يعشعشون في دهاليز السلطة وكواليس الدولة ,وما أكثرهم , كم من (ليبيدوس) في موجود في قصور حكام هذا الزمن , وكم عانت وتعاني شعوب وبلدان هذه المنطقة من المنافقين ومن توابع النفاق , كم زين هؤلاء من أخطاء حكام وقرارات وتصرفات عادت بالوبال على أولئك الشعوب وتلك البلدان , كم من هؤلاء نراهم كل يوم تقريبا عبر الشاشات والصحف ومهرجانات الكلام يتصنعون الحماس والانفعال , ويزايدون في التملق للحاكم , حتى أنهم لا يتوانوا بمناسبة وبدونها في ابداء استعداد دائم لتقديم رؤوسهم فداء لحكام يدركون قبل غيرهم أن ما يسمعونه ليس سوى كلام ونفاق , والدليل هو أن هؤلاء لم يفقدوا رؤوسهم حتى الآن , وظلّوا يحتفظون بها فوق أكتافهم سليمة طوال سنين ..ومن ثم احتفظوا بمواقعهم وبامتيازاتهم , ولم يزدهم النفاق سوى جاها ومالا ونفوذا وفسادا وافسادا.. هي معادلة يدركها الاثنان معا , يدرك الحاكم أن ذلك المنافق مهما زعم من محبة فلا يمكن أن يضحي برأسه كرمى عينه , وهو لم ينافق الا طمعا في عطائه ليعيش ويحيا في كنف هذا العطاء, ويدرك المنافق أن الحاكم يستمريء هذا النوع من النفاق ويريده , ويعرف أن ذلك يزيد ه زهوا بنفسه وبالسلطة ..
ماذا لو تصرف الحاكم مع رجاله كما تصرف كاليغولا مع ليبيدوس , ماذا لو رأى هؤلاء المنافقين كما رآهم كاليغولا أشخاصا يجب أن تسلب منهم حياة لم يقدروها كما يجب , واستخفوا بها عندما استخفوا برؤسهم وتطوعوا بقطعها فداء لآخرين تملقا وتزلفا ؟ ألن يكون قد قُضِيَ على مكون رئيس للفساد , ويكون شأن البلاد أفضل ؟
ألن تكون الحياة بدون نفاق أجمل ؟








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



اخر الافلام

.. ريبورتاج: مزارعون في الهند مصممون على إلحاق الهزيمة بالحزب ا


.. السباق إلى البيت الأبيض: حظوظ ترامب | #الظهيرة




.. ماهو التوسع الذي تتطلع إليه إسرائيل حالياً؟ وهل يتخطى حدود ا


.. ترامب: لم يتعرض أي مرشح للرئاسة لما أواجهه الآن | #الظهيرة




.. -كهرباء أوكرانيا- في مرمى روسيا.. هجوم ضخم بالصواريخ | #الظه