الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


شروط الحياة المادية لنشأة منظمة إلى الأمام الجزء 1

امال الحسين
كاتب وباحث.

(Lahoucine Amal)

2010 / 8 / 26
ابحاث يسارية واشتراكية وشيوعية


يعتبر الهجوم الشرس لقوى الاستغلال الجديدة على مصالح الجماهير الشعبية في الفترة الراهنة و الذي مس جميع مناحي الحياة ، بدءا بالقوت اليومي و مرورا بالقمع المنهج ضد الحركات الاجتماعية ووصولا إلى تضييق الخناق على الحريات العامة ، شكلا من أشكال استمرار النظام القائم كنظام استبدادي، فمنذ بداية الستينات و خلال أزيد من نصف قرن من القمع و الاستغلال ، وصلت الأوضاع الإقتصادية و الاجتماعية للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين إلى مستويات مزرية فاقت كل التصورات، و لعل خطورة أوضاع الطبقات الشعبية يفند طروحات المهرولين وراء الشعارات المغشوشة حول الديمقراطية و حقوق الإنسان و طي صفحة الماضي...، في الوقت الذي يتم فيه ضرب جميع الحقوق المشروعة للشعب المغربي و على رأسها الحق في تقرير المصير .
في ظل هذه الظروف تمت هيكلة النظام القائم من جديد في اتجاهين :
محاولة إبراز ديمقراطية الواجهة إرضاء للإمبريالية و الصهيونية لتلميع وجه النظام القائم بالخارج و اطمئنان الرأسمال الإمبريالية على مصالحها بالداخل .
محاولة تهدئة الأوضاع الداخلية سعيا وراء احتواء الأحزاب السياسية البورجوازية و تنظيمات المجتمع المدني و الفعاليات الفكرية و الثقافية المحسوبة البورجوازية ، و قمع الحركات الاحتجاجية و الجمعيات التي لم يستطع احتواءها .
هكذا برز في الساحة السياسية اتجاهين :
الأحزاب السياسية البورجوازية و التنظيمات التابعة لها التي تدعو إلى الالتفاف حول مشروع النظام القائم و العمل من داخل المؤسسات المزورة ، في محاولة موهومة بالقدرة على دمقرطة هذه المؤسسات التي لا ترتكز أسسها إلى الديمقراطية .
التنظيمات السياسية الثورية و المناضلين الثوريين داخل بعض التنظيمات الحقوقية و النقابية و الحركات الشعبية الإحتجاجية و التنظيمات الذاتية للجماهير ، التي يتم قمعها.
إن الوضع السياسي الراهن ليس إلا نتيجة للسياسة التي ارتكز إليها النظام القائم منذ نشأته و تطوره في مرحلة الاستعمار المباشر و تركيزه في مرحلة الاستقلال الشكلي ، و الذي يستمد أسسه الأيديولوجية و السياسية من التبعية للرأسمالية الإمبريالية .
إن هذه الوضعية تتطلب منا مزيدا من التدقيق في تحليلها لتحديد ما ستؤول إليه في المستقبل ، وما تتطلبه الفترة الراهنة من صمود و نضال و مقاومة شعبية من أجل تحقيق الثورة الوطنية الديمقراطية الشعبية ، ولا يتيسر ذلك إلا بالرجوع إلى الجذور التاريخية للنظام القائم و تجارب اليسار الثوري في مواجهة سياساته الطبقية في المراحل التاريخية السابقة.

مواجهة قوى الاستغلال خلال مرحلة الاستعمار المباشر :

إن الوضعية السياسية و الإقتصادية و الإجتماعية و الثقافية التي تعيشها الطبقات الشعبية في الفترة الراهنة ليس وليدة اليوم ، فقد سبق أن وقع هجوم تحالف الإقطاع و الاستعمار على مصالح الشعب المغربي على امتداد مرحلة الاستعمار المباشر، و استولى المستعمر على المرافق الحيوية في الاقتصاد الوطني كالصناعة و المال و الإنتاج المعدني ، و تخلى عن البوادي لصالح الإقطاع الذي يستغل بعض الأراضي التي ليس للاستعمار مصلحة في استغلالها ، من أجل كسب حليف يناصره في حربه ضد المقاومة المسلحة للفلاحين الفقراء الذين جابهوا تغلغل المستعمر و حاربوه ، و بسقوط جبل صغرو سنة 1934 دخلت البوادي في هدوء نسبي تمكن خلاله الإستعمار المباشر من بسط سيطرته على البلاد و لتركيز أسس النظام الرأسمالي .
و في مرحلة لاحقة جاء دور المدن التي نشأت بها بورجوازية صغيرة و طبقة عاملة ناشئة قادتا معا مقاومة الاستعمار المباشر في إطار الحركة الوطنية الشعبية، التي اختارت المقاومة المسلحة لمواجهة تحالف الاستعمار و الإقطاع ، وخاضت الطبقة العاملة نضالات مريرة من أجل الحق النقابي و التحرر الوطني ، و تعتبر انتفاضة 8 دجنبر 1952 تضامنا مع الشعب التونسي بعد اغتيال المناضل النقابي فرحات حشاد محطة تاريخية تعبر عن الوعي الطبقي لدى الطبقة العاملة المغربية ، وعيا منها بأن التضامن العمالي مغاربيا ضرورة تاريخية في مواجهة قوى الإستغلال الرأسمالي .
لكن المدن وحدها لم تستطع مواجهة طغيان تحالف قوى الاستغلال الرأسمالي بمعزل عن المساندة التاريخية للبوادي ، و أن جميع الطبقات الشعبية معنية بمعركة التحرر الوطني التي برزت في شكل حركة شعبية تحالفت فيها الطبقة العاملة و الفلاحون الفقراء و المثقفون الثوريون ، إلا أن تحالف الإقطاع الذي استطاع حبك مؤامرة 1956 بتواطؤ مع البورجوازية داخل الأحزاب و النقابات أدى إلى فشل الثورة ، و أصبحت مصالح الشعب المغربي هدفا لقوى الاستغلال الرأسمالية الجديدة التي خلفت الاستعمار المباشر لضمان مصالح الرأسمالية الإمبريالية و ضرب تحالف الشعوب المغاربية و احتواء البورجوازية الصغرى و وضع أسس النظام القائم .

إنتقال السلطة إلى تحالف الإقطاع و البورجوازية :

لم يتنازل المستعمر عن السلطة السياسية إلا عندما اقتنع أن تحالف قوى التغيير الثوري/ الطبقة العاملة و الفلاحون الفقراء يهدد وجوده ، و أن انتقال السلطة السياسية إلى حلفائه أمر ضروري للحفاظ على مصالحه ، بعد أن تم تركيز نمط الإنتاج الرأسمالي و تفكيك علاقات الملكية الجماعية للأراضي ونمط الإنتاج الجماعي و تركيز الملكية الفردية الرأسمالية ، عبر استغلال الأراضي الخصبة بالبوادي من طرف المعمرين و الإقطاع خلال مرحلة الاستعمار المباشر ، و خلفهم المعمرون الجدد/الكومبرادور و الملاكين العقاريين الكبار خلال مرحلة الاستقلال الشكلي ، و تركيز المؤسسات الصناعية و المالية بالمدن خدمة للرأسمالية الإمبريالية .
وعرفت بذلك مناطق البلاد المختلفة فوارق طبقية و اجتماعية و ذلك عبر تهميش البوادي التي لا يرى فيها المستعمر إلا وسيلة لتنامي الربح المالي ، من خلال مشروعه الرأسمالي الذي اعتمد أساسا على الإنتاج الفلاحي و المعدني ، و تحويل الفلاحين الفقراء إلى عمال زراعيين بالبوادي و طبقة عاملة بالمدن بعدما تم الإستيلاء على أراضيهم بالقوة العسكرية بتعاون مع الإقطاع و البورجوازية الكوبرادورية ، و خلال مرحلة الاستقلال الشكلي عمل النظام القائم على تعميق الفوارق الطبقية و الاجتماعية بعد نهب الثروات الفلاحية و المعدنية و تفويت المؤسسات الإنتاجية و المالية للمعمرين الجدد و طرد العاملات و العمال .
في ظل هذه الظروف انتقلت السلطة من أيادي تحالف الاستعمار و الإقطاع إلى أيادي تحالف الإقطاع و البورجوازية الكومبرادورية كقوى جديدة في هرم السلطة ، استغلت مقاومة الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء خلال مرحلة حركة التحرر الوطني من أجل التحكم في السلطة السياسية خدمة لمصالح الرأسمالية الإمبريالية .

انتصار تحالف الإقطاع و البورجوازية و تهميش البوادي :

بعد صعوده إلى السلطة عمل تحالف الإقطاع و البورجوازية الكومبرادورية على تجريد الطبقات الشعبية من تنظيماتها الذاتية /جيش التحرير و المقاومة بالمدن ، بعد اغتيال الشهد عباس المساعدي و قمع انتفاضة الريف في أواخر الخمسينات من القرن 20 ، و تصفية ما تبقى من قيادات جيش التحرير بالجنوب و المدن في بداية الستينات من القرن 20 ، و قمع الحركات الاحتجاجية للفلاحين الفقراء بالبوادي في السبعينات من القرن 20 ، و بذلك تم فصل البوادي عن المدن لتسهيل تمرير مشروع الاستعمار الجديد ، و لم يبق أمام جماهير الفلاحين الفقراء إلا مبادراتهم الفردية لتنمية البوادي بواسطة حملة من المشاريع الجماعية كبناء الطرق و المدارس و غيرها من الأعمال الاجتماعية ، التي تبقى ضعيفة أمام سياسات التهميش الممنهجة التي مارسها النظام القائم عليهم.
أما الطبقة العاملة بالمدن فلم تستطع بواسطة نضالاتها تجاوز مستوى المطالبة بتحسين ظروف العيش أمام هجوم قوى الاستغلال الجديدة على قوتها ، و أصبحت مجرورة وراء القيادات البورجوازية النقابية التي تتحكم فيها الأحزاب البورجوازية ، سعيا لكسب بعض المطالب المحدودة في ظل فقدانها لحزبها السياسي و فصلها عن حليفها التاريخي/ الفلاحون الفقراء ، و بقيت مطالبها مرهونة بأهداف حزبية ضيقة في تنافر وشتات نتيجة الإنشقاقات داخل الأحزاب البورجوازية ، وهكذا أدى انفصال هاتين الطبقتين إلى ضياع مصالح الطبقات الشعبية و تنامي هجوم تحالف الإقطاع و البورجوازية الكومبرادورية على مصالحها.
إن قانون التطور اللامتكافيء الذي يميز نمظ الإنتاج الرأسمالي خاصة في الأنظمة الخادمة لمشاريع الرأسمالية الإمبريالية ، يعمل على تكريس الفوارق الطبقية و الإجتماعية في مناطق البلاد المختلفة ، حيث تحظى المناطق الغنية بالثروات الطبيعية باهتمام الرأسمالية ، التي تعمل على بناء الطرق و السكك الحديدية و المرافيء و غيرها لتسهيل استغلال ثروات الشعوب ، ويتضح ذلك في التفاوت بين المدن و سهول الغرب و بين جهات الجنوب و الشمال ، ويرجع تهميش البوادي إلى الدور الذي لعبه الفلاحون الفقراء في مواجهة الاستعمار المباشر ، بدءا بثورة الشهيد محمد عبد الكريم الخطابي في العشرينات من القرن 20 و انتهاء بالمقاومة و جيش التحرير في الخمسينات.
و في مرحلة الاستقلال الشكلي تحالفت قوى الاستغلال الجديدة ، و أصبحت جل المدن مراكز لجل العمليات الإنتاجية الرأسمالية بينما الضواحي و البوادي تعيش تهميشا واضحا ، ومع تنامي هجوم قوى الإستغلال الجديدة تنامت الفوارق الطبقية و الإجتماعية إلى حد ظهور طبقات بورجوازية اغتنت غناء فاحشا على حساب الطبقات الشعبية ، التي تم تفقيرها و نشر الأمية و الجهل في صفوفها و تعطيل الشباب و خاصة حاملي الشهادات منهم و تهميش الثقافات الشعبية و خاصة الأمازيغية .

تحالف الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء ضرورة تاريخية من أجل التغيير الثوري :

على عكس الاستعمار و تحالف البورجوازية الكومبرادورية و الإقطاع فإن الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين ينظرون إلى الوطن على انه وحدة متكاملة لا تقبل التجزيء ، تلعب فيه المناطق الغنية دورا هاما في الإسراع بتنمية المناطق الفقيرة ، و تلعب فيه المدينة دورا تاريخيا في نقل الحضارة إلى البوادي لإخراجها من تخلفها ، و يكون فيه الفلاحون الفقراء بالبوادي السند التاريخي للطبقة العاملة بالمدن من أجل التنمية الإشتراكية في ظل مبدأ تقرير مصير الشعوب .
إلا أن سياسة النظام القائم حولت المدن إلى ملجأ للفلاحين الفقراء الذين دفعهم الفقر و القروض الفلاحية إلى بيع أراضيهم لقوى الاستغلال الجديدة بأبخس الاثمان في احسن الظروف، هذه البورجوازية الكومبرادورية التي تطمح إلى أن تملك رأسمالا كبيرا عن طريق استغلال أراضي الفلاحين الفقراء ، نظرا لعجزها في الميادين الصناعية و المالية نتيجة ضغط الرأسمالية الأمبريالية بواسطة الشركات متعددة الأستيطان ، فلم تجد إلا أراضي الفلاحين الفقراء لتبتلعها و تبني السدود عليها في ظل الحماية القانونية لاستغلالها ، هذه القوانين التي تشرعن لضرب حق الفلاحين الفقراء في الأرض و الماء و الثروات الطبيعية و تنمية الثقافات الشعبية خاصة الأمازيغية ، كما يعمل تحالف قوى الاستغلال الجديدة على تفويت المؤسسات الفلاحية و الصناعية و المالية الوطنية بعد نهبها و التي بنيت بعرق جبين الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء ، و طرد العاملات و العمال في ظل الحماية القانونية لمدونة الشغل الرجعية ، و ذلك من أجل الاغتناء السريع على حساب ثروات الشعب المغربي .
أمام الأوضاع السياسية و الاقتصادية و الاجتماعية و الثقافية المزرية للطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين تطرح الضرورة التاريخية لبناء الحزب السياسي الثوري ، الذي يجب أن يرتكز عمله على مقاومة الرأسمالية الإمبريالية ، من أجل التغيير الثوري و لن يتأتى ذلك إلا عبر نضال الطليعة الثورية في صفوف الطبقة العاملة و الفلاحين الفقراء و الكادحين ، من أجل تأجيج الصراع الفكري و الأيديولوجي و السياسي و الحركات الاجتماعية للطبقات الشعبية ضد البورجوازية في ظل الممارسة العملية للنظرية الماركسية اللينينية .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - التنظير والممارسة
حسن الكافر ( 2010 / 8 / 28 - 00:21 )
تحية واحترام
مقالة مهمة في المستوى من حيث التحليل والتشخيص
يبقى السؤال كم نحن بعيدين في تنظيراتنا على الممارسة والواقع
عندما اقرا مثل هده التحاليل اشعر ان الثورة قادمة وان اليسار متجدر وووووو
لازم نتجذر وسط الجماهير لازم التنظير يكون مقرون ببممارسة ميدانية

اخر الافلام

.. الانتخابات التشريعية الفرنسية: اليمين المتطرف يتصدر الاستطلا


.. فرنسا: هل يمنع حزب التجمع الوطني مزدوجي الجنسيات من الولوج إ




.. هل يعتمد ماكرون استراتيجية تشوية اليسار في الدورة الأولة للت


.. مظاهرات بتل أبيب والقيسارية ضد نتنياهو هي الأضخم منذ بدء الح




.. الناصرية 1 حزيران 2024 - مشاركات الحضور - ندوة سياسية لمنظم