الحوار المتمدن - موبايل
الموقع الرئيسي


الروائي ابراهيم الكوني واسقاطات الحكمة في روايته الاخيرة

خليل الشيخة
كاتب وقاص وناقد

(Kalil Chikha)

2010 / 8 / 29
الادب والفن


الروائي الليبي إبراهيم الكوني غني عن التعريف، فقد وصلت مؤلفاته إلى السبعين في الأدب والفكر. وظهرت أعماله الأولى واضحة في الغايات الإنسانية النبيلة ومرتبطة بأخلاقيات حضارية سامية. إضافة لذلك، تأطرت أعماله بالعمق الفلسفي وكشفت عن خبايا النفس البشرية في نزواتها وميولها، حيث شكل أسلوبه المميز إرساءً لمدرسة أدبية خاصة به، لتميزه في تقنيات السرد والحوار والحبكة عن باقي الروائيين العرب. وشكلت تجربته إرهاصات لمد جديد في الرواية العربية ستؤثر حتماً في أجيال قادمة، وهي بلا شك بصمة لا تزول بعامل الزمن في حقول الآداب العالمية.
ملخص الرواية:
تبدأ الرواية بتقديم شهادة الولادة لموظف السجل المدني لتسجيل الوليد الجديد، لكن يفاجأ الموظف بغرابة الاسم "يوجرتن"؛ يشكل هذا أرضية لمأساة الأب وبطل الرواية " مسّي" حتى النهاية، في الكفاح من أجل الاعتراف باسم ابنه الوحيد. يأتي الأب كل يوم إلى قاعة الانتظار بغية إنهاء المهمة فيتعرف على شخص اسمه "موسى" أتى أيضاً من أجل تسجيل ابنته "مريم" وواجه نفس المشاكل برفض دائرة السجل بالاعتراف بهذه الأسماء (الغريبة غير المنزلة). يكبر الوليد ويتقدم إلى المدرسة فيُرْفَض كونه لا يحمل شهادة ولادة. تزداد الأحزان بموت الأم لحزنها على ابنها. ويخسر الأب اسمه لغرابته وعدم تماشيه مع اللائحة الموجودة . ينزوي الابن بنفسه في الغرفة لا يغادرها إلا للضروريات. فيما بعد يحصل شجار في الحي بين "يوجرتن" المدافع عن حقه في الوطن كالآخرين وبين شاب يتهمه "بالغريب أو المتسلل". يُعْتَقل الابن في قسم الشرطة لعدم توفر إثبات لهويته.
يقترح صديقه موسى عليه أن يعمل مع شخص يمتلك شركة للتنقيب عن النفط مقابل الإفراج عن ابنه وتصحيح وضعه في السجل المدني. بعد الإفراج عن الابن يكتشف من شخص ما، أن موسى قد خدعه ليصحح اسم ابنته. أما الابن، وبعد فشل الاعتراف بالاسم من قبل السجل يختار أسماً آخراً هو (جرئ) ليعيد ذاته وانتماءه إلى مجتمع المدينة التي يعيش فيه. يتتالى الصدام مع الابن الذي يُحَمّل المسؤولية للأب في ظلمه بإعطائه اسماً غريباً، مما نتج عنه كل هذه المآسي. يكتشف الأب أن الابن يعمل مع صاحب شركة النفط المخادع في تهريب الآثار من الصحراء؛ فيزداد حنقه؛ وتأخذ الأمور بالتسرب واحدة تلوى الأخرى من قبل الأب ليعلم من جاره أن ابنه قرر مع مجموعة من الشبان نسف بناء السجل المدني انتقاماً.
في النهاية يخرج البطل (مسّي) ويتبعه الابن وكأنهما "متفقان في الموعد" إلى صحراء مفتوحة وتحصل التضحية أمام غروب الشمس وفي أحضان ربة الصحراء (تانيت) التي شكلت في العقلية القديمة موجودات مقدسة.
الشخصيات وهلامية المكان والزمان:
تنطلق الرواية من شخصية البطل (مسّي) داخل السجل المدني دون تحديد جغرافي لصبغة المكان، ويسير الزمن بشكل ذاتي ليكون إطارًا موضوعياً لتحفيز الحدث وبناء الحبكة. هنا، تتطور الشخصيات ضمن أطر الأحداث أكثر من إشكاليات الزمن. بمعنى آخر، لا يشكل عامل الزمن الموضوعي الانتقال من طور إلى آخر بل الزمن البيولوجي هو اللاعب الأكبر في تسيير الأحداث. مثل نمو الطفل إلى مرحلة دخوله المدرسة، ومروره بطور المراهقة، الذي كرّس الأزمة بالانتماء إلى الأب أو إلى البيئة المحيطة (المدينة).
ثمة شخصيات هامة تطور الحدث وتجره إلى النهاية مثل البطل(مسّي) والابن (يوجرتن)، وشخصيات ثانوية تؤثر في تسيّر الشخصية الأساسية أو في نموها ومواقفها، مثل (موسى) الرجل العادي الذي يلتقي به (مسّي) في دائرة السجل أو صاحب الحانوت في الحي الذي يقطنه أو نزيه الفاضل الموظف الذي استلم منه شهادة الميلاد وُطرِد بعد ذلك بسبب إعطائه وصل استلام. والباي الذي يُخْرج الابن من المعتقل ويتخفى تحت اسم شركة نفطية.
الأطر الفلسفية للسرد والحوار:
تميز الكوني بأسلوب سرد جذّاب متنوع المعالم، ما إن يبدأ القارئ الرواية حتى يشعر بأن قوى في داخلها تشده لنهايتها. والكاتب يعمل على عدة مستويات في سرده: فهو أحياناً يتماهى مع شخصية البطل حتى يغدو هو البطل ذاته في ردود أفعاله ومنظومة أخلاقياته؛ خاصة عندما وقف البطل أمام لجنة السجل الذين "تضاحكوا كالرعاع في حانة قبل أن يخاطبه أحدهم بلسان عصابة فرغت من حياكة مكيدة"(ص22). أو في تصويره لبعض الموظفين في المبنى " بدأ يستعرض وجوه الناس الذين عرفهم وكانوا شديدي الشبّه بالحيوانات أو الزواحف أو حتى الهوام والحشرات"(ص76). ثم ينفصل عن البطل دون أن يكون حيادياً، كما في وصف الرجل الذي سلمه قرار المصادرة: " هناك استقبله مخلوق طائش في مقتبل العمر، ليزف إليه نبأ القرار القاضي بمصادرة وثيقة إثبات الهوية رسمياً"(ص107).أو في تصوير الباي عند محاولة اغتياله:" خمّن وجود باب خلفي يستطيع الوغد أن يستعمله على عادة المديرين وأكابر الدوائر"(ص235). والمستوى الثالث هو أخذه دور الراوي المتتبع لحيثيات المشاهد دون التدخل بإعطاء رأيه في الأحداث :"بعد العودة من الرحلة بأيام ذهب (مسّي) لزيارة وكيل شركة التنقيب عن النفط الملقب باسم الباي"(192ص).
يتخلل السرد رؤية فلسفية سيسيولوجية تصل بالكاتب إلى حد الاتهام في وصف البنى الحضارية ومستويات أخلاقياتها أو سلوكياتها كما ورد في تحليله السردي لمجتمع العمران: "هذا المسلك المجبول بروح العبودية، هو شهادة البراءة التي تثبت الانتماء إلى مجتمع العمران الذي يتخذ من التنكيل بالأبرياء مهنة، كما يملي ناموس أي مجتمع عبودي"(ص128).
أما الحوار فقد حفّز على تتالي الأحداث ونموها والتعرف على الشخصيات المختلفة في الرواية. لكنه أتى بشكل إسقاطي ليخدم رؤية الكاتب أكثر مما يخدم فهم طبيعة الشخصية وحدودها الثقافية. فالشخصيات في الغالب حكيمة متفلسفة وهي أشبه بشخصيات نيتشه في (هكذا تكلم زاردشت). فهي تسبر الواقع وتحلله بطريقة ذكية عميقة. انظر إلى هذا الحوار بين الساعي ومسّي. يقول الساعي : "ولدت، ولكني لم ألد، ولا أنوي أن ألد إلى الأبد .. لأن يقيني في الأبناء لا يكمن في فناء الآباء فحسب، ولكن لأني لا أريد أن أضيف شقوة كبرى إلى شقوة صغرى... هذه الذرية هي شقوتنا الكبرى"(ص33). أو حواره مع المحامي (الداهية) حين يقول له: " لا يجب أن ننسى أن للحقيقة طبيعة متحولة .. ما آمن به أسلافنا القدماء كحقيقة مطلقة، انقلبت مع الأيام بهتاناً، وما نؤمن به نحن اليوم سوف يثير سخرية الأخلاف بعد ألف عام" (ص120). وحتى (مسّي) الإنسان الذي أتى من الصحراء لديه حكمة في كل ما يقول ويروي خاصة عندما كان يحادث ابنه في الصحراء عن درجة أهمية الاسم بالنسبة للفرد أو رواية أصل الخلاف بين ثقافة الصحراء وثقافة القرية: "أن ينتحل الإنسان لنفسه اسمه على سبيل الإعارة خطيئة حقيقية تستوجب القصاص حقاً .. – ثم ينتقل إلى رواية أخرى- تقربت قبيلة الاستقرار بنصيب الأرض، في حين تقربت قبيلة الترحال بنصيب الأنعام.. رُفِضت تقدمة الزروع. فنشب العداء بين القبيلتين منذ ذلك اليوم" (ص 158-159).
وراء الرمز الروائي:
يحتضن أدب الكوني كَمّاً هائلاً من الرمزية في الأسماء والحوار والحكايات المسرودة. فقد بدأ بعنونة روايته على شكل سؤال مطروح ؛ بالطبع دون إجابة شافية حتى النهاية. لكن العنوان يأتي بصيغة شك في الشخصية بضمير (المخاطب)، ثم إجابة ملغومة في السؤال نفسه غير واضحة عندما يطلق عليه أسم "الملاك". الملاك هذا، هو الذي كان الكوني دائب السعي وراءه ليقدمه للقارئ على أنه جوهر الأشياء والعقل في بداياته وفطرته دون تلوثه بنفاق المدينة وأخلاقياتها. هو ابن الصحراء والبادية التي شكّلت الإرهاصات الأولى للحضارة البشرية. ويتعدى الطرح هذه الرواية ليشكل هاجساً دائماً يتكرر في معظم رواياته. فحتى اللعب في الأسماء لها أبعادها الرمزية عند الكوني. فهو يطلق على صديق البطل موسى اسم القرين، وعلى رئيس السجل المدني الكاهن، والبناء اسم (المحفل)، والابن (ولي العهد). واستناداً لكل هذا فهو قد اختزل الرواية ومحتواها في مقولة لبلوتارك: "إنه لا يمتلك بيتاً، بل يتباهى بأنه لا يمتلك بيتا. يسرح في البرية بالحرية ذاتها التي تسرح بها الشمس". وتختلط هنا الفلسفة بالمثيولوجية لتشكل بوتقة يصهر فيها الكاتب خبرته ومعارفه وأفكاره دون خدش لغته أو إقحامها بالمباشر أو الخطاب التقريري. وتكرار الثالوث في معظم رواياته (الصحراء-الرّتم -الودّان) لهو أكبر دليل على تشبثه بالرمز وإسقاطه على ابن الصحراء الذي كتب، وظل أمينا له في أدبه الرائع ورواياته العالمية ذات القامة السامقة .








التعليق والتصويت على الموضوع في الموقع الرئيسي



التعليقات


1 - عنوان الرواية
خليل الشيخة ( 2010 / 8 / 30 - 20:45 )
عنوان الرواية - من أنت أيها الملاك- .

اخر الافلام

.. بطل الفنون القتالية حبيب نورمحمدوف يطالب ترمب بوقف الحرب في


.. حريق في شقة الفنانة سمية الا?لفي بـ الجيزة وتعرضها للاختناق




.. منصة بحرينية عالمية لتعليم تلاوة القرآن الكريم واللغة العربي


.. -الفن ضربة حظ-... هذا ما قاله الفنان علي جاسم عن -المشاهدات




.. إصابة الفنانة سمية الألفى بحالة اختناق فى حريق شقتها بالجيزة